نحن في عاصفة كاملة الاوصاف. لو أن أحدا ما كتب سيناريو هذه الأيام الرهيبة، لركلوه إلى قسم علم الخيال.
تدار دولة إسرائيل دون حكومة منتخبة، ودون مفتش عام للشرطة، ومدير عام لوزارة العدل، ومأمور لمصلحة السجون، ودون نائب عام للدولة ورئيس وزراء منتخب، ودون رئيس كنيست، ودون ميزانية أو سلطة طوارئ وطنية، ودون كمامات وعتاد للوقاية وأجهزة تنفس (كافية)، ودون سلطة قانون، ودون أطقم فحص، ودون منظومة إعلام وطنية.
ماذا هناك؟ هناك كورونا، هناك خصام حظوة غبي بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع، ودعوة من وزراء كبار لعدم الانصياع لأوامر محكمة العدل العليا، وهناك رئيس كنيست يستخف بأوامر المحكمة العليا، وفوضى سلطوية غير مسبوقة، وبطالة لمئات الآلاف، وإغلاق شبه تام للشوارع والمدن، وهناك خطابان للأمة في ذات المساء: واحد لرئيس الدولة، والثاني لرئيس الوزراء (غير المنتخب).
تحدث بنيامين نتنياهو أمس بتعابير توراتية. لو علّق رجل فضاء في عالمنا للحظة لكان على قناعة بأننا في العام 1347 حين اندلع الوباء الأسود (“الموت الأسود”)، الذي قتل بين الثلث و60 في المئة من سكان أوروبا وبضع عشرات الملايين من الصينيين. تذكير: في هذه اللحظة يوجد في إسرائيل 5 موتى. كلهم كبار في السن جداً مع أمراض خلفية. في هذه اللحظة يوجد في إسرائيل 39 مريضاً خطيراً. المعطى المؤكد الوحيد داخل فوضى كورونا هو المرضى الخطيرون. كلهم معروفون ونزلاء المستشفيات.
وبالفعل، هاكم معطى مذهلاً: عدد المرضى الخطيرين في إسرائيل هو، بشكل دائم، نحو 1 – 2 في المئة من عدد المرضى المعروفين. والآن، شيء آخر: عدد المرضى الحقيقيين الذين يتجولون في إسرائيل أكبر بعدة أضعاف من المرضى الذين شخصوا. وحسب البروفيسور ايتمار غروتو، يدور الحديث عن 50 ألف مريض. وحسب خبراء آخرين، يدور الحديث عن نحو 100 ألف مريض. وحسب مجموعات المحللين الإسرائيليين الذين يجلسون على كل المعلومات التي تراكمت من كل أرجاء العالم، يدور الحديث عن أكثر من هذا بكثير. شيء ما بين 300 و 400 ألف إسرائيلي يتجولون مع هذا الفيروس، ومعظمهم لا يعرفون عن ذلك على الإطلاق. وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى الاستنتاج بأن نسبة الوفيات الحقيقية من كورونا أدنى بكثير من نبوءات الغضب التي يقدمها نتنياهو. لن يكون هنا 10 آلاف ميت. لست متأكداً من أن نبوءة البروفيسور مايكل لويت ستتحقق (فقد تحدث عن 10 موتى) ولكني متأكد من أن التخويف بآلاف الموتى لن يتحقق.
وبالتالي، لماذا يخيفنا نتنياهو؟ يحتمل أن يكون هو نفسه خائف، فلدى نتنياهو ميل للدخول في حالة فزع، وهذا الميل معروف لكل معارفه ومقربيه ومستشاريه، وبشكل عام هذا جميل. من الأفضل أن نكون مستعدين، وحتى لو لم تأت الكارثة في النهاية، ويحتمل هذه المرة أن تكون لديه بضع أجندات خفية أخرى: أولاً، بناء الرواية؛ إذا كان يتحدث عن 10 آلاف ميت وفي النهاية يموت 150 “فقط” فسيخرج ساحراً. ثانياً، المصلحة الشخصية؛ فتحت غطاء كورونا، يواصل حث “أزرق أبيض” على قبول زعامته في حكومة وحدة. عندما يحترق كل شيء، فماذا يهم رشوى – مشوى؟ ادخلوا إلى الحكومة ولننقذ شعب إسرائيل. وإذا لا، فإني سألقي عليكم الملف بعد ذلك.
ثمة شيء ما آخر، فمع أن الوباء هو على ما يبدو أقل فظاعة بكثير مما يروون لكم (ولا تزال حاجة للاستعداد وحاجة لتنفيذ كل التعليمات نصاً وروحاً)، فإن مشكلة نتنياهو تكمن في وضع الجهاز الصحي الإسرائيلي: حتى ظهور معقول للوباء من شأنه أن يخلق وضعاً لا يكون فيه ما يكفي من أجهزة التنفس. الجهاز جائع بسببه، وجاف ومتوتر حتى أقصى حدود القدرة. عدد الممرضات للمريض، وعدد الأسرة، وكمية القوى البشرية والإهمال عديد السنين كلها أعطت مؤشراتها. من الأفضل الامتناع عن هذه الصور لاحقاً. وبالتالي يبث نتنياهو حدثاً توراتياً، يخيف شعب إسرائيل كخطر كارثة ثانية ويفعل كل هذا لأنه يستطيع، ولأنه يعرف، ولأنه لا يوجد ما يخسره.
في خطابه أمس، لم يكلف نتنياهو نفسه عناء التطرق إلى الأزمة الدستورية غير المسبوقة التي قاد إسرائيل إليها. أما رفض رئيس الكنيست الانصياع لقرار محكمة العدل العليا فقد مر عن أذُنه كذبابة مزعجة. في الماضي حرص نتنياهو على قول الأمر المفهوم من تلقاء ذاته في كل مرة حاول فيها أحد ما من عصبته المس بسلطة القانون أو بالقاعدة الأساسية للانصياع لقرارات المحكمة. هكذا فعل في 2015، وهكذا فعل حتى في 2019، في تغريدة قصيرة جاء فيها “كل واحد يجب أن يطيع قرارات المحكمة”. في 2020 يتجاهل الحدث وكأنه لم يحصل قط. وكأن أدلشتاين لم يحاول إغلاق بوابات المجلس التشريعي الإسرائيلي في وجه منتخبي الجمهور. وكأن أدلشتاين لم يرفض الاستجابة لطلب 61 نائباً لانتخاب رئيس كنيست جديد (كما هو دارج بعد الانتخابات). وكأن أدلشتاين لم يحتقر المحكمة العليا، وكأن وزراء كباراً آخرين لم يحثوه علناً على عمل ذلك. ولم يخجلوا فحسب بل راحوا يتباهون، وحقيقة أن هذا الفعل غير المعقول هذا والذي كان يفترض أن يدفع أدلشتاين إلى الأمام في الصراع على خلافة نتنياهو، هي إرث نتنياهو. خيراً فعل نتنياهو إذ لم يتطرق لهذا أمس. ولكن لا حاجة لأن يقلق، فإرثه سيطارده.
بقلم: بن كسبيت
معاريف 26/3/2020