بغداد ـ «القدس العربي»: جددت الزعامات السياسية والحكومية في إقليم كردستان العراق مطالبتها الحكومة الاتحادية في بغداد بتحويل مدينة حلبجة الكردية إلى محافظة، والإسراع بتعويض ضحايا القصف الكيميائي الذي تعرضت له المدينة قبل 34 عاماً، فيما تعهد رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بالشروع بإجراءات تحويل المدينة المنكوبة إلى المحافظة الـ19.
وفي 16 آذار/ مارس 1988، تعرضت حلبجة لهجوم بالقنابل الكيميائية، وسقوط آلاف الضحايا بين قتيل ومصاب، فضلاً عن تدمير قرى بالكامل.
الكاظمي يتعهد للأكراد بتحويل حلبجة إلى محافظة
ودعا رئيس الحكومة المحلية لمدينة حلبجة، آزاد توفيق، حكومة إقليم كردستان العراق إلى استئناف المباحثات مع الحكومة الاتحادية لإتمام ملف تحويل حلبجة إلى المحافظة الـ19 في البلاد.
وقال توفيق في كلمة له خلال حفل تأبيني لمرور 34 عاماً على القصف الكيماوي لحلبجة: «ندعو حكومة الإقليم إلى اتخاذ الإجراءات القانونية التي تخص تحويل حلبجة إلى محافظة».
ودعا أيضاً حكومة الإقليم إلى «تفقد أحوال المصابين وذوي الضحايا والاطلاع على أحوالهم عن كثب وتعويضهم مادياً ومعنوياً بقدر الإمكان».
وأشار إلى أن «العديد من الخريجين والأكاديميين لم يتم تعيينهم لغاية الآن، ولم يتم توفير فرص عمل لهم»، مطالباً بـ»تثبيت الآلاف من موظفي العقود في المحافظة على الملاك الدائم».
وطالب المسؤول المحلّي الكردي حكومة الإقليم بـ»إرسال وفد رسمي للتباحث مع الدولة العراقية لإتمام ملف تحويل حلبجة إلى محافظة».
وفي حزيران/ يونيو 2013، قرّرت الحكومة الكردستانية إنشاء «محافظة حلبجة»، وإلحاق أقضية حلبجة وشهرزور وبينجوين وسيد صادق، وهي أقضية كانت مرتبطة إدارياً بمحافظة السليمانية، بها، لكن الحكومة الاتحادية في بغداد لم تعترف بذلك الإجراء.
إلى ذلك، طالب رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، الحكومة الاتحادية بإنجاز الخطوات كافة لتحويل حلبجة إلى المحافظة العراقية الـ19.
واستنكر بارزاني، في بيان أصدره بالذكرى السنوية للقصف الكيميائي لحلبجة، أنه «في هذا اليوم السادس عشر من آذار/ مارس، نستذكر بإجلال ذكرى أكثر من خمسة آلاف شهيد في حلبجة وننحني إكباراً وتقديراً لأرواحهم الطاهرة. قبل 34 سنة من الآن، سقط هؤلاء ضحايا لواحدة من أكثر جرائم التاريخ بشاعة، راحوا ضحايا على يد النظام العراقي آنذاك الذي استخدم الأسلحة الكيميائية وأبادهم بطريقة وحشية، وأصيب آلاف آخرون بجراح وتشردوا وبات لكل واحد منهم قصة صادمة وموجعة».
وأوضح أن «فاجعة القصف الكيميائي لحلبجة ستظل إلى الأبد رمزاً لمظلومية شعب بات ضحية، جريمته الوحيدة هي أنه يعيش على أرضه وتحت سمائه، يريد الحياة والحرية والعدالة. شعب كان له دور جليل في تاريخ وحضارة المنطقة، ومد دائماً يد الصداقة والإنسانية والسلام والتعايش والتسامح للجميع».
كما أكد رئيس الإقليم أن «القصف الكيميائي لحلبجة كان محاولة أخرى عقيمة من جانب مجرمي التاريخ، لكسر إرادة شعب كردستان الفولاذية في الحرية والشموخ، لكنه ظل كما هو دائماً صامداً، وحطمت إرادة شعب كردستان للحياة والانبعاث والاستمرار أحلام أولئك، ونهض ليناضل من أجل الحياة والحرية والعـزة».
وطالب بارزاني الدولة العراقية، كواجب والتزام قانوني عليها، بأن «تعوض عوائل وذوي الشهداء والضحايا الذين ما زالوا أحياء وبيئة حلبجة، وتكف عن إهمالهم، وأن تنجز كل خطوات تحويلها إلى محافظة، لتخفف بذلك قليلاً من همومهم».
وحثّ المجتمع الدولي والعالم على أن «يواصلوا جهودهم لمنع تكرار فاجعة حلبجة في أي مكان آخر على الأرض، وأن يتم حظر استخدام وإنتاج أسلحة الدمار الشامل بصورة نهائية وقاطعة ومنع استخدامها بكل الطرق».
ورأى بارزاني أن «خير استذكار وتعبير عن الوفاء والتقدير لأرواح شهداء حلبجة وكل كردستان، هو أن توحد قوى وأطراف ومكونات كردستان كافة صفها وتتلاحم وتعمل معاً لتحقيق كامل الحقوق الدستورية لشعب كردستان ولحماية الفدرالية والكيان الدستوري لإقليم كردستان. وأن تتعظ الأطراف كلها من دروس التاريخ وتتخذها مرشداً لحاضر ومستقبل أفضل».
وفي الأثناء، قال رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، إن بغداد لا تعامل حلبجة بالمستوى المطلوب ولا تزال إجراءاتها اللازمة في تحويلها إلى محافظة تعترضها مشاكل وعقبات جمة.
وذكر بارزاني، في بيان، أنه «في الذكرى السنوية الرابعة والثلاثين للهجوم الكيماوي الذي ارتكبه النظام البعثي العراقي ضد حلبجة، ننحني إجلالاً وإكباراً لشهداء هذه المجزرة الوحشية، مستحضرين في وجداننا ذكراهم الخالدة بإكرام وتقدير».
وتابع: «لا يخفى على أحد بأن حلبجة تمثل مركزاً تنويرياً مهماً ومهداً لكوكبة من الشعراء والكتّاب والعلماء والحكماء وكل ما يُشار إليه بالبَنَان في كردستان، ومكانتها متجذرة وراسخة في أفئدة الكردستانيين وضمائرهم، وغدت واحدة من أبرز رموز شعب كردستان في التضحية والفداء من أجل نيل الحقوق».
وأضاف: «في هذه الذكرى الأليمة، نجدد التأكيد بأن على الحكومة العراقية أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية تجاه أسر الشهداء والجرحى والمتضررين بفعل الهجوم الكيماوي على حلبجة، وسائر ضحايا الإبادة الجماعية والمناطق الكردستانية الأخرى المتضررة، وتعويضهم بموجب المادة 132 من الدستور، واحترام نضالات أهالي حلبجة وكفاحهم وتضحياتهم الجسام، ليتسنى تقديم كل ما يستحقه أبناء هذه المدينة العزيزة من خدمات تليق بهم وتخفف من معاناتهم القائمة».
ودعا بارزاني المسؤولين في الحكومة الاتحادية إلى «حسم هذه الإجراءات في أسرع وقت ممكن، وأنْ لا يتم تجاهل هذه المسألة بعد الآن، فيما ستواصل حكومة إقليم كردستان استكمال الهيكل الإداري لمحافظة حلبجة، وذلك بإنشاء ما تبقى من دوائر ومؤسسات حكومية».
فيما كتب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، «تدوينة» قال فيها: «ما بقي على قيد الحياة بعد القصف الكيماوي على حلبجة كان حماسة الكرد للحرية».
وذكر أيضاً «في الذكرى الرابعة والثلاثين لهذه الجريمة التي لا توصف، نكرر رسمياً أن إرادة شعبنا أقوى بكثير من الأسلحة الكيميائية والطائرات المقاتلة والصواريخ».
في حين، دعا حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إلى كشف مصير العديد من الجرحى والمصابين والمفقودين جراء القصف الكيميائي.
وقال الحزب في بيان صحافي إنه «(…) المؤسف في تلك الأيام كان جنوح القوى العظمى والمجتمع الدولي بشكل عام إلى خيار الصمت أمام هذه الجريمة النكراء والتي تأتي وفقاً للقوانين الدولية بمصاف جرائم (الإبادة الجماعية)، وكان هذا الصمت والتماهي منسجماً مع مساعيهم في سبيل الحفاظ على مصالحهم المشتركة مع النظام العراقي البائد».
وأضاف البيان: «(…) لا يزال هنالك العديد من الجرحى والمصابين بهذه الغازات السامة ممن يعانون من تأثيراتها المستمرة، من دون أن ننسى أعداداً كبيرة من المفقودين ومجهولي المصير».
وشدد على أهمية «تصنيف هذه الجريمة (صف حلبجة بالأسلحة الكيميائية) كجريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية التي قد تكون الذاكرة الإنسانية وتاريخ الشعوب شبه خالية من مثيلاتها، وأن يقوم نظام بإبادة مكون من مكونات شعبه بهذه الطريقة الوحشية! لذا أصبح تعويض المتضررين من كل الجوانب لزاماً على الدولة».
ودعا إلى «اعتماد عنوان المحافظة لمدينة حلبجة عملياً واعتبارها المحافظة العراقية التاسعة عشرة، بعد إكمال كافة الإجراءات القانونية والإدارية والضرورية المرتبطة بهذا الملف»، مؤكداً ضرورة «تخصيص ميزانيات من قبل حكومتي الإقليم والمركز لغرض إعادة إعمار حلبجة والنهوض ببُناها التحتية شــبه المدمرة».
وحثّ الحزب على أهمية «توفير العلاج للمصابين، وتسفير من تتطلب عملية علاجه الرقود في مستشفيات متقدمة في باقي بلدان العالم، وإعطاء أهمية أكبر ترتقي إلى مستوى المصاب، بملف الأطفال المفقودين، نتيجة الجريمة المُرتكبة». في المقابل، أكد رئيس الوزراء الاتحادي، مصطفى الكاظمي، ضرورة إكمال تحويل حلبجة إلى محافظة.
وقال في تغريدة عبر «تويتر» إن «حلبجة شهيدة الطغيان الشاهد على نضال شعبنا من أجل قيم العدالة ورمز تآخي العراقيين، ووحدتهم وأملهم، في عراق ديمقراطي تُراعى فيه إرادة الشعب ومصالحه وتصان كرامته وحقوقه».
وأضاف أن «حلبجة تستحق إكمال تحويلها إلى محافظة تكريماً لتضحياتها وسنبذل الجهود لتحقيق ذلك.. السلام على شهداء العراق».
وفي السياق أيضاً، استذكر النائب الأول لرئيس مجلس النواب، حاكم الزاملي، الذكرى الرابعة والثلاثين للمجزرة، مؤكداً أن التأريخ لن ينسى جرائم البعث الظالم وغايته بتدمير العراق وقتل شعبه.
وقال في بيان بمناسبة إن «العراقيين والعالم وحتى التاريخ لن ينسى هذه الجريمة التي ترقى لتسمية أبشع جريمة شهدها التأريخ الحديث، حيث أقدم البعث المقبور على ضرب مدينة كاملة ليس فيها إلا المدنيين العزل من نساء وأطفال وشيوخ، بأسلحة محرم استخدامها دولياً حتى أثناء الحروب وضد الأعداء، وبشكل أثبت فيه نظام البعث أن هدفه كان تدمير العراق».
ودعا الزاملي إلى «وجوب تدويل جرائم البعث باعتبارها جرائم ضد الإنسانية والتي لا يمكن إسقاطها بالتقادم، وإن الفترة الظلامية التي عاشها العراقيون في ظل هذا النظام الدموي يجب أن تدفعه نحو التمسك ببناء العراق وتأمين الحياة الكريمة للأجيال القادمة وتعزيز التجربة الديمقراطية الحالية المبنية على أساس المساواة في الحقوق بين الجميع وحرية التعبير ونبذ التطرف والعنف وبناء علاقات طيبة مع جميع بلدان العالم».