تونس- “القدس العربي”- من حسن سلمان:
لم يتوقف الجدل حول مشهد “الممثل العاري” الذي أداه الفنان السوري حسين مرعي على خشبة المسرح البلدي في تونس، حيث دعا عشرات النشطاء لإقالة القائمين على الشأن الثقافي في تونس واتهمهم بعض رجال الدين بالترويج للمثلية وثقافة العري وإشاعة “الفاحشة”، وهو ما دفع إدارة مهرجان قرطاج المسرحي لـ”التبرؤ” من العرض.
وخلال مشاركته في مسرحية “يا كبير”، قام مرعي بالتجرد من ملابسه بشكل كلي وهو ما أثار موجة استياء لدى بعض الجمهور، حيث لجأ بعضهم للمغادرة، فيما تناقل عشرات النشطاء مقاطع فيديو للمشهد، وهو ما أثار عاصفة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.
أيام قرطاج الجنسية
ودوّن الإعلامي راشد الخياري:ظ “يجب أن يسمونها أيام قرطاج الجنسية بدلا من المسرحية. ما حدث الليلة مهزلة. مسرحي يخرح عاريا على خشبة المسرح كيوم ولدته أمه ولم يحترم لا النساء ولا الأطفال الذين كانوا متواجدين ضمن الجمهور. خرج عاريا كي يقول للتونسيين تمردوا واخرجوا عرايا. هذا هو مفهوم الفن عندهم”.
فيما وصف بعض النشطاء المشهد بـ”الفضيحة الكبرى” في القطاع الثقافي، داعيا إلى إقالة جميع القائمين على الشأن الثقافي في البلاد، بدءا بمدير المسرح البلدي، مرورا بمدير مهرجان قرطاج المسرحي وانتهاء بوزير الثقافة.
تجسيد درامي للواقع السوري
وعلّق مخرج العمل المسرحي، رأفت الزاقوت على الجدل الذي أحدثه مشهد “الممثل العاري” في تونس، بقوله إن “جميع العروض التي قدمتها الفرقة للمسرحية كانت متضمنة هذا المشهد، وكانت البداية في ألمانيا”، مشيرا إلى أنه سعيد بحالة الجدل لأنها سببت هذا النوع من النقاش و”هذا شيء طبيعي بالمسرح”. كما فند تصريحات نُسبت له وتحدثت عن “استيائه” مما فعله الفنان حسين مرعي أثناء عرض العمل، مشيرا إلى أنها لا أساس لها من الصحة.
ونفى الزاقوت، أي تصريحات نقلت عنه استيائه مما فعله الممثل حسين مرعي أثناء عرض المسرحية، موضحا أنها اجتهادات صحافية، لا أساس لها من الصحة.
فيما اعتبر الباحث سامي براهم أن ما فعله الفنان السوري هو “شكل من الكشف المدوّي عن عبثيّة الواقع السّوري الذي أصبح فيه الجسد بكلّ حميميّته أكثر الموجودات قابليّة للتبديد والتدمير والانتهاك، هي ملحمة الأجساد العارية المعذّبة أو المغتصبة أو المقطّعة أو المسلوخة الملقاة على قارعة الطّريق. هو تعرٍّ تراجيديّ لا أثر فيه للإيروتيكا والشّبق والإثارة، بل لا أثر فيه للاستفزاز الأيديولوجي الكاسر للتابوهات، هو فقط تعبيرة مرعبة عن تداخل المرجعيّات وفقدان البوصلة وتشوّش المعايير والقيم في بلد ينتقل فجأة من الصّورة التسويقيّة المضيئة لباب الحارة المشحونة بالرّموز والمعاني إلى بلد مدمّر واقع تحت استعمار عسكريّ مباشر بعد أن كان هدفا لاحتلال جماعات الإرهاب القادمة من الآفاق”.
رجال الدين: العرض استفزاز لمشاعر التونسيين
رجال الدين في تونس، أدلوا بدلوهم أيضا في موضوع “الممثل العاري”، حيث دون الداعية بشير بن حسن “3 مليارات (3 مليون دينار) في سبيل تكريس ثقافة العُري! مبروك عليكم”، في إشارة إلى ميزانية مهرجان قرطاج السينمائي.
وأضاف الداعية رضا الجوّادي: “ظهور ممثّـل عاريا تماما على خشبة المسرح حلقة جديدة من مسلسل الحرب على الإسلام واستفزاز الشعب المسلم في دينه وأخلاقه. وهو أيضا تتويج لثقافة العُري والدّعارة وإتلاف أموال الشعب التي اشتهرت بها وزارة السّخافة المسمّاة ثقافة. من الواجب على كل شريف وخاصة الأئمة استنكار ما وقع وتحميل الدّولة مسؤولياتها في رعاية الدين كما نصّ على ذلك الدستور في فصله السادس. ولا نرضى بأقل من إقالة وزير الثقافة ومدير مهرجان أيام قرطاج المسرحية. قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخرَةِ”.
ودون الشيخ مختار الجبالي: “نقول لهؤلاء الفنانين الضالّين المضلّين، الذين ينشرون الفساد والانحلال الأخلاقي في التونسيين: توبوا إلى الله تعالى، وانتهوا عن هذا الفعل المُحرّم مِن قَبْل أن يُصيبكم عذابُ الله تعالى؛ فإنكم بنشركم لهذه العروض الساقطة داخلون في الوعيد الذي توعَّد الله تعالى به مَن يرغب في إفساد المسلمين، وفي تزيين الحرام لهم، وفي إشاعة الفاحشة فيهم. كما أن هؤلاء الذين ينشرون هذه الأفلام والمسرحيات الخليعة الإباحية، والصور المحرمة المثيرة للشهوة، تتضاعف سيئاتهم لأنهم يحملون أوزارهم وأوزار الذين يشاهدون هذه العروض ويصوّرونها؛ لأن الدَّال على الشرِّ كفاعله”.
السياسيون: الفاسدون أولى بالتعرية!
السياسيون التونسيون استغلوا الموضوع للحديث عن ضرورة “تعرية” الفاسدين في البلاد، حيث دوّن طارق الكحلاوي، الباحث والقيادي السابق في حزب حراك تونس الإرادة: “الأيام القادمة معركة ضارية بين طرفي الصراع الهووي العبثي: لديه الحق بالتعرية/ ليس لديه الحق بالتعرية. لكنهما عريا كليهما علينا ضريبيا وتطبيعا مع الفساد”.
وكتب النائب المعارض ياسين العيّاري: “ثمة من يعرّي نفسه في المسرح، على أساس أنه يمثّل، لكن الآخرين في قانون المالية (النواب المصوّتين لصالح القانون)، هؤلاء عروا أنفسهم في الواقع، وليس تمثيلا!”.
إدارة مهرجان قرطاج تتبرّأ
ومع تزايد الضغوط على القائمين على الشأن الثقافي، قال مدير المسرح البلدي زهير الرايس إنّ ادارة المهرجان لا تتحمل ما بدر عن الفنان حسين مرعي خلال عرض مسرحية ”يا كبير”، مشيرا إلى أن الممثل لجأ إلى “ارتجال” المشهد الذي لم يكن موجودا في النسخة الأصلية.
وأضاف: “الممثل فاجأ الممثلين وفاجأ مخرج العرض وما قدمه على المسرح لم يكن موجودا من قبل في العمل المسرحي حينما عرض على هيئة المهرجان وحينما عُرض من قبل في ألمانيا”، كما اتهم نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي بـ”تضخيم” الأمر.
فيما أصدرت إدارة مهرجان قرطاج المسرحي “توضيحا”، أكدت فيه “إدانتها ورفضها للممارسة الفردية التي قام بها الممثل المسرحي في العرض السوري الألماني “ياكبير” بفضاء المسرح البلدي مساء يوم الاثنين 10 ديسمبر 2018″.
وأكدت أن “ما قام به الممثل المذكور لا يتضمّنه شريط الفيديو الذي اعتمدته لجنة اختيار العروض لبرمجته في إطار برنامج عروض المهرجان وهو ما يعدّ ممارسة فردية معزولة لا مسؤولة قام بها الممثل مخلاّ بالعقد الأخلاقي الاحترافي المهني الذي يستوجب الالتزام الحرفي بتفاصيل العرض المقدّم كما وصل إلى إدارة المهرجان. وتؤكد الهيئة المديرة على أهمية الحفاظ على مبدأ و ضمان حرية الإبداع والتعبير كما ينصّ عليها دستور الجمهورية ولكن وفق الأعراف والمعايير المتفق عليها والمعمول بها”.
“الممثل العاري” ظاهرة سورية
وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها فنان سوري لأسلوب “التعرية” لإيصال خطاب سياسي، حيث سبق أن قامت الفنانة التشكيلية هالة الفيصل عام 2005 بالتجرد كليا من ملابسها في ساحة سكوير بارك في نيويورك، أمام المصورين والسياح، وكتبت على جسدها عبارات تدعو الى وقف الحرب في العراق قبل أن تعتقلها الشرطة لبعض الوقت.
وقالت حينها إن ما قامت به هو “امتداد لأهمية الجسد في أعمالي، وليس العكس”، وأضافت: “جسدي غالٍ ونبيل، وقد استخدمته من اجل قضية نبيلة، فالحرب والقتل في فلسطين والعراق كانا فوق الاحتمال”، مشيرة إلى أنها لم تتعرض إلى أي نوع من التهديد فـ”الكثيرون في سوريا اعتبروا خطوتي مشرّفة”.
No comment