طالما نبز من يسمون برجال الثورة وشبابها من القوى المدنية والعلمانية الإخوان المسلمين بأنهم ركبوا على الثورة وقاموا باستغلالها، لتحقيق أهدافهم المتمثلة في الوصول إلى السلطة وإحكام القبضة على مفاصل الدولة المصرية. اليوم يفصح المشهد المصري عن حقيقة لا يستطيع أن ينكرها إلا مكابر عنيد أو خصم لدود، هذه الحقيقة هي أن الإخوان المسلمين هم الذين فجروا الثورة وكانوا وقودها وتحملوا عبء حمايتها على مدى عامين من عمرها القصير. لقد حاول الدكتور محمد مرسي على امتداد عام من ولايته أن يرسو بسفينة الثورة على بر الأمان، وسط أمواج وعواصف كادت أن تعصف بالسفينة ومن عليها غير ما مرة. كان صمود الدكتور محمد مرسي على مدى عام من رئاسته أشبه ما يكون بمعجزة صعبة التصديق، الكل كان يتربص به ويحاول جهد ما يستطيع النيل منه ومن حكومته وانجازاتها حتى من أقرب المقربين إليه من بعض الأحزاب الإسلامية الذين توجوا خياناتهم الظاهرة والباطنة بالظهور في مسرحية خلع الثورة وإعادة تنصيب مبارك من جديد جنبا إلى جنب مع رموز الفساد والثورة المضادة. الأمة اليوم على بينة من أمرها، حتى من كانوا يعتقدون أنفسهم يوما رموزا للثورة والحكم المدني الليبرالي، تبين أنهم ليسوا سوى ‘مجندي احتياط’ لا يتقنون من السياسة سوى ركوب الدبابة والصعود بها إلى السلطة على جماجم شرفاء الوطن. لقد صمد مرسي لمدة سنة كاملة في وجه منظومة قضائية فاسدة، لا تفتأ تحول كل مكاسب الثورة إلى هشيم تدروه الرياح، وتعيد الثورة إلى نقطة الصفر في أكثر من مناسبة. وصمد في وجه إعلام فرعوني فلولي وظف كل وسائل الكذب والسخرية والنيل من الكرامة في سبيل رسم صورة سوداء للإخوان وللحركة الإسلامية عموما وللثورة بشكل عام، إعلام يتلقى التمويل والدعم من كيانات تعد أكبر مطرح للمال الحرام في العالم ومعروفة كذلك بكونها أكبر حظيرة تؤوي أبقار وتماسيح الثورة المضادة. وصمد أمام منظومة دينية بلعامية ظلت وفية لعصور الاستبداد والظلم، وكانت آخر فتوحاتها أن أفتى أحد أعلامها وهو على جمعة مفتي الجمهورية السابق للقناصين القتلة بوجوب قتل المتظاهرين من الإخوان لأنهم خوراج، وما درى المسكين أنه أكبر خارجي عرفته الأمة مند مقتل علي ابن أبي طالب على يد الخارجي عبد الله ابن ملجم لأن علي ابن أبي طالب آخر إمام شرعي ارتضته الأمة بالشورى والاختيار الحر إلى أن جاء مرسي وبالتالي فالذين خرجوا على مرسي هم خوارج أقحاح من سلالة عبد الله ابن ملجم لأنهم خرجوا على إمام شرعي اختارته الأمة بإرادتها الحرة، ولم يأت إلى السلطة بانقلاب ودبابة أو سيف ووراثة وبيعة مكرهة. وصمد أمام رجال أعمال ومؤسسات اقتصادية لا تستطيع العيش إلا في بيئة من النهب والمحسوبية والرشوة وامتصاص مقدرات البلد وثرواته، طغمة من رجال الأعمال حاولوا إسقاط الثورة بكل حيلة وطريقة ولو على حساب المواطن البسيط وخبزه اليومي، لقد كان صمود مرسي أما هذه الحيتان ورفضه لاملاءاتهم أشبه بالانتحار البطيء، وبلغ غي هؤلاء ذروته عندما قاموا عشية الانقلاب بحرمان المواطن من الوقود وإغلاق محطات التزود به ليزيدوا من غضبه ونقمته على الثورة، ويرغموه على الخروج ضدها في الثلاثين من يونيو. وصمد أمام منظومة أمنية وعسكرية متربصة نجحت في توجيه الضربة القاضية للثورة وإرجاعها إلى حدود الرابع والعشرين من يناير، مع حصيلة ثقيلة من الشهداء والجرحى والمعتقلين، كانت المؤسسة العسكرية أشبه ما يكون بمقاولة اقتصادية استثمرت فيها أمريكا ملايين الدولارات، ونجحت في تحويل جنرالاتها إلى طبقة برجوازية على استعداد لعمل أي شيء مقابل الحفاظ على نفسها ومصالحها ومواقعها، ولو كلفها ذلك إبادة نصف الشعب والإبقاء على النصف الآخر إلى حين. استثمار أمريكا في الجيش المصري لا يمكن أن يذهب مع الريح فهي التي تعهدته بالمعونة والرعاية مقابل وظيفة أساسية أناطت به مسؤولية القيام بها وهي حماية حدود إسرائيل والحيلولة دون قيام بعث إسلامي في قلب العالم العربي (الوظيفة الكلايسكية للجيوش العربية حماية علمانية الدولة) وقد قام الجيش المصري بوظيفته خير قيام، فقد حاصر غزة و دمر الأنفاق ونسق مع إسرائيل، وشيطن المقاومة، وتجسس على مواقعها، وألغى الشرعية وعزل الرئيس الشرعي وحارب الإسلاميين قتلا وخطفا واعتقالا وحرقا. وصمد مرسي أما عصابات من القتل والتخريب والبلطجة، من عصابات البلاك بلوك وغيرها التي تمارس أفظع عمليات القتل والتخريب ‘ ستاد بورسعيد نمودجا’ تحث غطاء سياسي من منافقي الثورة وسماسرتها، وبلغ تسيبهم أن تسوروا على الرئيس قصره ليحرقوه وهو موجود بداخله، في سابقة لم يحدث مثيل لها إلا في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان. وصمد الرئيس مرسي أمام منافقي الثورة من القوى المدنية والليبرالية واليسارية، الذين أظهروا حرصهم على الثورة لكنهم لم يفوتوا أول فرصة واتتهم لنسف كل انجازاتها ومكاسبها. وأخيرا صمد مرسي أمام منظومة دولية وإقليمية حقودة ظالمة آخر ما تتمناه هي أن يصل رجل من أبناء الحركة الإسلامية إلى رئاسة اكبر دولة عربية إسلامية. عبد الغني مزوز