مرة اخرى يطلقون علينا مبادرة سلام

حجم الخط
0

أحد الادعاءات التي طرحت في الجانب الاسرائيلي منذ اندلاع ‘الربيع العربي’ هو ان مبادرة السلام العربية التي نشرت لاول مرة في اذار 2002 في قمة الجامعة العربية، لم تعد ذات صلة. ولكن الاعلان الاخير الذي صدر عن أعضاء لجنة المتابعة في الجامعة العربية، إثر لقائهم بوزير الخارجية الامريكي جون كيري بشأن تمسكهم بالمبادرة، يدحض تماما هذا الادعاء الاسرائيلي. وليس هذا وحسب، فقد اضاف اعضاء لجنة المتابعة تنازلات في الموقف العربي، إذ أعربوا عن الاستعداد باجراء تعديل متفق عليه على حدود 67.
لقد كان رد الفعل الاسرائيلي حتى الان مخيبا جدا للامال. فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو امتنع عن التطرق للمبادرة. وكان رد فعل ‘محافل سياسية’ في القدس باردا للغاية، بل ولم يتطرق مباشرة الى الاقتراح العربي. ردود فعل أكثر ايجابية جاءت من جانب رئيس الدولة، شمعون بيريس، ووزيرة العدل تسيبي لفني، ولكنهما الاثنان أعربا عن موقف ايجابي منذ المباحثات السابقة على المبادرة، وبالتالي فلا يوجد ما هو جديد في ذلك. النقطة الهامة هي اختراق تحصينات موقف الرفض الاسرائيلي واقناع الجمهور، وكذا اصحاب القرار، بان مبادرة السلام العربية، حتى في صيغتها الحالية، تتضمن عناصر ايجابية لاسرائيل يمكنها أن تكون اساسا مناسبا لاختراق الطريق السياسي المسدود مع الفلسطينيين ومع العالم العربي باسره.
منذ عرضت المبادرة تناولها معظم اصحاب القرار والجمهور في اسرائيل بشك واشتباه. وهذا الموقف ليس نتيجة دراسة عقلانية للامكانيات الكامنة في المبادرة. هذا رد فعل عاطفي: فالعالم العربي والاسلامي يتصل عندنا بشكل عام بصور التهديد والخطر: وعندما ‘يطلقون’ علينا مبادرة سلام فاننا لا نعرف كيف نرد. السلوك العدواني من الطرف العربي يعتبر في نظرنا متوقعا ومنطقيا، اما السلوك المتصالح فيثير تساؤلات على دوافعه وشكوك على مصداقيته.
أحد المقاييس الهامة لفحص مدى جدية الطرف الاخر هو الاصرار والعناد الذي يبديه في مواقفه. فأنور السادات مثلا بدأ ‘هجوم السلام’ الذي شنه منذ العام 1971، حين كانت الذروة في زيارته الى القدس في العام 1977. وعشية الزيارة كان هناك من لا يزال يعتقد بان هذه مجرد حيلة عربية اخرى. بتعبير آخر، كان التوقيع على اتفاق السلام مع مصر في 1979 وليد ثمانية سنوات استمرت فيها المحاولات المصرية للوصول الى السلام. ومبادرة السلام العربية هي الاخرى تجمع حتى الان 11 سنة من الغبار. حقيقة أن الجامعة العربية عادت لتصادق على المبادرة كل سنة في لقاءاتها، هي دليل على أنها ثابتة في موقفها.
لشدة الاسف، اسرائيل هي الاخرى ثابتة في موقفها، ولكن في الاتجاه المعاكس. فهي تواصل الاصرار على عدم رؤية المبادرة كاساس هام في احداث اختراق سياسي مع كل العالم العربي، وتواصل البحث على عناصر سلبية في صيغته.
تعرض المبادرة على اسرائيل فضائل عديدة: اولا، اعتراف وشرعية من جانب المحيط الاقليمي العربي؛ ثانيا، امكانية التعاون مع جهات عربية في مواجهة مخاطر اقليمية مشتركة مثل ايران، محافل الارهاب مثل القاعدة بل وحتى منظمات شيعية كحزب الله؛ ثالثا، في ضوء الانقسام في المعسكر الفلسطيني بين فتح وحماس، تعرض المبادرة على ابو مازن ‘مظلة’ تمنحه شرعية عربية للتنازلات في المسائل المعقدة للقدس واللاجئين؛ واخيرا، تحسين مكانة اسرائيل في الساحة الدولية مثلما ايضا في اوساط منظمات المجتمع المدني في العالم العربي، التي تؤدي اليوم دوما أهم مما في الماضي في تصميم الخطاب السلطوي. التغيير الوحيد يتعلق باخراج سوريا من دائرة محتملة للمفاوضات في ضوء الحرب الاهلية الجارية فيها. ولكن سوريا، التي طردت من الجامعة، لا يمكنها أن تدق العصي في عجلات المبادرة، مثلما فعلت في الماضي.
ان إقرار المبادرة العربية من اعضاء لجنة المتابعة في الجامعة، ولكن بشكل خاص الموافقة الجديدة على تعديلات طفيفة في حدود 67 هما أمران هامان للغاية، لانهما يظهران بان الطرف العربي ثابت في موقفه رغم عدم الاستجابة المواظبة من الجانب الاسرائيلي. ومنذ نشرت، رفض العرب ادخال اي تعديلات ـ حتى وان كانت طفيفة ـ على المبادرة، وذلك لانهم رغبوا في ان يحصلوا أولا على رد ايجابي رسمي من حكومة اسرائيل. وقد قالوا مرات عديدة ان ‘الكرة توجد في الملعب الاسرائيلي. ولهذا فيجب أن نرى في التعديل تعبيرا عن بادرة طيبة ترمي الى ان تكون حافزا جذابا لاسرائيل. اما عدم الاستجابة، او اظهار اللامبالاة من جانب اسرائيل تجاه العرض العربي، فسيكون خطأ لانه يتعارض ومصالحها. ان مثل هذا السلوك سيشكل اهانة للطرف العربي وسيعزز الاصوات الداعية الى سحب المبادرة عن جدول الاعمال السياسي بسبب عناد اسرائيل.
ان قصة مبادرة السلام العربية هي قصة تفويت متواصل للفرصة من جانب اسرائيل. بعد حرب لبنان الثانية نشأ زخم ادى الى احياء المبادرة: ايهود اولمرت من جهة وبيرس من جهة اخرى كانا هما من قادا التغيير، ولكنه اختفى مع انتخاب حكومة نتنياهو ـ ليبرمان التي عارضت المبادرة بشدة. تحت قيادة وزير خارجية نشط يعين لتوه في منصبه، فان مبادرة السلام العربية قد تكون في بداية زخم جديد، الكرة بالفعل توجد في الملعب الاسرائيلي؛ حان الوقت لقبول التحدي ورد الحرب عفوا، السلام.

‘ بروفيسور في دائرة دراسات الاسلام والشرق الاوسط في الجامعة العبرية وعضو في ‘اسرائيل تبادر’
هآرتس 14/5/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية