الخرطوم ـ «القدس العربي»: قالت إثيوبيا، الأربعاء إن التعبئة الثانية لسد النهضة أزالت الالتباسات وأكدت التزامها بعدم الإضرار ببلدان المصب، فيما أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تعول على دور الاتحاد الأفريقي في التوسط بهدف إيجاد حل لأزمة السد.
عضو الوفد الإثيوبي لمفاوضات سد النهضة، يلما سيليشي، بيّن في مقابلة مع وكالة الأنباء الإثيوبية، أن سد النهضة أوشك على الانتهاء وأن أكثر من 80٪ من إجمالي البناء قد أُنجز. ودعا شعبي السودان ومصر إلى القبول بحقيقة أن «الملء الثاني للسد لم يتسبب في أي ضرر كبير لدولتيهما بل إنه سيعود بكثير من الفوائد على دول المصب خاصة والمنطقة بأكملها».
وكان وزير الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين، قد دعا الثلاثاء، الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ موقف محايد كمراقب للعملية التفاوضية.
وقال ميكونين في لقاء مع الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي، أنيتا ويبر، في أديس أبابا إن التعبئة الثانية للسد تمت وفقا لإعلان المبادئ، وخلال موسم الأمطار، دون التسبب في ضرر ملموس لدول المصب.
في الموازاة، قالت الولايات المتحدة الأمريكية إنها تعول على دور الاتحاد الأفريقي في الحد من الصراع، والتوسط بهدف إيجاد حل لأزمة «سد النهضة» الإثيوبي.
جاء ذلك في بيان نشرته وزارة الخارجية الأمريكية على موقعها الإلكتروني، الأربعاء، وتضمن رسالة إلى إثيوبيا بعد قيامها بالملء الثاني للسد.
وأوضح البيان أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أجرى محادثة هاتفية مع رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، الذي يشغل حاليا منصب رئاسة الاتحاد الأفريقي، وناقش معه عدة قضايا، منها أزمة «سد النهضة» وتدهور الوضع الإنساني في إقليم «تيغراي» الإثيوبي.
وشدد بلينكين على «قلق بلاده البالغ إزاء تدهور الوضع الإنساني في إقليم «تيغراي» الذي نفذت فيه أديس أبابا عملية عسكرية في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، ضد «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» وأعلنت انتهاءها بالسيطرة على الإقليم بالكامل، رغم ورود تقارير عن استمرار انتهاكات حقوقية بالمنطقة منذ وقتها.
كما أكد وزير الخارجية الأمريكي «أهمية دور الاتحاد الأفريقي في الحد من الصراع، والتوسط لإيجاد حل لأزمة السد الإثيوبي الكبير (النهضة)».
وأعرب الجانبان عن «التزامهما بالعمل معا حتى تتمكن الكونغو الديمقراطية من تسخير إمكاناتها الهائلة نحو الاستمرار في مسار إيجابي بأزمة السد».
ومساء الثلاثاء، بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اتصال هاتفي تلقاه من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ملف سد النهضة الإثيوبي، فضلا عن ملفات أخرى.
موقف ثابت
المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، قال إن السيسي أكد «موقف مصر الثابت بالتمسك بحقوقها التاريخية من مياه النيل وبالحفاظ على الأمن المائي لمصر حالياً ومستقبلاً مع التأكيد في هذا الصدد على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤوليته لدفع عملية التفاوض بجدية وبإرادة سياسية حقيقية للوصول لاتفاق شامل وعادل وملزم قانوناً حول ملء وتشغيل سد النهضة، وقد أوضح رئيس الوزراء البريطاني دعمه لجهود استئناف عملية التفاوض من أجل الوصول إلى حل عادل لتلك القضية».
وبين أنه «تم التوافق حول أهمية توثيق وتطوير التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، خاصةً فيما يتعلق بقضايا مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة وتأمين الحدود، فضلاً عن التطلع نحو الارتقاء بالتعاون الاقتصادي».
وفيما يتعلق بقضايا المناخ أكد الجانبان «أهمية تعزيز التنسيق المشترك للعمل على خروج الدورة القادمة لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ التي تستضيفها المملكة المتحدة في غلاسكو نهاية العام الجاري بنتائج قوية».
وحول القضية الفلسطينية «أشاد رئيس الوزراء البريطاني في هذا الإطار بالمبادرة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة من خلال تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لصالح هذه العملية، والتأكيد على الأولوية القصوى لتثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة، والذي نجحت مصر في التوصل إليه من خلال اتصالاتها مع جميع الأطراف، إلى جانب ضرورة التحرك خلال الفترة المقبلة لاتخاذ مزيد من التدابير التي تهدف إلى تعزيز التهدئة وتوفير الظروف اللازمة لتوفير مناخ موات لإحياء المسار السياسي المنشود وإطلاق مفاوضات جادة وبناءة بين الجانبين».
كما تم «تبادل الرؤى حول آخر مستجدات الأزمة الليبية وأهمية المضي قدماً في العملية السياسية الانتقالية التي تمر بها البلاد بهدف تسوية تلك الأزمة بشكل نهائي وصولاً إلى الاستحقاق الانتخابي في موعده المرتقب نهاية العام الجاري، مع التأكيد على ضرورة خروج المرتزقة والميليشيات والقوات الأجنبية من ليبيا، والحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وسلامة مؤسساتها الوطنية بما يقوض احتمالات تفشي الفوضى ويقطع الطريق على تدخلات القوى الخارجية».
السيسي دعا المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤوليته… وحمدوك يتمسك باتفاق ملزم
والثلاثاء الماضي دعت إثيوبيا مصر والسودان إلى التفاوض «بحسن نية» حول «سد النهضة» وأكدت «التزامها» بإنجاح المفاوضات الثلاثية التي يقودها الاتحاد الأفريقي.
وفي 8 يوليو/ تموز الجاري، خلص مجلس الأمن الدولي إلى ضرورة إعادة مفاوضات «سد النهضة» تحت رعاية الاتحاد الأفريقي بشكل مكثف، لتوقيع اتفاق قانوني ملزم يلبي احتياجات الدول الثلاث.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري في حينه، إن الجهود التي يقودها الاتحاد الأفريقي بشأن الأزمة «وصلت إلى طريق مسدودة».
ومصر والسودان تتمسكان بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد لضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل، فيما ترى إثيوبيا عادة عدم وجوب ذلك، وتؤكد عدم إضرارها بالبلدين.
وفي أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا، منذ نشوب الأزمة قبل 10 سنوات، قال السيسي في 30 مارس/ آذار الماضي إن «مياه النيل خط أحمر، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل».
الامتناع عن الإجراءات المنفردة
وفي السودان، استغل رئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، تهنئته المواطنين بمناسبة عيد الأضحى للتأكيد على أنه «رغم إعلان الحكومة الإثيوبية اكتمال عملية الملء الثاني ومواصلة للتصرف في هذا الملف بشكل أحادي وللمرة الثانية، إلا أن حكومته ستواصل الدعوة للامتناع عن الإجراءات المنفردة مع ضرورة التوصل لاتفاق قانوني وملزم يتماشى مع القانون الدولي».
وتطرق إلى قضايا أخرى، موضحاً أن «مجهودات السودانيين في سبيل استعادة حقهم في الاستقرار والتطور بدأت تثمر» وأكد أنه «لن يكتفي بإطلاق الوعود».
وزاد في كلمة له بمناسبة عيد الأضحى أنه «رغم رهبة وتحديات البداية للحكومة أتت بعد ثورة عظيمة تحمل طموحات كبيرة كان العهد مع الناس عدم إطلاق الوعود».
وأضاف: «ظللنا نشرح صعوبات المشوار نحو الإصلاح الاقتصادي، بإيمانٍ عميقٍ بأن هذا الشعب بارع في الصبر لو صدق الحاكمون في النوايا وأتقنوا العمل».
وشدد على «أنهم يحملون المشروع الوطني الخالص لوجه هذا الوطن» موضحا أن «السودانيين سيظلون يملكون العوامل الأكثر حسماً لتطبيق هذا المشروع وإنجاحه، بالصبر والعزيمة والإصرار».
وقطع بأن «السودان يسير بثقة نحو الاندماج الكامل مع العالم في مجالات عدة».
وتابع «عودة بلادنا لمجتمع التنمية الدولي ستفتح الطريق أمام العودة لتعليمٍ متطور، وستفتحه أمام خدماتٍ أفضل في مجال الصحة، وكذلك ستفتح الطريق أمام تحقيق تنمية مستدامة تقوم على أسس ومقومات المواكبة والتحديث».
وأشار إلى «مؤشرات توافق بين المكونات المجتمعية والسياسية في ولايات شرق السودان».
وناشد «أهل الشرق لإعلاء قيم التعايش السلمي وإشاعة السلم الاجتماعي والعمل معاً لمعالجة المظالم التنموية في الإقليم حتى يصبح نموذجاً يحتذى».
وذكر بأن «مبادرته التي أطلقها (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال ـ الطريق إلى الأمام) حظيت بقبول أطراف واسعة من الشعب السوداني وقطاعاته المتنوعة وسائر فئاته، ومن المكونات السياسية الفاعلة داخل السلطة وخارجها».
وملف سد النهضة وملفات أخرى، لا سيما الانفلات الأمني في بعض المناطق، يشكل تحديات أمام السلطة الانتقالية في السودان.
لكن رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أكد في كلمة بمناسبة عيد الأضحى أن «التحديات والمخاطر التي تحيط بالوطن لن تزيدنا إلا إصراراً على المُضي قدماً في تحقيق أهداف الثورة المجيدة. فمثل ما نؤكد على ضرورة وحدة قوى الثورة، نؤكد أيضاً على ضرورة وحدة القوى الوطنية، التي تؤمن بالتغيير، وبمبادئ وتطلعات الشعب، في الحرية والسلام والعدالة».
«المزيد من اليقظة»
وقال «إنها لسانحة أن أدعو المواطنين جميعا الى المزيد من اليقظة، والحرص والمحافظة على قيم التضامن والوحدة. هذه القيم التي أرستها ثورة ديسمبر المجيدة، فنحن أحوج ما نكون لها اليوم».
وزاد أن «مجابهة التحديات والمخاطر تتطلب جمع الصف الوطني، والنظر إلى المصالح العليا للدولة، ومطلوبات التحول الديمقراطي، وذلك لن يتحقق إلا بتعزيز الوحدة الوطنية، وقبول الآخر، ونبذ سياسات الإقصاء والعصبية والجهوية والعنصرية أو الحزبية، والالتفاف حول هذا الوطن
وأضاف «أحيي صبر شعبنا الأبي، في سبيل تحقيق الحرية، وإقامة العدل وإشاعة السلام، إنها قيم سامية، قيم أنشودة ثورته المجيدة التي ضحى من أجلها بنو وطني بأرواحهم».
إلى ذلك، تعهد الجيش السوداني، الثلاثاء، بالإبقاء على قواته في أراضي الفشقة التي استردها من إثيوبيا، لحين استعادة الأمن والاستقرار، وأشار إلى فتح الطرق وإنشاء الجسور التي تربط المنطقة ببقية أنحاء البلاد.
وقال الفريق أول محمد عثمان الحسين رئيس هيئة الأركان الذي أدى صلاة عيد الأضحى برفقة كبار ضباط الجيش في منطقة ود كولي في الفشقة، إن الجيش سيظل بالفشقة حتى تستعيد كامل أمنها واستقرارها.
وأضاف أن أرض الفشقة «لن تدنس مرة أخرى، ومواطنيها سيعيشون في أرضهم آمنين مطمئنين بعد أن زرعوا هذا الموسم لأول مرة منذ أكثر من 25 سنة بعد لاغتصاب أراضيهم لزمن طويل».
واستعاد الجيش السوداني في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي غالب أراضي الفشقة الخصبة بعد أن ظلت تحت سيطرة مزارعين وميليشيات إثيوبية لنحو 25 سنة.
وأشار رئيس هيئة الأركان إلى بدء حركة تنمية واسعة في الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى بفتح الطرق وإنشاء الجسور وحفر آبار المياه.
وكان الحسين والوفد المرافق قد زاروا الجسور التي تكفلت بها القوات المسلحة في منطقتي ودكولي وود عاروض والتي شارفت على الانتهاء.
وتكفل هذه الجسور استمرار الإمداد لقوات الجيش بالفشقة خلال فصل الأمطار، حيث كانت هذه المناطق التي تشقها أنهار عطبرة وستيت وباسلام تعاني العزلة عن بقية أنحاء السودان في فصل الخريف.
ووصلت قيادات رفيعة من الجيش السوداني بالتزامن مع عيد الأضحى إلى الخطوط الأمامية المتاخمة للحدود الإثيوبية في منطقة الفشقة شرقي البلاد.