‘ميمري’ هو الاختصار لاسم ‘مركز الشرق الأوسط للأبحاث الإعلامية’ الذي أسس عام 1998 في واشنطن ويديره ضابط مخابرات إسرائيلي سابق. هذا المركز يقوم برصد كامل ومستمر لوسائل الإعلام في الشرق الأوسط من إذاعات وتلفزيونات وصحف ومجلات ومواقع انترنت وحتى كتب مدرسية بهدف التقاط وتسجيل أية مادة لافتة أو تصريح يتعلق بالمواقف تجاه إسرائيل أو اليهود أو السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وكذلك كل ما يتعلق بالحركات الإسلامية، وبالطبع في مقدمتها حماس وحزب الله، أو مؤخرا ما يجري في مصــر من حراك.
يقوم المركز باختيار المقطع المعني كتابة أو صوتا وصورة مع ترجمة للغات مختلفة دون أدنى تعليق . بالطبع اختيار هذه المقاطع يعكس لدى القائمين على هذا المشروع انتقائية مدروسة، وبمكر غير خاف أحيانا، لكنها تظل في النهاية مادة خاما معروضة للتداول والتفكير. وكلما عثر المركز على مادة مثيرة في غرابتها أو مسرفة في عدائها للسياسة الإسرائيلية عمل على إبرازها وتوسيع نطاق تداولها حتى يقول للمهتمين وكل العالم: أنظروا ماذا يقول هؤلاء!! حتى أن أحد الزملاء الصحافيين تعوّد عند متابعته لكل حماقة مفضوحة من كاتب عربي أو داعية أن يقول إن هؤلاء لا يألون جهدا في تزويد ‘ميمري’ بالبضاعة التي يحتاجها!.
نحن يا سادة الآن في حاجة إلى معهد رصد من هذا القبيل وبنفس الهمة ليتابع لنا كل ما يكتب ويقال في ‘دول الربيع العربي’ وخاصة في مصر وتونس من كلام يختزن كمّا غير معقول من الحقد والكراهية لبعضنا البعض. داء آخذ في الاستفحال تدريجيا ولا أحد يقدر عمق الندوب التي سيتركها غائرة في النفوس حتى بعد أن تهدأ الأمور والخواطر، إذا قدر لهما أصلا أن يهدآ. التصريحات الموغلة في الشتم والتحريض وشيطنة القوى السياسية لبعضها البعض أمر يمكن فهمه لو أنه جاء على لسان ‘الدهماء’ من الناس لكن الكارثة أنه يأتي على لسان من يفترض أنهم صانعو رأي عام.
بعض مذيعي برامج ‘التوك شو’ في مصر تحولوا هذه الأيام، كدأبهم دائما في فترات التوتر، إلى عنصر تأزيم غير طبيعي. بالطبع، ليس مطلوبا منهم القيام بدور الوعاظ وحث الناس على التحابب والوقوع في غرام بعضهم البعض غير أن مهمتهم الإعلامية كانت تقتضي منهم القيام بدورهم المهني في عرض مختلف وجهات النظر ومحاججة أصحابها وإحراجهم وترك الجمهور يقرر دون وصاية أو توجيه. هناك حاليا زمرة من المذيعين، رجالا ونساء، تدعو صراحة إلى البغضاء والعداوة بين أبناء الوطن الواحد وحتى ضد الإخوة العرب.
بعض هؤلاء لا تزدهر سوقهم دائما إلا في أجواء التعبئة والتشنج سواء كانت سياسية أو حتى رياضية كما حصل قبل سنوات قليلة في مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر. ظاهرة هؤلاء ‘المذيعين القادة’ الذين باتوا يتخيلون أنهم الأقدر على توجيه مزاج الناس وتحديد خياراتهم السياسية بخطب عصبية متشنجة وضحلة تحتاج فعلا إلى دراسة إعلامية وحتى نفسية.
تونس لحسن الحظ لا تعاني هذه الظاهرة بنفس الحدة لكن الله ابتلاها بسياسيين لا يقدرون قيمة الكلمات التي تخرج من أفواههم وآخرهم رئيس كتلة حركة ‘النهضة’ في المجلس التأسيسي الذي هدد الناس في خطاب جماهيري بما سماه ‘استباحتهم في الشوارع’ إن هم قرروا ‘استباحة الشرعية’ الحاكمة في بلاده. نفس الرعونة وعدم التوفيق نجدها في تصريحات لشخصيات تونسية أخرى يسارية وقومية وغيرها مع تهم تلقى يمنة ويسرة دون أدنى حس بالمسؤولية. كلام يطلق على عواهنه، وأحيانا بلغة لا تناسب من يعمل في المجال السياسي والشأن العام، في برامج تلفزيونية وندوات وحتى تحت قبة الهيئة التشريعية المنتخبة.
لو أقدم أحدهم على بعث مركز رصد لهذه الخروقات التي يعاقب عليها القانون في كل الدول الديمقراطية المحترمة فسنقف على الكم الهائل من البغضاء والحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
لعلنا نستفيق قبل أن تتحول هذه الكراهية، لا سمح الله، إلى ما هو أكثر من مجرد كلام طائش.
أتمنا ان يكون للعرب مركز مماثل .