■ أثناء إقامتي في الولايات المتحدة، كنت في زيارة لإحدى الصديقات. وفي وقت الإفطار، قدمت لي وجبة شهية، وكانت بالطبع تحتوي على البيض لعلمها أنني أحرص على تناوله في الصباح. ولما كانت تعلم أنني نيقة الطباع، خاصة في ما يتعلق بالطعام وحقوق الحيوانات، عندما قدمت لي البيض، أردفت ذلك بجملة: «هذا البيض لدجاج سعيد» تعجبت من قولها؛ حيث كنت أسمع هذا المصطلح لأول مرة في حياتي. ولما سألتها ماذا تعنين بذلك، أجابتني بقولها، إن دجاج المزرعة كان ينعم بحياة طبيعية، أي أن أرجل الدجاج كانت تلامس الأرض عند الذهاب للمشرب والطعام واللعب، على عكس دجاج أغلب المزارع التي تظل حبيسة ليس، فقط جدران المزرعة، بل أيضا القضيب الجاثمة عليه، فلا تفارقه منذ لحظة خروجها من البيض إلا عندما تساق للمجازر، نمط حياة وحشي بالفعل يجعلنا نفكر مرتين قبل أن نأكل الدجاج، لكن من ناحية أخرى، حتى «الدجاج السعيد» يساق للمذابح، ومصيره المحتوم هو الأكل، لكن طبعا مع الفارق. فلو كان الذبح هو المصير المحتوم، فلماذا لا ينعم الدجاج ببعض السعادة، ويوهم بأنه يساق للمذبح بكامل إرادته.
بينما كنت غارقة في أفكاري تلك، تذكرت أننا نحن البشر نمر في الظروف نفسها؛ فهناك من تمتع بالحرية، لكن أيضا هناك الكثيرون الذين لم تتسن لهم المقربة منها. لكن السؤال المحير هنا، ماذا تعني هذه الحرية؟ بل الأهم من ذلك، ما الفائدة منها لو كان المصير واحدا ومحتوما؟ لقد آمنت منذ الصغر بمقولة ثالث رئيس لأمريكا توماس جيفرسون (1743- 1826) التي كان يؤكد فيها بقوله: «هناك بعض حقائق نتخذها من المسلمات: جميع البشر خلقوا متساوين، وأن الخالق قد وهبهم بعض الحقوق غير القابلة للتصرف فيها أو حتى رفضها، ومن تلك الحقوق: الحياة، والحرية، والسعي للسعادة». فالتمسك بالحق في الحياة هو نفسه قمة الحرية التي تسبب كل السعادة. ولهذا كنت أتخذ هذه المقولة نبراسا لحياتي في الصغر.
أما الرئيس الأربعون للولايات المتحدة رونالد ريغان (1911 – 2004) فأكد على أن «الحرية تعني حماية حتى ولو جيل واحد من الانقراض، فالحرية لا يمكن نقلها لأولادنا كي تسري في دمائهم؛ حيث يجب الكفاح لنيلها، وحمايتها، وتسليمها لأولادنا ليفعلوا هذا الشيء ذاته»، أي أن الرئيس رونالد ريغان يؤكد على أن الحرية يجب اقتناصها، وعدم التنازل عنها. أما الرئيس باراك أوباما (1961) وهو الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية، فلقد نادى بالناس قائلا: «نحن، الشعب، ندرك أنه تقع على عاتقنا مسؤوليات وكذلك حقوق، وأن مصائرنا مرتبطة بعضها مع بعض. وأن تلك الحرية التي لا تهتم إلا بما يمكن أن تقدمه لي، هي حرية تغض الطرف عن الالتزام تجاه الآخرين، هي حرية تخلو من الحب أو الصدقة أو الواجب أو الوطنية. ومن ثم، تصير لا تستحق تلك الحرية المثل العليا التي قام عليها وطننا، ولا تستحق الذين بذلوا دماءهم في الدفاع عنا». ومن الجلي أن لهجة الرئيس أوباما الذي عاش حقبة الألفية الثانية بجميع شرورها، مخالفة تماما لوجهات نظر أسلافه عن الحرية، والسبب في ذلك انبلاج غمائم الحياة الوردية، لوضع أسس القضبان النارية لعصرنا المقبل.
وبالنظر لمفهوم الحرية وتطوراتها المتلاحقة بعيدا تماما عن المجتمع الأمريكي، نجد أن الحرية بين المفهوم، والتطبيق على أرض الواقع ما هي إلا زلزال يُحدث عظيم الصدع في البشرية، ولكم أن تحكموا إذا كان هذا الزلزال سلبيا أم إيجابيا. ومن أعظم الأمثلة التي يمكن إبرازها لتوضيح مفهوم المعنى الحقيقي للحرية والدفاع عنها، هو النظر لتاريخ روسيا التي كانت في كل العصور موئلا لاندلاع الحريات وحركات الحرية. فقد قامت روسيا القيصرية على مبدأ خلق «روما الثالثة» التي لها قوة روما القديمة نفسها، سواء اقتصاديا، أو فكريا، أو سياسيا، وكذلك دينيا، لكن مع فارق أن روما القيصرية أوثوذوكسية وليست كاثوليكية. وبالفعل بسبب قوة روسيا وأنشطتها، خاصة العلمية والفكرية منها، نما على أرض روسيا العديد من المفكرين والفلاسفة، ومنهم الفيلسوف نيكولاي بردييف (1874- 1948) الذي تمثل أفكاره وآراؤه عن الحرية صدى مطابقا لما يدور في عصرنا الحالي. فقد كانت تنصب جميع أفكاره على محاربة أفكار الكنيسة الأرثوذوكسية، وسطوة رجال الدين على الحكم وعلى الشعب، ما سبب حدوث الكثير من الفساد والانحرافات المجتمعية.
بالنظر لمفهوم الحرية وتطوراتها المتلاحقة بعيدا تماما عن المجتمع الأمريكي، نجد أن الحرية بين المفهوم، والتطبيق على أرض الواقع ما هي إلا زلزال يُحدث عظيم الصدع في البشرية، ولكم أن تحكموا إذا كان هذا الزلزال سلبيا أم إيجابيا.
ولم تتوقف محاولات بردييف المستميتة للدفاع عن الحرية في محاربة سطوة الكنيسة، بل كانت له أفكاره السياسية القوية التقدمية، التي تعارض سطوة القيصر نفسه، وفساد منظومة الحكم منذ أن كان طالبا. فقد شهد نهاية القرن التاسع عشر فورة من الحماس الثوري في روسيا القيصرية، ومثل العديد من الطلبة والشباب، اعتنق بردييف الماركسية، لكن تم اعتقاله في مظاهرة طلابية، على إثرها كان طرده من الجامعة. أضف إلى ذلك، أدت مشاركته في أنشطة غير مشروعة في عام 1897 إلى عقوبته بثلاث سنوات من النفي الداخلي لمدينة «فولوغدا» الواقعة في شمال غرب روسيا، وقد كانت عقوبته أخف مقارنة بتلك التي واجهها العديد من الثوار الآخرين، وذلك بفضل خلفيته الأرستقراطية الثرية.
لكن لم تهدأ ثورة نيكولاي بردييف، واستمر في خوض معترك الحرية والدفاع عنها باستماتة بأفكاره الثورية. فقد كتب عام 1913 مقالا ناريا بعنوان «مخمدات الروح» ، ينتقد فيه بعض عادات الرهبان الأرثوذوكس، مما كان سببا في أن وجهت إليه تهمة ارتكاب جريمة التجديف، التي عقوبتها النفي إلى سيبيريا مدى الحياة. وقد كان أيضا بردييف محظوظا للغاية، حيث نجى من تلك العقوبة لاندلاع الحرب العالمية، والثورة البلشفية، ومن ثم لم تصل القضية إلى المحاكمة. وعندما اشتم بردييف الفساد يتغلغل في روسيا الماركسية، بدأ رحلة جهاد جديدة بعد ثورة أكتوبر/تشرين الأول عام 1917، عندما ظهر النظام البلشفي على حقيقته، وعلم أنه لا يكترث بتحقيق أي عدالة أو مساواة، بل يسعى إلى تعزيز سلطته، وبالتأكيد كان القمع أحد تلك الوسائل. فقد تخلص هذا النظام من جميع من مهَّدوا له الطريق ممن اعتنقوا الماركسية، والأفكار الثورية، وكذلك تخلص من حلفائه القدامى، الذين آمنوا بالثورة البلشفية بعدة وسائل. أما المفكرون، فأعد لهم المفاجأة الكبرى؛ حيث طردهم من روسيا البلشفية على ظهر ما يسمى بـ«سفن الفلاسفة»، على غرار «سفينة المعاتيه» في القرون الوسطى، ليلاقوا مصيرهم في الدول الأوروبية؛ حتى ينفرد البلشفيون وحدهم بالسلطة بعد ضمان أن جميع المتواجد داخل البلاد من أفراد الشعب – الذي أرادوا الحرية يوما – تحت سطوتهم ويرددون أفكارهم بدون أدنى معارضة.
و نيكولاي بردييف ليس المفكر الوحيد الذي نادى بالحرية، وليس بالضرورة أن ينادي لنيل الحرية المفكرون والفلاسفة، فيمكن للأفراد العاديين أن ينادوا بالحرية والمساواة، كما حدث بعد ثورات عام 1989 أيضا في روسيا، التي تسمى بالثورات الملونة، وكأن الشعب الروسي لم يتعلم من الدرس القاسي الذي ناله على يد البلشفيين. وكانت أعظم فائدة للثورات الملونة هي إنهاء الحرب الباردة، فائدة لم تعد على الشعب الروسي، ولم تجن منها روسيا إلا عظيم الخراب والفقر والتفكك، الذي أفضى إلى هيمنة المافيا الروسية، وجعلها القوة العظمى في الوطن. أما عن الفلاسفة والمفكرون الروس الأفذاذ، فمنهم هجر ذلك المجتمع الخرب، وهاجر إلى أوروبا، وأما من ظلوا على أرض الوطن فماتت أغلب أفكارهم عن الحرية بسبب شظف العيش، تماما كما حدث في الماضي.
فيما يبدو أن الإنسان لا يعي الدرس، ولا يستقي العبرة من التاريخ، فالحرية قبل أي شيء هي التخطيط الواعي لضمان حرية حقيقية على جميع الصعد. فمن لا يملك قوت يومه، لا يمكن أبدا أن يدعي أنه حر. والثابت أن الحرية وإن تغيرت خلفياتها، يجب حمايتها بقيامها على قوانين، وإلا وقع الجميع في براثن عبودية جديدة تحت اسم الحرية. ومزرعة الدجاج السعيد هي العبرة، ففي جميع الأحوال الدجاج سوف يساق للمذبح، وفي كل الأحوال الدجاج تحوطه أسوار المزرعة، ولا يمكن أن يتعدى حدوده في الانطلاق لمكان أبعد، أو حتى اختيار أوقات الأكل أو الشرب أو اللعب. لكن الفارق بينه وبين الدجاج السعيد، أن أرجله لامست الأرض، وأتيح له أن يلهو قليلا قبل الذهاب للمذبح، ومنها إلى نيران الطهي. أعتقد أن الدجاج سوف يكون أسعد إذا أتيح له حق اختيار الذبح من عدمه. فكما قال البابا يوحنا بولس الثاني «إذا لم يكن للحرية غرض، وإذا تغافلت عن اتباع القانون الذي هو محفور في قلوب الرجال والنساء، وعندما لا تستمع الحرية لصوت الضمير، فإنها تتحول لسلاح ضد الإنسانية». وعلى هذا، يجب أن تراعي الحرية القانون، والاستماع لصوت الضمير، وقبل أي شيء تحديد الغرض منها. فالثورة من أجل أن يصير الإنسان ثائرا فقط هي السبيل للفوضى، والطريق السريع لمزرعة الدجاج السعيد.
٭ كاتبة من مصر
بدل مفهوم الحرية عند الرؤساء الامريكان الافضل مقولة عمر بن الخطاب ( لمَ استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرار ا ؟ ).
ملاحظة لفظة ( نما ) المذكورة في المقال ( نما على أرض روسيا العديد من المفكرين والفلاسفة) لا تقال للنمو بل تكتب ( نمى ).اما ( نما ) فمعناها وصل الى مسامعي بطريقة ما ؟ مهرة موصلي / ماجستير علم اجتماع سياسي
عنوان مقال د نعيمة عبدالجواد (مزرعة الدجاج السعيد) يمثل رؤية دولة الحداثة التي تستحدث وزارة السعادة أو وزارة التسامح مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن هذه الرؤية ليس لها علاقة بالواقع، لماذا؟!
ثقافة الأنا شيء، وثقافة الآخر شيء آخر، وثقافة النحن كأسرة إنسانية مصدر السعادة والتسامح لأي علاقة شيء ثالث،
ودولة الحداثة من الجيل الأول وحتى عهد الجيل الرابع تم بناء نظام التوظيف فيها للموظف/الآلة/العالة وفق مفهوم ثقافة الأنا أولاً لآل البيت (لشعب الرّب المُختار)، الذي يجب دفع الخُمس لهم (الضرائب والرسوم والجمارك) بلا مقابل/خدمات تقدمها الدولة.
سوق العولمة (مشروع مارشال ورقم سويفت لضبط حسابات المخالصة/المدفوعات للصفقات التجارية بين الدول) وبعد 1992 وبداية تسويق الإنترنت/الشّابِكة انتقلنا من الإقتصاد الورقي إلى الإقتصاد الإلكتروني/الرقمي،
الذي يمثله في جانب فلسفة السوق الأمريكي (أمازون)، وفي جانب آخر حكمة السوق الصيني (علي بابا)،
نحن نعرض جانب ثالث للوصول إلى سعادة داخل الأسرة الإنسانية، من تبادل المنتجات بين ثقافة الأنا (الرجل) وثقافة الآخر (المرأة)،
بواسطة الأتمتة في وقف بسطة (صالح)، ألا وهو المُنتج الحلال (بلا غش تجاري)، لأتمتة وظيفة حوكمة الحكومة الإليكترونية، في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني/الرقمي.
من أهم ما ورد في هذا المقال تطور مفهوم الحرية على مر العصور مما يعني أن الحرية مفهوم مطاط مثل الكائن الذي ينمو حسب البيئة التي تم ميلاده فيها. وذكر تطور مفهوم الحرية لدى أمريكا أكبر دولة عظمى في العالم اعطى صبغة العالمية لهذا المفهوم، فلو ذكرت مفهوم الحرية مثلا في العالم العربي كان المعنى غير واضح لأن حتى ثقافات وحضارة الدول العربية شديدة التنوع والاختلاف. واهم ما لفت انتباهي ربط الحرية بسيادة القانون لعدم الخلط بينها وبين الفوضى. أشكرك يا دكتورة على وضع يدك على موضوع حيوي
مزرعه الدجاج السعيد عنوان لحريه عقيمه غربيه تنتمي لتفكك اخلاقي اجتماعي وحتا سياسي
الحريه الغربيه التي اشرت اليها وكانت امثلتها من اكبر دولتين امريكا وروسيا هي حريه الفساد والكذب والنفاق والتفكك الاسري.
نعود للحريه في مجتمعنا العربي واعطيك مثالا لدوله الحرمين الشريفين انظري لما قبل وصول ولي عهد السعوديه وما بعدها نجد الفرق بين حريه الانسان العربي العاقل الذي يعرف الحريه بالمفهوم الاسلامي والحريه بالمفهوم الغربي المبنيه على النفاق والقوه والكذب.
اشكرك دكتوره على كل حرف يخرج من بنات افكارك الذكيه فانت عنوان لحضاره تعرف الحريه المبنيه على الاحترام والتواصل الاجتماعي والابتعاد عن النفاق