مساعي جزائرية ليبية لعقد «مؤتمر برلين» عربي

رشيد خشانة
حجم الخط
0

يُسابق الليبيون الزمن للعمل على بلورة موقف مغاربي موحد يُيسر تنفيذ خريطة الطريق التي اعتمدها المشاركون في مؤتمر برلين2 مطلع العام الجاري، وفي مقدمها إجراء الانتخابات العامة.

وجهت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، في مبادرة نادرة، دعوات إلى نظرائها في كل من المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وتشاد والنيجر والسودان، بصفتها الرئيس الدوري لمجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي، لحضور اجتماع خاص بالأزمة الليبية في الجزائر أواخر الشهر الجاري. وجال وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة، على كل من القاهرة والخرطوم وتونس لنقل دعوات إلى نظرائه لحضور الاجتماع.
كما وجهت الجزائر دعوات إلى ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحضور الاجتماع، وأفادت قناة «الشروق» الجزائرية أن المؤسستين أكدتا مشاركتهما في الاجتماع، ما يوحي بأنه سيكون، إذا ما عُقد فعلا، بمثابة «مؤتمر برلين» عربي.
ولئن كانت القطيعة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب لا تسهل توحيد الموقف المغاربي، فإن اجتماعا آخر مقررا في القاهرة، على هامش اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، في السابع من الشهر المقبل، قد يكون مناسبة لضم المغرب إلى الجهود الجارية لدعم الحل السياسي في ليبيا.
وكان لافتا أن أمريكا سارعت إلى التعبير عن دعمها للمبادرة الجزائرية، عبر حساب موقع سفارتها بالجزائر، على شبكة «تويتر» عقب لقاء جمع المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، ووزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، على هامش زيارة الأخير لتونس.
وقالت السفارة إن أمريكا «ترحب بهذه المبادرة كجزء من الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار في ليبيا والمنطقة، وتأمين انسحاب القوات الأجنبية، وضمن ذلك المقاتلون والمرتزقة الأجانب».
ويندرج الحراك الدبلوماسي الليبي الجزائري، في إطار محاولة لحشد الدعم السياسي من دول الجوار، وهي دول تؤثر بدرجات متفاوتة في مسارات الأزمة الليبية منذ 2011. وأتت الزيارات المكوكية لوزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة إلى تونس، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، تعبيرا عن رغبة الجزائريين في رؤية موقف مغاربي موحد، يُقرب التسوية السياسية للأزمة، التي تشكل تهديدا مباشرا لأمنهم القومي.
ويميل الجزائريون إلى التسوية السلمية للصراع في ليبيا، وأكدوا مرارا وتكرارا استعدادهم للوساطة بين الفريقين المتصارعين. إلا أن توتر العلاقات مع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر لم يُسهل طريق التعاون بين الطرفين. أكثر من ذلك، لم يتوان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن التصريح بأن الجيش الجزائري كان سيتدخل في طرابلس لو اقتحمت قوات حفتر العاصمة الليبية. مع ذلك يُشدد الجزائريون على ضرورة إشراك جميع الأطراف الليبية في مسار التسوية، بما يضمن عدم عودتها إلى التمرد والعمل المسلح مستقبلًا.
في إطار هذه الرؤية ترى الجزائر أنّ استمرار الصراع المسلح، خاصة في ظل تدخلٍ أجنبيّ مكثف، ودعمٍ عسكري متعدد الأطراف، كما هو الحال في ليبيا، لن يؤدي إلا إلى تقويض أكبر للأمنين الليبي والإقليمي. ولذلك دعا الجزائريون رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى الجزائر، في حزيران/يونيو الماضي، واعتُبرت تلك الزيارة فتحا لحوار غير مباشر مع حليفه اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لكن الحوار لم يتواصل بشكل رسمي.

مرتزقة السودان وتشاد
وبموازاة التنسيق مع الدول المغاربية، مهد الليبيون للاجتماع المنوي عقده، بحوار مع جيرانهم الجنوبيين، وبخاصة تشاد والسودان، من خلال زيارتين أداهما عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني، إلى كل من نجامينا والخرطوم، حيث عقد اجتماعا مع الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي في العاصمة التشادية، واجتماعا مماثلا مع الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني في الخرطوم.
وأفاد الكوني بعد عودته إلى طرابلس، أنه اتفق مع ديبي، على ضمان أمن الحدود، وإخراج الفصائل المسلحة التشادية من ليبيا، وذلك على خلفية التطورات الأمنية التي أدت إلى مقتل والده الرئيس المغدور إدريس ديبي، على أيدي متمردين انطلقوا من ليبيا.
أكثر من ذلك، اقترح ديبي على الكوني إحياء الاتفاق الرباعي بين ليبيا والسودان والنيجر وتشاد، الذي يخص تشكيل قوة عسكرية مشتركة، على الحدود مع ليبيا لمنع توغل الجماعات المتمردة عبرها.
وكانت الدول الأربع توصلت إلى اتفاق في 2018 رمى إلى تطوير التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب والإتجار بالبشر. لكن الاتفاق لم يحُل دون انتشار قوات شبه عسكرية في جنوب ليبيا، وتوغل متمردين تشاديين في ليبيا. وقد استخدم اللواء حفتر قسما منهم في عملياته العسكرية.
كما أكد الكوني أن الفريق البرهان، وباقي الوزراء أبدوا رغبتهم في حل ملفات الهجرة غير النظامية، وأمن الحدود ومحاربة المجموعات المسلحة الخارجة عن القانونين السوداني والليبي.
قصارى القول إن الأطراف الثلاثة اتفقت بحسب الكوني، على وضع «خريطة طريق عملية للحد من الخروقات الأمنية والأعمال الإجرامية». لكن لا توجد ضمانات مع بلدان الساحل والصحراء تؤكد استعدادها لوضع مثل تلك الخريطة فعلا لا قولا، أو للإقدام على تنفيذ أي اتفاق من هذا النوع، لأن تجفيف قنوات التهريب ومحاصرة جماعات الإتجار بالسلاح، يُضران مباشرة بمصالح الفئات الحاكمة في تلك البلدان، وهي الفئات التي ترعى الاختراقات لممارسة التجارة الموازية، بما فيها تجارة السلاح وتهريب البشر.

شبح التقسيم
ويمكن القول إن حرص الجزائر على حلحلة الأزمة الليبية وتسريع نسق المفاهمات الإقليمية والدولية على تنفيذ خريطة الطريق، المُنبثقة من مؤتمر برلين2 مردُهُما إلى مخاوف الجزائريين من تقسيم ليبيا. وهم يعتقدون أن الإخفاق في إجراء الانتخابات العامة في ميقاتها المتفق عليه، سيقود حتما إلى التقسيم، بجميع تداعياته السلبية على الأمنين الوطني والاقليمي الجزائريين.
كما أن تمركز قوات أجنبية في عدة قواعد عسكرية ليبية منذ فترة «حرب طرابلس» يثير مخاوف لدى بلدان الإقليم من انكشافها أمنيا، وخاصة عبر القواعد القريبة من حدودها، أسوة بقاعدة الوطية (جنوب غرب) التي يديرها ضباط ومدربون عسكريون أتراك، وهي القاعدة الرئيسة للطائرات المُسيرة، التي لعبت دورا محوريا في هزيمة قوات اللواء حفتر، لما وصلت إلى مشارف طرابلس. ولا تبعد قاعدة الوطية سوى بضع عشرات الكيلومترات عن الحدود الليبية المشتركة مع الجزائر وتونس، اللتين كانت لهما تجارب مريرة في خرق الجماعات المسلحة الحدود الدولية، وتنفيذ عمليات إرهابية على أراضيهما.
وحرصت الدبلوماسية الليبية على إشراك المغرب في جهودها الرامية لحشد الدعم الإقليمي للحل السياسي، فأوفدت عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي إلى الرباط، بالرغم من تسمُم الأجواء بين المغرب والجزائر في هذه الفترة. وأجرى اللافي محادثات مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة تعلقت بالعملية السياسية في ليبيا، وكذلك بالخلاف المغربي الجزائري بحكم تولي ليبيا حاليا الرئاسة الدورية لاتحاد المغرب العربي. وكان واضحا أن المغاربة جددوا للموفد الليبي دعمهم لجهود حكومة الوحدة الوطنية «في مجال توحيد المؤسسات وإطلاق مسار المصالحة والإعداد  للانتخابات» طبقا لما أورد الإعلام الليبي.
وكان المغاربة لعبوا دورا مهما في التوصل إلى اتفاق الصخيرات (إحدى ضواحي الرباط) العام 2015 وظلوا قريبين باستمرار من تفاعلات الملف الليبي، وإن بقوا خلف الستار. لكن المخاوف الكبرى على المسار الانتخابي أتت من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي يُخطط، على الأرجح، لتقويض حكومة الدبيبة، بدعوتها إلى المثول أمام المجلس في مقره الحالي بمدينة طبرق (شرق) والتلويح بسحب الثقة منها إذا لم تفعل.
ويُرجح أن الدبيبة لن يتمكن من الحضور بسبب ارتباطات رسمية سابقة، وفي هذه الحالة ستصل الأوضاع إلى نقطة حرجة، لأن سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية سيُحدث فراغا دستوريا لا سبيل لملئه، وأيضا لأن الأطراف الدولية والإقليمية الراعية للحل السياسي في ليبيا، لن تقبل بتبديد مخرجات جنيف/برلين، التي حددت ميقات الانتخابات وأفرزت حكومة ومجلسا رئاسيا.

عواصم القرار و»مبادرة» صالح
وطالما أن عواصم القرار لا ترغب بإيجاد بديل من الحكومة ولا من المجلس الرئاسي، فإن مناورة عقيلة صالح لن تُحقق الهدف المُراد من ورائها، خاصة في ظل تشبث كبار اللاعبين الإقليميين والدوليين بالمسار الانتخابي. ومن علامات ذلك التشبث تصريحُ سفير أمريكا ومبعوثها الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، في أعقاب اجتماع مهم مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في تونس، والذي جدد فيه الموقف الأمريكي «الداعم للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، في إطار الحرص على أمن ليبيا واستقرارها».
وتؤكد العناية الأمريكية المتزايدة بالملف الليبي، أن واشنطن أنهت عمليا الوكالة التي كانت تمنحها لإيطاليا لإدارة هذا الملف، وأخذت زمام الأمر بيدها، وسط تواري الأوروبيين عن المشهد، ربما عدا ألمانيا الحاملة لمشروع برلين.
ومن المهم التذكير في هذا الصدد بأن تغييرا كبيرا آخر طرأ على الموقف الأمريكي من الأزمة الليبية، منذ اللحظة التي أعلن فيها مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، في جلسة رسمية لمجلس الأمن، أن «على الأطراف الخارجية، بما فيها روسيا وتركيا والإمارات، احترام السيادة الليبية والوقف الفوري للتدخلات العسكرية في ليبيا».
والأرجح بحسب مصادر مطلعة أن الدبيبة لن يستجيب لدعوة مجلس النواب للمُساءلة، ‏واستطرادا فإن المجلس لن يستطيع سحب الثقة من الحكومة، لأن ‏تلك العملية تحتاج إلى موافقة غالبية من أعضاء المجلس، وهي  مازالت غير مضمونة.‎
لكن في هذه الأثناء يظل الاتصال قائما بين الحكومة وأعضاء مجلس النواب، من ذلك أن الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي اجتمعا أخيرا مع عدد من أعضاء مجلس النواب لمتابعة عمل الحكومة.
لكن تجدد الاشتباكات في الأيام الأخيرة، بين مجموعات مسلحة شرق مدينة الزاوية، القريبة من العاصمة طرابلس، يُنبه الجميع إلى خطورة استمرار تحكم الميليشيات بعدة مدن وأحياء، وسط عجز الدولة عن ضبطها وإخضاعها لسلطة وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع، التي يُديرها رئيس الحكومة بنفسه. وليست اشتباكات الزاوية حدثا معزولا وإنما هي واحدة من الاختراقات المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي توصل إليه المتحاربون في 23 كانون الثاني/يناير الماضي، ما يجعل الهدوء النسبي الحالي شديد الهشاشة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية