الخرطوم ـ «القدس العربي»: أكدت مصادر دبلوماسية في الخرطوم، أن تونس، الدولة العربية الوحيدة بين أعضاء الدورة الحالية لمجلس الأمن، ستقدم مشروع قرار حول سد النهضة، في وقت رفضت فيه إثيوبيا ذلك، معتبرة إياه “تصرفا غير لائق ويمكن أن يقوض المحادثات بين الدول الثلاث”، فيما واصلت مبعوثة الاتحاد الأوروبي لقاءاتها في الخرطوم، قادمة من أديس أبابا، من أجل الدفع بحلول لأزمة السد.
وقالت مصادر دبلوماسية مطلعة لـ”القدس العربي”، دون كشف هويتها” نعم صحيح هناك مشروع قرار تسعى تونس لإعادة تقديمه في مجلس الأمن بعد قيام إثيوبيا بالملء الأحادي الثاني، وفيما كان مشروع القرار الأول مبنيا على دعوة إثيوبيا لعدم القيام بالملء الثاني، فإن جوهر القرار الجديد مبني على الدعوة لانعقاد جولة جديدة للمفاوضات وفق الإطار الزمني والموضوعي المحدد في مشروع القرار”، دون إعطاء أي تفاصيل حول مضامين مشروع القرار التونسي.
وكانت تونس، العضو الحالي في مجلس الأمن، قدمت مشروع قرار يدعو إثيوبيا إلى التوقف عن الملء الثاني لخزان سد النهضة.
ونص مشروع القرار هذا على أن يطلب مجلس الأمن من “مصر وإثيوبيا والسودان استئناف مفاوضاتها بناء على طلب كل من رئيس الاتحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتحدة، لكي يتوصلوا، في غضون ستة أشهر، إلى نص اتفاقية ملزمة لملء السدّ وإدارته”.
ووفقاً لمشروع القرار، فإن هذه الاتفاقية الملزمة يجب أن “تضمن قدرة إثيوبيا على إنتاج الطاقة الكهرمائية من سد النهضة، وفي الوقت نفسه تحول دون إلحاق أضرار كبيرة بالأمن المائي لدولتي المصب”.
في الموازاة، دعا نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي، دمقي مكونن، سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي المقيمين في أديس أبابا لرفض مقترح تونس المزمع بشأن سد النهضة.
«لا مبرر للخطوة»
وقال خلال اجتماع مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي مساء الخميس، إنه “لا يوجد مبرر لرفع قضية سد النهضة من قبل تونس لمجلس الأمن الدولي”.
وأكد التزام إثيوبيا باستئناف المفاوضات الثلاثية برعاية الاتحاد الأفريقي، داعيا السفراء إلى نقل رسالة إثيوبيا بالاعتراض على مشروع القرار التونسي بشأن سد النهضة.
كذلك، أطلع وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سلشي بقلي، خلال الاجتماع، السفراء على مشروع القرار الذي قدمته تونس لمجلس الأمن الدولي في تموز/ يوليو الماضي، وموقف إثيوبيا من هذه القضية. وقال إن “سد النهضة الإثيوبي هو مشروع تنموي ولا ينبغي أن يطرح على مجلس الأمن الدولي”. وأضاف هذه القضية “لم يتم التعامل معها من قبل في مجلس الأمن وأحيلت إلى الاتحاد الأفريقي، بالتالي لا يوجد مبرر لرفع هذه القضية مرة أخرى”.
وأشار إلى أن بلاده “ملتزمة بالتوصل إلى حل من خلال مواصلة المحادثات الثلاثية التي يرعاها الاتحاد الأفريقي”، لافتا إلى أنه “ليس من المناسب إعادة القضية إلى مجلس الأمن الدولي عبر تونس”.
واعتبر أن “مشروع القرار الذي تعتزم تونس رفعه مرة أخرى غير مقبول لأنه ينتهك حق إثيوبيا في استخدام مواردها الطبيعية ويأخذ في الاعتبار المصالح غير العادلة لدول المصب”.
ودعا وزير المياه الإثيوبي، المجتمع الدولي إلى الضغط على السودان ومصر لاستئناف المفاوضات الثلاثية برعاية الاتحاد الأفريقي، بدلاً من تسييس القضية.
ولفت إلى أن “الكونغو الديمقراطية تستعد لمواصلة استئناف المفاوضات الثلاثية والتوصل إلى اتفاق يعود بالنفع على جميع الأطراف”.
في السياق، كتب خبير المياه عباس شراقي على صفحته في «فيسبوك»، تعليقا على التصريحات الإثيوبية: “بيان وزارة الخارجية الإثيوبية الأخير هو محاولة لشَغل الشعب الإثيوبي والرأي العام نحو الخارج مرة أخرى، من أجل تهدئة الحرب الأهلية في الداخل، على اعتبار أن هناك خطرا خارجيا متمثلا في قضية سد النهضة وتصوير أن مصر لا تريد التنمية للشعب الإثيوبي”.
وتابع: “إثيوبيا تطالب كلا من مصر والسودان بالتوقيع على اتفاقية عنتيبي واعتمادها في البرلمان وكأنها أحد أسباب الخلاف الرئيسية في سد النهضة، كما تحاول إثيوبيا منذ فترة استدراج دول المنابع للدخول في القضية حتى يطول أمد المفاوضات وتتسع الدائرة ولا نصل إلى شيء حتى تنتهي من بناء سد النهضة”.
وأكد على أن إثيوبيا “ذكرت مرارا الاستخدام المنصف، وطلبت حصة مائية، وذكرت بأنها ليست بمفردها، وتطلب استدعاء باقي دول المصب للمطالبة بنصيبهم”، مضيفا أن “فشل التخزين الثاني، والحرب الأهلية والاتجاه نحو التفكك الاثيوبي، وزيادة الفيضان بنسبة 30% حتى الآن زاد من ضبط النفس المصري، في رد الفعل على التخزين الثاني دون اتفاق”.
وأوضح: “إذا أرادت إثيوبيا فعلًا استئناف المفاوضات، عليها أن تعلن قبولها المفاوضات في وجود أطراف دولية كوسطاء أو مراقبين فاعلين للوصول إلى اتفاق شامل قبل مارس /آذار المقبل، أي قبل عمل أي إنشاءات هندسية أخرى تؤدي إلى تخزين ثالث يكون اضطراريا فيما بعد.”
وفي الاثناء واصلت مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي، أنيت ويبر، جولتها في المنطقة لدفع الأطراف للعودة إلى التفاوض، حيث التقت مساء الخميس، رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك بعد عودتها من أديس أبابا. وحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية، ناقش اللقاء قضية سد النهضة والحدود بين السودان وإثيوبيا.
وتلقى رئيس مجلس الوزراء خلال اللقاء “تنويراً من مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي، حول زيارتها إلى إثيوبيا، ولقاءاتها برئيسة جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية سهلي ورق زودي، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، والتي ناقشت تطورات الأوضاع الداخلية في إثيوبيا”.
و أكدت وزيرة خارجية السودان، مريم الصادق المهدي، خلال لقائها مبعوثة الاتحاد الأوروبي “تمسك بلادها بضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول سد النهضة بين الأطراف الثلاثة (السودان ومصر وإثيوبيا). وعبرت عن “متانة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، واستعرضت الأوضاع في المنطقة وعلاقات السودان مع دول الجوار وجهود السودان في دعم السلام والاستقرار في المنطقة”.
وأعربت وزيرة خارجية السودان عن “قلق الحكومة بشأن الأوضاع في أثيوبيا، وجهود الحكومة السودانية لحل النزاع هناك عبر مبادرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك”.
وشددت على “أهمية دعم جهود السلام والاستقرار في كل من ليبيا وجنوب السودان وتشاد بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين”.
وتحدثت المهدي عن “طلب السودان استبدال قوات البعثة الأممية في آبيي (بين السودان وجنوب السودان)، والتي تتكون من عناصر إثيوبية، بقوات من جنسيات متعددة”.
«الدور المهم»
وأشارت إلى “الدور المهم الذي يلعبه السودان في المنطقة واختياره كمقر إقليمي لمكافحة الهجرة غير الشرعية، داعية الاتحاد الأفريقي إلى لعب دوره في دعم جهود السلام في المنطقة”.
مبعوثة الاتحاد الأوروبي أكدت “دعمها لحل قضايا المنطقة والمساعدة في حل النزاع بين السودان وأثيوبيا عبر الحوار”، موضحة “أهمية الاستقرار في المنطقة ككل وضرورة اضطلاع السودان بدوره المهم في المنطقة لدعم السلام والاستقرار”.
وفي مصر، أكد السفير الروسي لدى القاهرة، جيورجى بوريسينكو، أنه تم رصد الكثير من المعلومات في الصحافة المصرية ومواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بأن روسيا انحازت إلى الموقف الإثيوبي في مناقشة ملف سد النهضة في مجلس الأمن التي عقدت في تموز/ يوليو الماضي.
وأضاف في حواره لبرنامج “رأي عام”، المُذاع على فضائية “تي أي أن”، أن “التعليقات التي تم رصدها على مواقع التواصل الاجتماعي كانت تستند في مجملها على تفسير خاطئ للخطاب الروسي في مجلس الأمن”، موضحا أن “روسيا لها موقف لا يتميز عن الأغلبية العظمى من كافة أعضاء مجلس الأمن”.
وتابع: “للأسف من الصعب جدا لمجلس الأمن مناقشة الموضوعات الخاصة بالماء واتخاذ قرارات في هذا الأمر، ولكن روسيا تتفهم جيدا أن حجم الموارد المائية التي تحصل عليها مصر من نهر النيل هو مسألة حياة أو موت لـ 102 مليون مصري”.
«لسنا متحيّزين»
وأوضح :”لسنا متحيزين لإثيوبيا وموقفنا من ملف سد النهضة متوازن”. وبيّن أن “كلمة المندوب الروسي في مجلس الأمن لا تعكس موقفا محددا ضد مصر”، مشيرًا إلى أن “من الصعب التعليق على تصريحات المسؤولين الإثيوبيين، ولكن روسيا تنطلق من أن مصر بالنسبة لنا هي أكثر شريك مهم في هذه المنطقة، حيث أن عام 2019 شهد توقيع اتفاقية للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، ودخلت حيز التنفيذ في 10 كانون الثاني (يناير) 2020”.
وأضاف أنه “وفقا لاتفاقية التعاون بين مصر وروسيا فإنهما دولتان شريكتان”، موضحا أن “الساحة الدولية تنطلق من مواقف مشتركة بين الدولتين”.
وتابع أن روسيا ومصر تسعيان لتطوير علاقتهما مع كافة دول العالم بما فيها إثيوبيا، قائلا: “نسعى لتطوير التعاون الاقتصادي والعسكري. في الفترة الأخيرة استمعنا لتعليقات خاصة باتفاق التعاون العسكري بين روسيا وإثيوبيا، ولكن العلاقات بين روسيا ومصر أكبر من العلاقات مع إثيوبيا خاصة في المجال العسكري”.
وزاد أن روسيا “تنطلق من أن ملف سد النهضة يجب حله على طاولة المفاوضات، وإيجاد حلول مقبولة من الطرفين، وأن مصر تسعى لوجود اتفاق إلزامي، ولذلك، فنحن ننطلق من أن هذا القرار الذي يمكن أن يكون مقبولا لكل الأطراف بما فيها مصر، هو ما يجب أن يكون أساسا للاتفاق بين الدولتين لأننا نتفهم جيدا أهمية الحيوية لمياه النيل وهذا النهر للمصريين”.
وبيّن أن “ما قيل عن الإعلانات والتصريحات فيما يتعلق بالاتفاق بين روسيا وإثيوبيا، فهي تصريحات بمثابة الصدفة البحتة، وأن روسيا تقوم بنشاط دولي كبير في الساحة الدولية، حيث التحدث مع الشركاء الدوليين بشكل مستمر”، قائلًا: “يمكن أن تكون هناك بعض الصدف”. وتابع أن “اتفاقية التعاون العسكري بين روسيا وإثيوبيا تحمل طابعا إطاريا أكثر، وهذه واحدة من الاتفاقات الروتينية التي وقعتها روسيا وستوقعها مع كثير من دول العالم”.
وقال إن روسيا “تدرك أهمية نهر النيل كمصدر وحيد للحياة في مصر البالغ عدد سكانها 102 مليون نسمة”، مشيرا إلى أن “الاقتصاد المصري هو اقتصاد متطور وديناميكي، ولذلك فإن المياه لها أهمية كبيرة للتطور والزراعة والاحتياجات الشخصية للمواطنين”.
ومنذ عام 2011 تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة المعد ليكون أكبر مصدر لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا بقدرة تصل إلى 6500 ميغاوات.
وفي مارس/ آذار 2015، وقّع قادة مصر والسودان ورئيس وزراء إثيوبيا في الخرطوم اتفاق إعلان مبادئ بهدف تجاوز الخلافات.
وترى إثيوبيا أن السد ضروري لتحقيق التنمية الاقتصادية، في حين تعتبره مصر تهديداً حيوياً لها، إذ يؤمن لها النيل نحو 97% من مياه الري والشرب، وتصر إثيوبيا على أن قضية السد لا تهدد السلم والأمن الدوليين وبالتالي لا تتطلب انعقاد مجلس الأمن.