الشعب الفلسطيني، كما جميع شعوبنا العربية، شعب كريم بطبيعته، لذا فهو محب للكرماء، لم يكن يوما جاحدا أو ناكرا للجميل، خاصة جميل الأشقاء. وهو الآن يقبل بسبب الظروف غير الطبيعية، التي يمر بها وبقية شعوب العالم، المساعدات الطبية من أي طرف خالص النية، ويشكره جزيل الشكر، ومثله في ذلك مثل الكثير من حكومات العالم، حتى الولايات المتحدة، في مواجهة جائحة كورونا، التي حصدت ولا تزال، أكثر من 360 ألف روح، وأصابت قرابة ستة ملايين ونصف مليون شخص من كل البلدان، ومن كل القارات، ومن كل الطبقات، ولا فرق بين غني وفقير، أو شرقي وغربي.
الشعب الفلسطيني يقبل المساعدات التي تأتي عبر الطرق المشروعة، ومن دون أغراض سياسية في نفس يعقوب. لكن هذا الشعب يرفض أن تكون أي مساعدات مقدمة له مغمسة وملطخة بأهداف تطبيعية مع دولة الاحتلال، ويرفض أن يكون منصة للانطلاق نحو التطبيع معها، رغم الاتفاقات الموقعة معها، لذا تراهم ينظرون إلى الرسائل التي تحملها هذه المساعدات بعيون ثاقبة، وبناء على ذلك هم يقررون ما يقبلونه وما يرفضونه، حسب الرسائل التي تحملها هذه المساعدات. وهو في كل الحالات يرفض رفضا قاطعا أي محاولات لتجاهل حكومته مهما كان رأيه ورأينا بها.
وهذا ما حاوله محمد بن زايد نائب رئيس دولة «الإمارات العظمى» وحاكمها الفعلي وزمرته، بالمساعدات الطبية لمكافحة فيروس كورونا، التي بعثتها دولته متأخرة نحو أكثر من شهرين إلى مطار تل أبيب، وعلى متن طائرة تابعة لشركة طيران الاتحاد وهو الطيران الرسمي للإمارات، وهذه الرحلة هي الأولى التي يعلن عنها بين الإمارات وإسرائيل. وسعى محمد بن زايد بحركته هذه إلى ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد. الأول تثبيت صورة طيران عربي رسمي على أرض مطار تل أبيب في أذهان الناس، ما يعني التطبيع الرسمي والعلني، تماهيا مع صفقة القرن الأمريكية التصفوية، التي تدعمها الإمارات، وشاركت إلى جانب عُمان والبحرين، في حفل إطلاقها في البيت الأبيض، بحضور رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو في 28 يناير/كانون الثاني 2019. والثاني التغطية على عدم تقديم المساعدات غير المشروطة للشعب الفلسطيني أسوة بغيره. والثالث الإنكار التام لوجود السلطة الفلسطينية، وعدم التعامل معها بأي شكل من الأشكال.
نعم، حاول تجاهل السلطة فتجاهلته وهي محقة، وحاول إحراجها بمساعدات جزء منها فقط يفترض أن يكون لها والباقي لمن.. الله أعلم، فأحرجته السلطة برفضها للمساعدات وفضحته وكشفت خبث نواياه. وانقلب السحر على الساحر. فجن جنون بن زايد، فأطلق العنان لزبانيته ضد السلطة وقادتها ووزرائها في اتجاهين:
*الأول محاولة التشكيك برواية السلطة وأسباب رفضها، ويقودها أنصار لمحمد دحلان مستشار بن زايد، لا أدري إن كان للشؤون الأمنية أو السياسية.
*والاتجاه الثاني، هو الذي يتعرض للأعراض ويقوده حمد المزروعي، «وزير الشتائم» غير المسمى في حكومة بن زايد، الذي يطلق له العنان بين الحين والآخر ضد خصومه.
وسلك أنصار محمد دحلان المفصول من حركة فتح، ويطرح نفسه بديلا، وشكّل حركة أطلق عليها «التيار الإصلاحي»، في دفاعهم عن خطوة بن زايد، مسلك التبرير والتحريف، والزعم بأن كل المساعدات التي تتلقاها السلطة تأتي عن طريق مطار تل أبيب، وهذا صحيح، فالمساعدات التركية وغيرها وصلت عن طريق مطار تل أبيب، وهم كمن يقول «لا تقربوا الصلاة»، إذ تمنعوا عن ذكر أن هذه المساعدات كغيرها، وصلت بالتنسيق المسبق بين أنقرة ورام الله، ولم تصل من وراء السلطة، وتجاوزا لها كما أراد بن زايد.
الشعب الفلسطيني يقبل المساعدات التي تأتي عبر الطرق المشروعة، ومن دون أغراض سياسية في نفس يعقوب
أما الهجوم الثاني فقاده «وزير الشتائم» لدى محمد بن زايد، بالتهجم على أعراض الرئيس الفلسطيني، ووزيرة الصحة الفلسطينية مي كيلة، بشتائم بذيئة. ونشر لاحقا تغريدة تتضمن صورة لدحلان، وعلق عليها: «فخامة الرئيس محمد دحلان.. رئيس دولة فلسطين». ولم نسمع كلمة رفض أو إدانة واحدة لهذا الأسلوب غير الأخلاقي من قبل دحلان وجماعته.
أن يتهجم أحد على ابو مازن سياسيا فهذا من حقه، لكن أن يصل مستوى التهجم إلى هذا المستوى غير الأخلاقي فهو مرفوض بكل اللغات. ولكن أن ينساق الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله فهذا أمر مستغرب، وإن لم تكن هذه الهفوة الأولى للدكتور عبد الخلق، فقد حاول من قبل إقناع الفلسطينيين ببيع قضيتهم مقابل25 مليار دولار. وقال عبد الخالق في تغريدة له إن «عدم استلام السلطة الفلسطينية مساعدات الإمارات الطبية المرسلة للشعب الفلسطيني، لدعم جهود الطاقم الطبي الفلسطيني، لمواجهة خطر كورونا، ينم عن غباء سياسي شديد». وتابع مهاجما أن «السلطة الفلسطينية المترهلة (وكأن نظام محمد بن زايد خال من الفساد ومشدود القوام) تثبت في كل مناسبة أنها ليست عند حسن الظن، وليست بقدر المسؤولية التاريخية». واعتبرت حركة فتح ما وصفته بالإساءات الإماراتية بحق الرئيس عباس، ووزيرة الصحة «خروجا عن الأخلاق والثقافة، وانحطاطا سلوكيا». وقال مغردون آخرون إن شتائم المزروعي، تعبر عن موقف إماراتي واضح تجاه السلطة، لرفضها القاطع «صفقة القرن». وفي خضم هذه الحملة غير الأخلاقية خرج علينا وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش بتغريدة، طالب فيها دولة الاحتلال بالتوقف عن الحديث عن ضم أراض فلسطينية، معتبرا أن أي خطوة أحادية من جانب تل أبيب ستمثل ضربة قوية لعملية السلام.
هل حقا يتوقع قرقاش منا تصديق تصريحاته هذه، في الوقت الذي تسير فيه خطوات التطبيع سريعة ومنتظمة، بدءا من التعاون الأمني، وزيارات المسؤولين الإسرائيليين للمشاركة في معرض «دبي أكسبو 2020» إلى السماح للإسرائيليين بزيارة الإمارات من دون تنسيق مسبق، إلى تأييد صفقة القرن، ومنها إلى حضور حفل إطلاقها، وأخيرا وصول طائرة تابعة لشركة طيران الاتحاد الرسمية إلى تل أبيب. وكتب قرقاش: «يجب أن يتوقف الحديث الإسرائيلي المستمر عن ضم أراض فلسطينية». وأوضح أن التحرك الأحادي الإسرائيلي أيضا «سيمثل تقويضا لحق تقرير المصير الفلسطيني، وبمثابة رفض للإجماع الدولي والعربي نحو تحقيق الاستقرار والسلام».
وإن كنا نأمل أن تكون هذه التصريحات صادقة، ولكنها محاولة لذر الرماد في العيون والحفاظ على ماء وجه الأطراف الفلسطينية الداعمة لابن زايد، التي يجري إعدادها ربما لقيادة الشعب الفلسطيني، متناسين أن هذا الشعب لم يقبل يوما بقيادة تفرض عليه من أطراف خارجية أيا كانت هذه الأطراف.
وأختتم بالقول إنني في مرحلة ما قطعت على نفسي عهدا بأن أواجه العرب المتأسرلين، خصوصا السعوديين منهم، ولكنني اكتشفت أن هؤلاء المتأسرلين ما هم إلا فئة قليلة وضالة ومن المسترزقين. اللوم لا يقع على هذه الفئة التي تتحدث بألفاظ نابية وتحكي بحرقة ضد الشعب الفلسطيني وقضيته للفت الانتباه ودفعنا للرد عليها، بل يقع على القنوات التي تفتح منابرها أمامها لتنفث سمومها وأحقادها. وحقيقة أن هذه الفئة هي الوجوه نفسها، التي تردد المصطلحات نفسها، وكأنهم جميعا يقرأون من نص معد مسبقا.. وهذا إلى حد ما يريح النفس ويؤكد أن شعوبنا العربية لا تزال بألف خير، وأن القضية الفلسطينية لا تزال في أيد أمينة، وأن النصر حليفها، كما هو حليف كل القضايا العادلة.. وما مصير صفقة القرن والتهديد الاحتلالي بالضم، ومعهما المتأسرلون المروجون لها، سوى مزابل التاريخ.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
*ساسة أبوظبي للأسف تحولوا إلى مساعدين
للشيطان وجل همهم الفوضى والتخريب
ف الدول العربية..؟؟؟
حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم.