تحول الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى مسخرة حقيقية، يستجدي اتصالا تليفونيا من صحافيين كانوا يركعون تحت أقدامه أيام العز، لم يترك صحافيا من الذين نافقوه أيام حكمه، إلا وفاجأه باتصال تليفوني يزجي له الشكر والامتنان، حتى أن أحدهم فوجئ باتصال من مبارك على ‘قعدة شيشة’، وبدا الصحافي المسكين حائرا بين الرد على مبارك وأخذ آخر نفس من مبسم ‘الشيشة’، وهكذا بدت لعبة الاتصال أو الرد على مبارك تسلية للصحافيين من الكبار والصغار، ولا بأس من بيع الاتصال لمواقع الكترونية أو لفضائيات تلفزيونية، وإذاعتها كآراء للرئيس المخلوع في ما جرى ويجري، رغم أن أحدا لا يطلب آراء مبارك، الذي يبدو حديثه متلعثما منهكا مضطربا، فلم يعد أحد يكتب له خطابا ليقرأه، ويتخفى بجهالته من وراء حجاب الورق.
وقد قضى كاتب السطور عشر سنوات في حرب تحطيم مبارك، وكتبت له ذات مرة أنني ‘أشعر بالعار لأنك الرئيس’، وبعد أن أصبح مبارك مخلوعا بقوة الناس، فإنني شعرت بالعار أكثر، لأن هذا الرجل كان رئيسا لبلد بحجم وقيمة مصر، وسوى حالة تواضع مزرية في التفكير واللغة، أعرف أنه كان عسكريا سابقا، وربما كان مجيدا أو رديئا، وربما ساهم بالنصر في حرب أكتوبر 1973، وأترك التقييم للعسكريين ورواة التاريخ الحربي، فقد كان الرجل وقتها منقادا لا قائدا، وحين ساقته الأقدار والمصادفات الكئيبة إلى موقع القائد السياسي للبلد، فقد كان بالتأكيد عنوانا على زمن انحطاط لقيمة ومكانة مصر، كان عنوانا على هزيمة شاملة ساحقة للبلد في سباق التاريخ والأمم، فقد حطم مصر كما لم يفعل أحد في تاريخها الألفي، وأوقع بها هوانا لم يستطعه العدو الظاهر، وهوى بالبلد، وخلع ركائزها الانتاجية، وأطفأ أضواءها في الصناعة والزراعة والثقافة والسياسة، وحول البلد الكبير إلى عزبة وخرابة، ينعق فيها البوم، ونزل بالبلد من مكانة المنافسة الصناعية المتقدمة مع كوريا الجنوبية إلى ما بعد حرب 1973، نزل بالبلد على خرائط سباق الأمم إلى مهانة المنافسة مع بوركينا فاسو على مؤشر الفساد الدولي، كان ما جرى مفزعا، فقد خاض هذا البلد حروبا كثيرة، وانتصر وهزم عسكريا، لكن هذا البلد لم تهزم روحه، ولا قهر جسده، بقدر ما حدث أيام مبارك، فقد جرى في عهده نهب وتجريف منتظم لمقدرات مصر، وكما لم يحدث في مئات السنين التي اجتمعت فيها على مصر صنوف الاحتلال الأجنبي، وقد يذكر التاريخ اسم الخديوي توفيق كخائن لثورة عرابي وعميل للاحتلال البريطاني، لكن ما فعله توفيق يبدو هينا لو قورن بما فعله مبارك، فلم يترك مبارك شيئا من جرائم الخيانة العظمى لم يقترف إثمه، فقد ورث خيانة ثورة عبد الناصر عن سلفه الرئيس السادات، وخان الدستور الذي تحول إلى ‘منديل كلينكس’، وراح يحوله إلى دستور بالحجم العائلي في تعديلات 2007، وكأنه يقول للمصريين ـ على طريقة الخديوي توفيق ـ ‘ما أنتم إلا عبيد إحساناتنا’، قال للمصريين في بدء عهده أن ‘الكفن مالوش جيوب’، ثم انتهينا إلى الكفن، وانتهت ثروة البلد إلى جيبه، وإلى جيب دائرة من مليارديرات المال الحرام من حول البيت الرئاسي، وجرى شفط الثروة والسلطة إلى أعلى، وتركت حرية التصرف بصلاحيات الرئاسة لزوجته وابنه الوريث الموعود، واكتفى مبارك بحكم مصر بالوكالة عن الاحتلال الأمريكي، وكان سجل خدماته المخزي للأمريكيين هو شفيعه لدى الباب العالي في واشنطن، فلم يعارض الرجل أوامر واشنطن لا سرا ولا جهرا، ونظر إليه الإسرائيليون كجائزة هبطت عليهم من السماء، ووصفه جنرالاتهم بأنه ‘أعظم كنز استراتيجي’ لإسرائيل، وقال عنه شيمعون بيريز أنه ـ أي مبارك ـ المؤسس الثاني لدولة إسرائيل بعد المؤسس الأول بن غوريون، وحين صحا المصريون، وخلعوا عاره عن كرسي الحكم، فلم يحاكم الرجل أبدا عن خيانة وخراب الثلاثين سنة، لم يحاكم مبارك كما يستحق، وحوكم عن جرائم تافهة أشبه بسرقة حبل غسيل، وطلبوا له الإعدام تهدئة لغضب وثورة الناس، وهم يعرفون ـ يقينا ـ أن العقوبة لن تصعد إلى الإعدام، وربما تنزل إلى تبرئته، وتركه يعيش في مستشفيات القوات المسلحة على نفقة المصريين، وبدا المشهد كله هزليا بامتياز، وكأن هناك من يريد أن يذل المصريين، وأن يعاقبهم على ثورتهم العظمى، وأن ينكد عليهم عيشهم بإذاعة اتصالات مبارك الركيكة، وكأن شيئا لم يكن وثورة لم تقم.
وليس في القصة رغبة في الانتقام الشخصي، ولا تشوق إلى رؤية مبارك على مقصلة إعدام، فإعدامه ألف مرة لا يشفي غليل المصريين، ولا يريح أرواحهم المتعبة، بل ما يريح هو إعدام نظام مبارك لا إعدام شخصه، ما يريح هو القطيعة التامة مع زمن البؤس الذي صار الرجل عنوانا عليه، فقد قام المصريون بثورة عظمى في 25 يناير 2011، وأعقبوها بالموجة الثورية الأعظم في 30 يونيو 2013، وبين الثورة العظمى والموجة الأعظم، لم يذهب نظام مبارك مع ذهاب شخصه، وظلت اختيارات الثلاثية اللعينة تحكم، ظلت الأولويات كما هي تحكم إلى اليوم، ظلت فلسفة الحكم ـ في الجوهر ـ محكومة بأولويات الولاء للأمريكيين وحفظ أمن إسرائيل ورعاية مصالح رأسمالية المحاسيب، ولم يكن حكم الإخوان سوى تكرار لحكم مبارك، فلو لم يكن حكم مبارك ما كان حكم الإخوان، فلم يكن بين جماعة مبارك وجماعة الإخوان غير التناقض الفيزيائي لا التناقض السياسي، كانت الجماعتان دائما في وضع التنافس لا وضع التناقض، يركبان ذات ‘الباص’، وفي الطريق إلى ذات المحطة، وهي الاستيلاء ‘العائلي الطابع’ على حكم بلد منهك مثــــــقل بركام الفقر والجهل والمرض، ولأن ‘الباص’ إلى الحكم لا يتسع لعائلتين، فقد كان هم عائلة مبارك أن ترمي عائلة الإخوان من النافذة، أن تبعدها عن كرسي الحكم، وأن تترك لها المجتمع فريسة تتغذى على لحمها وبؤسها ويأسها، وهو ما كررته عائلة الإخوان حين وصلت إلى الحكم، وكانت المفارقة الكبرى في وعي المصريين، الذين رموا العائلتين تباعا من ذات النافذة، وهو ما قد يغري جمـــــاعة مبارك الآن بأمل العودة إلى الكرسي المفقود، وبانتحال صفة الثورة على الإخوان في 30 يونيو/حزيران، وتماما كما انتحل الإخوان صفة الثورة على مبارك في 25 يناير/كانون الثاني.
وربما لذلك حاول مبارك تلويث صورة عبد الفتاح السيسي ببدائية ساذجة، وأن يرمي عليه البلاوي، وعلى طريقة قوله للمصريين ‘ما عندكوش غيره’، في حين يعلم القاصي والداني حقيقة موقف السيسي من مبارك، فالسيسي يحتقر عجز وفساد مبارك وجماعته وعائلته، ويحمل مبارك بالذات مسؤولية الخراب الذي لحق بمصر، فقد قال السيسي ـ بوضوح ـ ان ‘البلد وقعت في الثلاثين سنة الأخيرة’، والإشارة قاطعة إلى حكم مبارك بالذات، والمعنى ـ ببساطة ـ أنه لا بديل عن القطيعة مع حكم مبارك واختياراته اللعينة، فقد سرق مبارك بلدنا وماضينا، وتريد فلول جماعته الآن أن تسرق المستقبل، وعبر’تفليل’ صورة السيسي، وهو ما قد يصح أن يتنبه له الرجل قبل أن يثور الناس مجددا.
كاتب مصري
يا الله, ما هذا التزوير الفاضح
كيف هو وضع مصر الان؟؟
انظر الى كل المجالات التي كتب فيها قتديل و يأخذها على مبارك
مجال الحريات……صفر
مجال الاقتصاد……سالب
مجال السيادة…..صفر
مجال القيم……فاضح
مجال الاعلام……..مهزلة
الميمقراطية………مسرحية
الدستور……….حدث و لا حرج, و من وضعوه يقومون بالتلاعب فيه و مخالفته
كل شيئ في مصر انتهى يوم 3 يوليو 2013.
مبروك للمنبطحين الجدد ثورتهم, اما الثوار الحقيقيون فهم في سجون ثورة 30 يونيو”المضادة”
المساخر التي تثيرها مقالاتك لا حدودها!!
الناصريين دعموا الانقلاب على الرئيس مرسي الذي قام به السيسي. قد يقول قائل انهم اعداء الاخوان، الكثير من حركات الشباب الثورية فعلت نفس الشيء من نفس المنطلق، ولكن بعد ان تبين لها الخيط الابيض من الاسود، مثل حركة ’6 ابريل’، عادت الى رشدها ووقفت ضد السيسي وعسكرة مصر، اما الناصريون فزادوا في تخندقهم مع العسكر.
تشبيه السيسي بعبد الناصر من قبل الناصريين او غيرهم ليس مدعاة للفخر، فعبد الناصر الذي رفع شعار القومية العربية جلب للعرب اقسى هزيمة، وهي هزيمة 1967 وفشل في الابقاء على الوحدة السورية المصرية، لانه تصرف كديكتاتور وليس شريكا في الوحدة، وعين عامر رئيسا للقطر الشمالي، سوريا. ولا ينسى احد بالطبع انغماسه في حرب اليمن التي فتكت بخيرة شباب مصر. في عهده منعت الاحزاب وكممت الافواه وشيدت المعتقلات ومورس فيها ابشع انواع التعذيب الذي لا يليق بالبشر، وافتعل حربا مع الاخوان وفبرك محاولات اغتياله وحاكمهم بمحاكم عسكرية واعدم علماءهم. ايامه كان الاعلام الرسمي سيد الموقف يدعي ما يشاء، اما الان فالحقائق متاحة لمن يود معرفتها متخليا عن العواطف الجياشة غير المبنية على الوثائق.
في كل مرة كان يُسأل عبد الناصر عن الديمقراطية كان جوابه جاهزا، المرحلة لا تسمح، وهذا بالضبط ما يتردد الان، مصر تمر بمرحلة حرجة ودقيقة وهي منهمكة في الحرب على الارهاب، ودائما لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
هزيمة 1967 النكراء تحت إمرة ناصر وعامر ورجال المخابرات الذين كانوا منغمسين في اللهو والمجون. ولم تكن حرب 1973 احسن حالا، فالعبور كان عظيما، والنصر كان قصيرا جدا، لأيام قبل أن يجيّر لحسابات السياسة والسلام. الفريق سعد الدين الشاذلي، رحمه الله، قال رأيه العسكري في ما جرى بجرأة، فكان ان عزل ونفي في عهد السادات، وحوكم في عهد مبارك وسجن لأنه كشف تآمر مؤسسة الرئاسة على العسكر الشرفاء. أما الحرب الأسوأ فهي حرب اسرائيل على قطاع غزة في كانون الاول/ ديسمبر 2008، وهي بالطبع حرب لم تخضها مصر ولكن اسرائيل، وعلى لسان تسيبي ليفني اعلنت شنها على غزة من القاهرة، وهي تقف الى جانب ابو الغيط وزير خارجية مبارك انذاك، الذي لام فيها حماس وحملها المسؤولية قبل واثناء وبعد الحرب