لم انتظر طويلاً، توقفت أمامي سيارة أجرة، بعد بضع دقائق قطعتها مشياً للوصول إلى الشارع العام، كان شارع المنزل القصير تظلل نهايته شجرة سدر كثيفة، احتميت بها من رشقات مطر بدأت تتساقط سرعان ما غسلت حبات النبق المتناثرة على إسفلت الشارع.
أنزل السائق زجاج السيارة إلى منتصف حيّزه ومدّ عنقه النحيف نحوي:
ـ تفضل حجي تكسي؟
هذا أول استفزاز بعدنا بأولها، مشّي! منظري العام وهيأتي لا يوحيان بانتمائي لرهط الحجاج.
قلت نعم، إلى متحف كولبنكيان .
ظل صامتاً لبضع ثوان، ثم سألني بلسان متعثر:
– عفواً! هذا المتحف في بغداد؟
– نعم في ساحة الطيران.
ـ صار واضح ، من الأول يا حاج، تقصد سوق (البالات ) في الساحة؟
قبل أول انعطافة نحو الشارع الرئيس، سألني بعد أن طلب مني ربط حزام الأمان:
قلت له: عليك ان تخفض صوت الراديو كي تسمعني جيداً، كانت أغنية بكلمات هابطة يصرخ مؤديها مثل عجل مهيأ للذبح.
ـ تزعجك ؟
– جداً
– تفضل هاي لخاطرك !
– ولماذا لخاطري؟ هي أغنيتك أنت، لست مجبراً أن أسمعها أنا!
كان شاباً مهذباً، أدرك انفعالاتي بحذر، فاستجاب بسرعة لطلبي وكتم الصوت بشكل نهائي .
– اسمعني ، سأختصر لك حكاية كولبنكيان :
هو رجل أعمال أرمني (برتغالي) يسمى أيضاً (مستر 5%) لأنه كان يتقاضى نسبة 5 في المئة من عائدات النفط، لجهوده في عقد صفقات استثمار نفط العراق، مقابل ذلك (تكرمت) علينا مؤسسته ببناء بعض المشاريع في بغداد، منها ملعب الشعب، وقاعة كولبنكيان (متحف الفن الحديث ) ومبنى جمعية التشكيليين العراقيين، وغيرها، هذه الخمسة في المئة كانت سرقة مشرعنة باتفاق مع الحكومة، لكنها ظلت شاخصة بهذه المباني إلى هذا اليوم .
– على هذا الأساس ماذا يمكن أن نسمي جماعتنا؟
سمّهم ما شئت، لكن عليك أن تعرف جيداً، أنهم امتدادات جينية للصوصية في الكون !
ـ يجوز لي تسميتهم مستر 95 %
-إنها عدوى وبائية، سعار عمّ البلاد للخراب والنهب والسرقة، لا يمكن للبلدان أن تتقدم دون سنن أخلاقية حارسة لها، وإلا فالبلاد ليست إلا سوق (بالات).
ـ توقف! هنا قاعة كولبنكيان، عليك ان تعرف هذه الحقيقة أولا، ولا تنس اسمها منذ الآن .
كاتب عراقي