ابو ظبي من فاطمة عطفة: يبدو أن الدراما المؤلمة التي تحدث على أرض الواقع في أكثر من بلد عربي هي التي تشغل الناس في معيشتهم اليومية وتوفير القوت والأمان، دراما الحياة هذه تبدو أقسى وأفظع من أية صورة فنية متخيلة.
ولكن يبقى للفن دوره ورسالته في التقاط أحداث وجوانب معينة من من هذا الواقع واحتمالاته، لا للمعاجة ولكن لإضاءة المشهد والتفكير في إيجاد العلاج والخلاص. والولادة من الخاصرة ــ منبر الموتى هو المسلسل الذي تعرضه قناة أبوظبي الأولى، وهذا العنوان يبدو أكثر قسوة بين المسلسلات الرمضانية التي تقدم لهذا العام، والعمل هو من جزأين حيث يكشف بعض جوانب المأساة التي يعيشها المستضعفون في المجتمع السوري ومعاناتهم في أجواء من الفساد والفاسدين. وكاتب السيناريو سامر رضوان يلامس الواقع ويستشرف صورا ومشاهد من المستقبل واحتمالاته، ومن هذه القراءة الواقعية تتجلى رؤيا الكاتب ومعاناته، وكأنه يلتقط من وقائع العامين الماضيين صورا مستخلصة ومكثفة مما يحدث في سوريا من أزمة مؤلمة كادت تمزق النسيج الاجتماعي وتفرق بين أبنائه، وتزيد من معدلات العنف وما فيها من معاناة إنسانية غير مسبوقة.
المسلسل ومنذ شارة البداية نفى عن نفسه صفة توثيق الحدث السوري أو التأريخ له، بل كان الهدف مقاربة الواقع ومحاولة فهم بعض ما يجري على الأرض، من زوايا معينة، فالفن ليس تصويرا آليا للواقع وإنما لاحتمالاته. لذلك كثرت التحليلات قبل عرض المسلسل إن كان مضمونه يؤيد هذه الفئة أو يقف مع تلك، لكن ما ظهر حتى الآن من حلقات يؤكد أن ‘منبر الموتى’ يحاول التعاطي مع الواقع دون الإصغاء لما يطفو على السطح من تكهنات ومبالغات في بعض وسائل الإعلام، وإظهار انحياز الكاتب إلى الفئة الفقيرة والمسحوقة التي تشكل غالبية المجتمع السوري وهي عملياً الأكثر تضرراً من الأزمة الحاصلة.
معروف أن الدراما تركز على التشويق والتأثير من خلال التماهي بين الممثل والمشاهد في مواجهة الموقف الصعب الذي يعانيه، فالمشهد الأول من المسلسل يبدأ بانفجار يستهدف مسؤولا هو أبو إياد، ومن ثم العودة إلى الوراء بضع ساعات ليربط المسلسل المشاهد بأحداث الجزء الثاني ‘ساعات الجمر’، فنرى أبو الزين خارجاً من عند الوزير مزهواً بأن مشكلته مع رجال الأمن قد حلت، لكنه يتوجه إلى الحارة مع جيرانه فيعرفون أن عناصر المخابرات تنتظرهم للقبض عليهم. أما المقدم رؤوف فنرى أنه احتجز سوزان لإجبارها على الحمل منه وإنجاب الولد الذي يريد، لكنها تتملص منه بحجة أنها ترغب بزواج شرعي وحين يذهب لإحضار الشيخ ليعقد عليها إذ بها تتوارى عن الأنظار. الشخصية الثالثة محور الحدث جابر سيكون وحيداً في المنزل يعاني من آثار الطلق الناري الذي أصابه نهاية الجزء الثاني، لكنه يحاول استغلال علاقته بأبو إياد لإنقاذ أهل الحارة من عناصر الأمن بمن فيهم والدته.
من الواضح أن خطوط المسلسل في جوه البوليسي المثير والمؤثر معا ستصبح أكثر تعقيداً مع مرور الوقت، ولا شك أن عنصر المفاجأة وارد في كل حلقة، فتمرد أحد أفراد الأمن (عزام) على رؤوف الذي أعطاه أبو إياد الصلاحيات الكاملة ليتصرف في مصير الناس من خلال الموقع الذي يعمل فيه كما يشاء دون أن تردعه سلطة أي قانون، سيكون نقطة تحول مفصلية في العمل، ومحاولات أبونبال المستمرة للانتقام من أبو إياد وجعله يعيش في دائرة الخوف في كل لحظة ستبقي المشاهد مشدوداً إلى الحلقات ليتابع تطورات ما سيحصل..
ما يحسب لمنبر الموتى، إضافة إلى بنيته الدرامية القوية، هو ذاك الأداء الرائع للممثلين، شخصية المقدم رؤوف تبدو الأبرز هنا، وقد حافظ عابد فهد على أدائه الساحر منذ الجزء الأول دون أن يشعِر المشاهد ولو للحظة أنه فقد امتلاك هذه الشخصية التي تتطلب ممثلًا ذا إمكانات كبيرة، وبدوره كان باسم ياخور مقنعاً جداً بدور شيخ الوادي وما تحمله هذه الشخصية من قسوة وجبروت، وجاءت شخصية جابر لتبرهن على أن قصي خولي فنان يمتاز بموهبة كبيرة فقد دخل دوره بعمق وعايش تبدلاته وأجاد في أداء المراحل المختلفة التي مرت بها شخصية جابر.
ومع استمرار عرض المسلسل سيكون المشاهد على موعد مع حلقات أكثر تشويقاً من ‘الولادة من الخاصرة’ وستزداد المتعة الفنية على مدى الأيام المتبقية من شهر رمضان المبارك، علماً أن المسلسل يحقق نسبة مشاهدة عالية منذ اليوم الأول لعرضه على قناة أبوظبي الأولى، وتقدمه القناة يومياً عند منتصف ليل الإمارات. ومن نجوم المسلسل الفنان القدير عابد فهد، الفنانة الكبيرة منى واصف، مع النجم باسم ياخور، صفا سلطان، بطولة فادي صبيح،باسل حيدر، نادين الراسب، سمر سالم والفنان أيمن رضا وغيرهم من نجوم الدراما السورية.