لماذا يقبل الناشرون العرب على طبع ترجمات للأعمال الأدبية الأجنبية الحاصلة على جوائز إلى اللغة العربية؟ ولماذا يهتم الإعلام والقارئ العربيان بأخبار الجوائز الأجنبية، في الوقت الذي نجد العكس تماما لدى الناشرين والقراء والإعلام في الغرب، بخصوص ما يتصل بالجوائز الأدبية العربية؟ لا نطرح مثل هذه الأسئلة لأننا ننشغل بأخبار الجوائز الأجنبية، لما لها من صدى يتعدى حدودها الجغرافية إلى العالم بأسره. وفي الوقت نفسه لا نهتم بالجوائز العربية إلا بسبب ما تثيره من فضول، من جهة، ومن استحسان أو استنكار من جهة أخرى.
يبرز الفضول في القيمة الرمزية والمادية للجائزة. أما الاستحسان أو الاستنكار فوليدان تباين المواقف من نتائجها. وهذا التباين حين يظل سائدا في مواقفنا من الجوائز فإنه لا يدل سوى على غياب ما يمكن تسميته بالمصداقية الأدبية. وليست المصداقية سوى تعبير عن غياب تصور عام للقيم الفنية والجمالية، التي يمكن الاحتكام إليها في التقييم والحكم على الأعمال الأدبية، سواء من لدن النقاد أو القراء. أشدد على تصور عام، لأن الاختلاف وارد دائما في تلقي الأعمال الأدبية والحكم عليها. لكن مع ذلك، يمكننا القول إنه في كل زمان ثمة مشترك عام يضيق المسافة بين الأذواق، ويجعل إمكانية التمييز متقاربة حتى بين المختلفين. يعود السبب في ذلك إلى كون الدراسات الأدبية، والإبداع يسيران جنبا إلى جنب، وهما يسعيان معا إلى تجسيد قيم فنية وجمالية، تتماشى مع التطور بناء على تصورات عامة ساهم الكل في تشكيلها.
لا يمكن أن يتشكل هذا التصور العام إلا في البلدان التي يتطور فيها الإبداع، وتتطور معه الدراسات الأدبية، ويكون كل منهما مساهما في تطوير الآخر، وتشكيل ذائقة جمالية مشتركة. أما في وسطنا العربي، وبسبب غياب تلك المصداقية الأدبية، نجد التباين يصل أقصى مداه في تلقي الإنتاج الأدبي والحكم عليه. فالدراسات الأدبية متخلفة عن الإبداع، والإبداع لا علاقة له بالنقد، بل إن المبدعين لا يتعاملون إلا مع النقد الذي ينوه بأعمالهم، ولا يطلعون على الدراسات العربية الجادة أو الأجنبية التي يمكن أن تسهم في بلورة وعي جديد بالصناعة الأدبية.
كيف يمكن أن تتشكل الذائقة الأدبية المشتركة في غياب المصداقية الأدبية؟ وأنى لهذه المصداقية الأدبية أن تتكون في غياب العلاقة الوطيدة بين الإبداع والدراسة؟
ولا يبقى إلا للإعلام دوره في التأثير والتوجيه بدون الانطلاق من اعتبارات أدبية وفنية خالصة، ولكن من مواقف خارجية لا علاقة لها بالفن أو الجمال. يعني غياب المصداقية الأدبية عدم مساهمة الإبداع العربي في ما صار يسمى بالأدب العالمي. فلا يتولد الاهتمام بهذا الأدب عالميا، ولذلك لا تثير الجوائز العربية الاهتمام الملائم، سواء لدى الإعلام أو الناشر الأجنبي، ولا نكاد نجد ضمن قوائم المنشورات الأجنبية ما يشير إلى ترجمات خاصة بالأدب العربي، كما نجد عندنا، بل إن الكتب التي تترجم من العربية، والتي تشرف عليها بعض الجوائز العربية، أو بعض المؤسسات التي تسهم، بشكل إيجابي، بصورة خاصة في ترجمة بعضها إلى بعض اللغات الأجنبية، لا تلقى ما تستحق من العناية، سواء من لدن الإعلام أو البحث الأدبي أو القارئ.
كيف يمكن أن تتشكل الذائقة الأدبية المشتركة في غياب المصداقية الأدبية؟ وأنى لهذه المصداقية الأدبية أن تتكون في غياب العلاقة الوطيدة بين الإبداع والدراسة؟ عندما نعود إلى تاريخ الأدب العربي نجد أن أزهى العصور الأدبية تتجسد من خلال تحقق هذه العلاقة. ويكفي أن أضرب المثال من المتنبي وابن جني. فثقافة المتنبي الواسعة بأسرار الصناعة الشعرية، إلى جانب معرفته بما كان يروج في زمانه من أفكار وفلسفات، كانت توازيها نباهة ابن جني وعلمه بأسرار اللغة العربية. وكان للذائقة الأدبية المشتركة دورها في احتلال المتنبي مكانته الخاصة في التراث الشعري العربي، لكن هذا لم يمنع المختلفين من إشهار معارضتهم، لكنهم لم يسهموا في خلق مصداقية أدبية أخرى. إن معارضي تجربة المتنبي كانت تحكمهم رؤى لا علاقة لها بالإبداع الأدبي، ولذلك لم يكونوا مؤثرين في الذائقة الأدبية العامة، كما أنهم لم يمسوا المصداقية الأدبية التي كانت ترتهن إلى ذائقة ذات جذور تاريخية.
منذ أن فرضت الرواية العربية نفسها شدت الاهتمام إليها، وبدأ التنافس قويا على خلق جوائز خاصة بها، ظاهرة لا يمكن سوى تثمينها، فبدون التشجيع والمكافأة لا يمكن أن تتطور الإبداعات، ولا أن تحتل موقعها في الحياة، لكننا عندما نعلم جيدا أن مصير الجائزة يتحدد من خلال اللجنة، لا يمكننا سوى التساؤل عن معايير اختيار اللجان؟ وهل هناك فعلا معايير في الاختيار؟ وهل تستند اللجان أثناء عملها على معايير محددة، وهل تلتزم بها بصرامة تحد من تدخل عوامل لا علاقة لها بالإبداع؟ وحين يتعلق الأمر بترشح الرواية الواحدة، هل تتم إجازة الرواية المترشحة للكاتب؟ أم تمنح لصاحبها بسبب تميزه في روايات سابقة؟ كتب إليّ مرة أحد الكتاب متسائلا هل تقرأ اللجان كل الأعمال المتوصل بها؟
تفرض هذه الأسئلة وغيرها نفسها، إنها تتصل مجتمعة بالمصداقية الأدبية التي بدونها لا حديث عن عالمية أدبنا العربي.
٭ كاتب مغربي
لا أظن غياب الصدقية الأدبية هو السبب الرئيس في عدم المبالاة بجوائز أمة الأشاوس والنشامى. السبب وأنت تعرفه هو هيمنة السطات الحاكمة على المنح والمنع، مثلا الحظيرة الثقافية المصرية التي تتكون من الموالين للنظام العسكري الفاشي الممتد من 1952 حتى اليوم وإلى ما شاء الله، تحدد من الذي ستمنح له الجائزة هذا العام والأعوام التي تليه، ومن الذي يحرم إلى الأبد. لا أقصد بالطبع الجوائز الصغرى التي ينالها مجهولون لا تعرف حقيقة انتمائهم للنظام، ومثل الحظيرة جوائز الأعراب على تنوعها وكثرتها وضخامة قيمتها لا يمكن أن تمنح لأديب يرفض الاستبداد والوحشية المنشارية أو الولاء للإسلام بالمعنى الحيوي، حتى لو كانت الجائزة في الدراسات الإسلامية.. ثم إن الحظائر الثقافية من المحيط إلى الخليج اصطلحت على استدعاء تيار واحد ليتبادل أفراده الجوائز، وهو التيار الذي يجعل ولاءه للسلاطين وإن بدا أحيانا يردد مصطلحات الاستنارة والتقدمية والنضال وأشباهها. وفي هذا السياق تلعب التربيطات والاتفاقيات والعلاقات والاعتبارات غير المرئية دورا مهما في حسم الفوز بالجوائز. وفي كل الأحوال هناك كثيرون ممن لا يفوزون أو لا يتقدمون أعمالهم أعظم بكثير من الأعمال الفائزة، ولكنها السياسة لعنها الله..
أما الاستحسان أو الاستنكار فوليدان تباين المواقف من نتائجها (للتصحيح: فوليدا تباين) بحذف النون..
أقول: نحن نعلم يقينا أننا صرنا قوم شكليات ومظاهر وذلك في أشد اللحظات أكاديميةً وعلميةً كما نظن، ولهذا فلا يمكن أن نعيد الاعتبار اللائق بالذات العربية إلا بتحري الصدق والإخلاص في العمل، وهو ما ينقص المشرفين على هذه الجوائز، كما ينقص تبعا لذلك المبدعين العرب، إلى جانب ما ذكرت، أشير إلى النظرة الدونية التي نرى بها أنفسنا، ونحكم بها على إنتاجاتنا نقدا وإبداعا تجاه الآخر الغربي المتحكم في مسارات حياتنا، والمتدخل في شتى مظاهرها المادية والمعنوية أيضا، والذي يقع في مكان أعلى “الفوقية الغربية”.
وأتساءل عن الفحول من المبدعين الآن، كما أتساءل عن الفحول من النقاد، أين اختفوا؟
أحبائي
قلت مرارا وتكرارا أن اننا نعاني من عدم وجود المصداقية
قلت ذلك في الندوات الخاصة والعامة ووسائل الإعلام التليفزيونية
وقلت اننا نعاني ليس من انحرافات فردية ولكن من عصابات ثقافية
وقلت ان النقد في مجتمعاتنا يتم بالهوى والتوجيه وليس بالموضوعية
ولقد كنت رئيسا للجان تحكيم لعشرات السنين لمسابقات المنظمات المدنية
وكانت لجان التحكيم تضم كتابا كبارا كمصطفى القاضي وسمير المدني وأحمد المرسي وغيرهم من النخبة الثقافية
وهذه اللجان لا تتقاضى أي أجر مقابل عملها وأنا كذلك بالطبع و نسعى فقط لإنصاف من يستحق من الناحية الإبداعية
رعاة الجوائز يوفرون لها التمويل الجيد والمناخ الجيد لكن أقولها صراحة العيب في النخبة الثقافية التي لاتعمل بشفافية
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه…واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات….رئيس مركز ثقافة الألفية الثالثة
صدقت استاذنا الكاتب الكبير الرمز جمال بركات…تحياتي لك وللكاتب الكبير مصطفي القاضي ..ورحمة الله على الروائي الكبير سمير المدني والشاعر الكبير احمد المرسي…وفقك الله في دعوتك للحب والخير والتسامح
احسنت واوضحت وبينت ودللت كعادتك أستاذنا الأديب الكبير جمال بركات….كامل احترامي …لينا