بيروت – الاناضول: قال عبدالله الدردري، نائب الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «إسكوا» التابعة للأمم المتحدة، ان الخسائر الاقتصادية التي لحقت بلبنان جراء الأزمة السورية «تتجاوز بكثير موضوع النازحين.»
ووصف الدردري الوضع في سوريا بأنه «مازال صعبا للغاية» حيث أن ما تهدم خلال السنوات الثلاث الاخيرة يعادل ما تم إعماره في 10 سنوات. لكنه أشاد بقدرة الشعب السوري على «التأقلم والصمود»، مؤكدا ان الاستثمار في الانسان العربي وضمان حقه في الحرية، شرطان ضروريان لتحقيق التنمية وتجنب تكرار الازمات التي تشهدها المنطقة.
ولفت إلى دراسة قامت بها «إسكوا» حول الدول الاكثر تضررا من الأزمة السورية جاء فيها «أن الاثر على لبنان يتجاوز بكثير موضوع النازحين ويتعلق بخسارة الصادرات اللبنانية إلى الدول العربية عبر سوريا وتراجع مناخ الاستثمار».
وأوضح الدردري أن لبنان «تأثر تأثرا كبيرا، والاردن تأثر ايضا بشكل ملموس، والدراسات تشير إلى اثر سلبي ايضاً في العراق» لكن ليس بنفس الحجم كما في لبنان والاردن».
وأضاف «تقديراتنا بأن تكلفة تصدير البضائع من تركيا إلى الخليج ارتفعت ثلاثة أضعاف عما كانت عليه قبل الأزمة السورية لأن خطوط العبور أصبحت أكثر تكلفة وأبعد وأطول».
وكان وزير البيئة اللبناني، محمد المشنوق، قد قال الأسبوع الماضي ان ضغط اللجوء السوري المتزايد على البيئة والبُنى التحتية في البلاد، بسبب ارتفاع الكثافة السكانية في البلاد بنحو 40٪، أدى إلى انخفاض معدل المياه الجوفية وازدياد التلوث.
ووفقا لتقديرات البنك الدولي، يحتاج لبنان إلى حوالي 1.6 مليار دولار أميركي سنويا لمواجهة أزمة اللجوء، الذي يواجهها منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، والحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للمواطنين والنازحين السوريين على أراضيه.
ووصف الدردري، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية خلال 6 سنوات حتى آذار/مارس 2011، الوضع الاقتصادي في سوريا بأنه «مازال صعبا للغاية»، موضحا ان القطاع الاكثر تضررا في البلاد حاليا هو «قطاع البناء، موضحا أن الدمار الذي حصل في السنوات الثلاث الاخيرة يعادل تقريبا ما تم اعماره خلال 10 سنوات».
واشار إلى الأضرار البالغة التي تعرض لها القطاع الصناعي وقال «نحو 90 الف منشأة صناعية دمرت بالكامل»، لكنه شدد على ضرورة الانطلاق في اعادة بناء الاقتصاد السوري «مما يمكن البناء عليه وهو القطاع الزراعي» الذي لجأ السوريون اليه ليتكيفوا مع واقع الحرب. وأضاف انه «تم نقل عدد من الصناعات إلى اللاذقية مثلا وعادت الصادرات السورية إلى الأسواق».
وقال «الدمار هائل لكن هناك تقديرات تشير إلى قدرة هذا الشعب (السوري) على التأقلم والصمود وأن يحضر نفسه للمرحلة القادمة من البناء».
وعن الوضع في المنطقة قال الدردري ان «قضايا الديموقراطية والحكم الرشيد والادارة السليمة للمؤسسات والتمثيل السليم للمواطنين أصبحت قضايا لا بد منها، ولا يمكن الفرار منها لتحقيق تنمية شاملة»، مشددا على ان «تحقيق تنمية من دون المشاركة الفعالة لكل مواطن في عملية التنمية وحقه في التعبير عن صوته أمر تجاوزه التاريخ ولا بد الآن من النظر إلى المستقبل من هذا المنظار».
وردا على سؤال يتعلق بالترابط بين جذب الاستثمار والتنمية بالأمن، أوضح أن «إسكوا» لا تتدخل في قضايا التسويات السياسية، لكنه عبر عن اعتقاده ان «التسلسل المنطقي هو كالتالي: لا بد من الأمن، وهذا امر طبيعي. والأمن يأتي من خلال عمليات سياسية لا شك في ذلك، ولكن لكي نتفادى عودة هذا النوع من القلاقل (في العالم العربي) يجب اعادة النظر بماذا نستثمر وكيف واين ومن اجل ماذا نستثمر؟».
وقال ان الاستثمار «امر هام للغاية لكي لا نصل مرة اخرى إلى هذا الواقع»، في اشارة إلى التوترات الأمنية والازمات التي تشهدها المنطقة العربية منذ بدء الانتفاضات الشعبية في 2011.
وشدد الدردري على ضرورة «الاستثمار في الانسان العربي وفي خلق فرص العمل الكريمة في الانسان العربي والاستثمار في التقنية والمعرفة وزيادة انتاجية الوطن العربي»، مشيرا إلى ان «هذه هي شروط ضرورية لكي لا نعود مرة اخرى إلى ما نشهده اليوم» من ازمات في المنطقة.
واعرب عن اعتقاده، ردا على سؤال حول ما اذا كان انشاء مناطق آمنة في سوريا والعراق مثلا يساعد على جذب الاستثمارات لإعادة بناء هذين البلدين، أن «الشرط الرئيسي للاستثمار في اي بلد ما، مهما كان وضعه هو احترام وحدة وسيادة هذا البلد».
ودعا الدردري إلى إنشاء بنك عربي للتنمية، ووصف هذه الدعوة بأنها «واقعية للغاية لأن في النهاية التحديات والاحتياجات هي التي تفرض نفسها على السياسات».
واوضح ان من واجب «إسكوا» تقديم دراسات فنية، اما القرار فهو عند اصحاب القرار، مضيفا «هذا الأمر (إنشاء بنك عربي للتنمية) ممكن ضمن الموارد المالية الحالية ولا يتطلب موارد اضافية»، كاشفا ان «إسكوا» تعمل الآن على مشروع بعنوان «العالم العربي 2030» للنظر إلى آفاق العمل الاقتصادي والتنموي في المنطقة حتى تلك الفترة.
وردا على سؤال حول استخدام اموال المعونات العربية للضغط السياسي في ظل سياسة المحاور العربية، قال إن «إسكوا» لا تتدخل في «سياسات الدول وكيف تستخدم مساعداتها الخارجية في السياسة… نحن نقترح بأن هناك امكانات لتحسين كفاءة المعونة التنموية العربية ونرى أنه لا بد من سياسة اقليمية متكاملة في موضوع المعونات وفي موضوع تمويل التنمية واضعين في الاعتبار ان الدول العربية هي من اكثر دول العالم احتراما لالتزاماتها في تقديم المعونات الانمائية».
وتطرق الدردري إلى انخفاض اسعار النفط على المستوى العالمي، فأوضح ان ما يجري في سوريا من حرب وسيطرة تنظيم «داعش» على بعض مصافي النفط وبيعه في السوق السوداء بأسعار ادنى بكثير من الاسعار العالمية «لا يؤثر نهائيا على سعر النفط العالمي».
وقال «نحن نتحدث عن اجمالي استهلاك عالمي للنفط يبلغ حوالي 50 مليون برميل يوميا ولا يشكل الانتاج السوري كله حتى في اقصى حالاته اي اثر على الاسعار العالمية».
وشرح الدردري ان انخفاض الاسعار مردّه إلى «وجود فائض في الطاقة في العالم نتيجة التوسع الأمريكي في انتاج الغاز الصخري حيث اصبحت الولايات المتحدة اليوم اكبر منتج للنفط في العالم». وأشار إلى انه مقابل هذه الزيادة في العرض هناك «تباطؤ في النمو في آسيا وجمود في النمو في أوروبا، وهي المناطق التي تستهلك اكبر قدر من النفط»، معتبرا انه نتيجة لذلك فإن «توازن العرض والطلب في العالم واضح وسيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط».