مشروع طريق التجارة البري بين تركيا والإمارات.. مسار اقتصادي يرسم خريطة التحولات السياسية

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول- “القدس العربي”: عقب أسابيع من التكهنات المختلفة، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو وجود مباحثات مع الإمارات حول مشروع طريق للنقل التجاري بين تركيا والإمارات مروراً بإيران يتوقع أن يجري التوقيع عليه خلال الزيارة المرتقبة للرئيس رجب طيب أردوغان إلى أبو ظبي فبراير/ شباط المقبل، في مسار اقتصادي استراتيجي يرسم خريطة التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة في الأشهر الأخيرة.

وبعد سنوات طويلة من الخلافات الحادة التي وصلت إلى حد العداء المباشر، نجحت أنقرة وأبو ظبي في تجاوز الخلافات الثنائية والإقليمية والبدء في مسار لتحسين وإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين من خلال لقاءات على مستوى الاستخبارات والأمن والدبلوماسية المنخفضة وصولاً لأعلى المستويات السياسية التي تكللت بزيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى أنقرة ولقاء أردوغان والتوقيع على سلسلة من الاتفاقيات الثنائية.

هذه الاتفاقيات التي غلب عليها الطابع الاقتصادي كان أبرز مخرجاتها إعلان الإمارات تخصيص صندوق بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في تركيا في مؤشر يظهر حجم الأولوية التي يوليها الطرفان للجانب الاقتصادي في العلاقات حيث تسربت أنباء مختلفة عن رغبة إماراتية في التوقيع على مشروع للنقل التجاري البري من تركيا إلى الإمارات مروراً بإيران وهو ما ظل قيد التكهنات حتى وقت قريب.

والخميس، أكد جاوش أوغلو لأول مرة هذه الأنباء، وقال في لقاء تلفزيوني: “تلقينا عرضاً من دولة الإمارات العربية المتحدة لتوقيع اتفاقية النقل البري إلى تركيا، وقد تعاملنا معها بشكل إيجابي”. وأضاف: “لن يكفي إتمام هذا الأمر على المستوى الثنائي بين البلدين فقط، لأن هذا النقل البري سيأتي عبر إيران في الوقت الحالي”. وتابع: “عندما نجري الحسابات، فإن أي شحنة تغادر إسطنبول حالياً متوجهة إلى الإمارات فإنها تستغرق ما بين 25 و28 يوماً عن طريق البحر، لكن ستستغرق 10 أيام براً ومع ذلك، يتم قضاء جزء طويل من هذا الوقت في التخليص الجمركي”.

ولفت الوزير التركي إلى أنه “لا بد من تخفيض هذا الوقت. ومن ثم فإنه بعد التوقيع على مثل هذه الاتفاقية، ربما يمكننا بعد ذلك التوقيع عليها على المستوى الثلاثي بعد التوقيع عليها على المستوى الثنائي.. لقد رحبنا بها، ونحن نتفاوض بشأنها حاليا. نريد أن نوقع هذه الاتفاقية على هامش زيارة الرئيس في فبراير المقبل للإمارات”، كما كشف عن وجود رغبة في تقليل ذلك الوقت من خلال مسار العراق، قائلاً: “يمكن اختصار الوقت إذا تم تنفيذ مشاريع السكك الحديدية والطرق البرية”.

وتعول تركيا والإمارات على زيادة معدل التبادل التجاري وتعزيز موقع البلدين في خريطة التجارة الدولية ولخدمة هذا الهدف يمكن لطريق التجارة البري أن يوصل البضائع من تركيا إلى الإمارات مروراً بإيران من 8 إلى 10 أيام، وذلك لتوفير الوقت والتكاليف وليكون بديلاً عن طريق النقل البحري عبر قناة السويس والذي يستغرق من 25 إلى 28 يوماً.

تصل عبره الشحنات التجارية خلال 10 أيام براً بدل 28 عبر قناة السويس

وكانت رحلة تجريبية أجريت مؤخراً لشاحنات بدأت رحلتها من رأس الخيمة قبل أن تتجه إلى الشارقة، ومن هناك نُقلت الشاحنة على متن سفينة لقطع مياه الخليج العربي إلى ميناء بندر عباس على الجهة الإيرانية. وبمجرد وصولها إلى إيران سارت برّاً إلى معبر بازرجان-جوربولاك، ووصلت إلى ميناء الإسكندرون على ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​في تركيا بعد أقلّ من أسبوع من مغادرتها رأس الخيمة، وهو ما يؤكد واقعية المشروع وإمكانية تطبيقه بما يوفر وقت النقل إلى الثلث ويقلل أيضاً تكلفة النقل وهو يزيد من قدرة البضائع التي تمر عبره على المنافسة بالسعر.

وكما قاد طحنون بن زايد مسؤول الأمن الوطني الإماراتي جهود التأسيس لإعادة تطبيع العلاقات مع تركيا، زار أيضاً العاصمة الإيرانية طهران والتقى الرئيس إبراهيم رئيسي وكبار المسؤولين الإيرانيين في مسعى للتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، ولا يستبعد أن يكون طرح مشروع الطريق البري مع تركيا على المسؤولين الإيرانيين، في مشهد يظهر الاستراتيجية الإماراتية الجديدة التي تتمثل في تحييد الخلافات السياسية وتعزيز العلاقات الاقتصادية وهو ما يتطلب بناء علاقات جيدة مع المتنافسين الإقليميين والقوى الأهم في المنطقة (تركيا وإيران).

وفي هذا الإطار، قال طحنون بن زايد: “إيران، وانطلاقا من ثقلها وقوتها في المنطقة، تتمتع بموقع جيوسياسي فريد وطريق سريع يربط بين شرق وغرب العالم وتطوير العلاقات الأخوية بين أبو ظبي وطهران من أولويات الإمارات”، وأضاف: “البلدين يتمتعان بفرص وإمكانيات اقتصادية كبيرة يمكن تبادلها في مختلف المجالات بما فيها الترانزيت والطاقة والنقل والصحة والعلاج والاستثمار ومن الضروري تشكيل مجموعات عمل متخصصة لتحديد أرضيات التعاون المشترك وإزالة العقبات التي تعترض ذلك”.

ويتوقع أن تتجاوب إيران مع المشروع الإماراتي لا سيما وأنها سوف تكون مستفيدة من تحصيل الضرائب على مرور الشاحنات التجارية من أراضيها كما أنه سيمنحها لعب دور محوري في طريق تجاري دولي جديد، حيث حافظت الدول الثلاث على التعاون التجاري والاقتصادي بشكل عام طوال السنوات الماضية التي شهدت خلافات حادة وتنافسا إقليميا سياسيا وعسكريا غير مسبوق في مشهد يظهر حجم الأولوية التي توليها الدول الثلاث لتغليب التعاون الاقتصادي على الخلافات السياسية.

من جانبها، تبدي تركيا انفتاحاً كبيراً على المشروع الإماراتي، حيث ترتكز الخطة الاقتصادية الجديدة التي أعلنها أردوغان على تعزيز الإنتاج والصادرات، وفي هذا السياق يسعى الاقتصاد التركي لانفتاح أكبر على دول الخليج العربي، إلى جانب الخطة الأوسع المتمثلة في تعزيز موقع تركيا في طرق التجارة الدولية وهو ما وعد به أردوغان بالقول إن تركيا سوف تلعب دوراً محورياً في طرق وخريطة الاقتصاد العالمي عقب جائحة كورونا، لافتاً إلى أن بلاده تعتبر بمثابة حلقة وصل بين الشرق والغرب وأنها لم تعان من مشاكل التوريد التي مرت بها معظم الدول في الأشهر الأخيرة.

ورغم أزمة كورونا بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والإمارات عام 2020 قرابة 8.5 مليار دولار، وبحسب بيانات وزارة الخارجية التركية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين قرابة 7.4 مليارات دولار أمريكي عام 2019، حيث بلغت قيمة الصادرات التركية إلى الإمارات 3.5 مليارات دولار، فيما وصلت قيمة واردات تركيا من الإمارات في العام نفسه إلى 4.33 مليارات دولار.

وفيما يتعلق بالاستثمارات المباشرة، حلت الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى بين الدول الخليجية كأكبر مستثمر في تركيا بقيمة بلغت نحو 4.3 مليارات دولار، حيث يتوقع أن يرتفع هذا الرقم بشكل كبير جداً مع تخصيص الإمارات 10 مليارات لاستثمارات جديدة في تركيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية