الخرطوم ـ «القدس العربي»: أكد مصدر عسكري سوداني، لـ«القدس العربي» أمس الأحد، عدم إجازة مشروع قانون يبيح لروسيا إنشاء قاعدة بحرية لوجستية على البحر الأحمر، موكداً في الوقت عينه وجود تفاهمات مع روسيا قادت لوصول طلائع قوتها إلى القاعدة البحرية في بور سودان.
وقال، دون كشف هويته «القاعدة البحرية الروسية، جرى الاتفاق حولها من قبل الرئيس السابق عمر البشير عندما زار موسكو، وطلب من الرئيس فلاديمير بوتين حماية السودان من التحرشات الغربية والأمريكية التي كان يشكي منها البشير وقطعت هذه الاتفاقيات شوطا وقتها».
مصلحة السودانيين
وتابع «لكن في المرحلة الحالية لم تتم إجازة قانون القاعدة من الجهات السيادية والتشريعية، لكن هذا لا يمنع التفاهمات حولها، والوجود الماثل الآن لا يُذكر مقارنة بما موجود في الخطط الروسية المتفق عليها مع النظام السابق، أي أنه وجود محدود. والطريق مفتوح أمام السودان، إما بالمضي في تقنين هذه البروتوكولات أو الاكتفاء بهذا القدر، مع العلم أن كل تحركات السودان وتحالفاته الخارجية بوصلته الوحيدة هي المصلحة العامة للسودانيين التي تقود أو توقف أي تحرك سوداني».
وحول تأثير الوجود الروسي في الشواطئ السودانية على علاقات السودان وانفتاحه على الولايات المتحدة والغرب، قال: «نحن رحبنا بالوجود والشراكة مع الولايات المتحدة وجيشها في السودان، وتبادلنا الزيارات والاجتماعات والرؤى، لكن الأمريكان حركتهم بطيئة، ويكثرون من المطلوبات التي يريدونها لتنزيل الشراكة على أرض الواقع، ونحن دولة تعاني من هشاشة وتحديات أمنية بالغة تحيط بهذا الانتقال الماثل إن كان داخليا أو في شبح عدم الاستقرار الذي يحيط بدول الإقليم المجاور لبلدنا، السودان، ونحن نسعى لتامين احتياجاتنا الأمنية والعسكرية لهذا الغرض والآن إن تقدموا نحونا خطوة وتجاوزوا مطالبهم الكثيرة سيجدونا أكثر انفتاحا وميلا نحوهم».
الشركة مع واشنطن
وأضاف «مع ذلك كله، نحن مستمرون في الشراكة مع الولايات المتحدة في تبادل المعلومات وتفادي المخاطر التي تحيط بإقليمنا من الصومال إلى اثيوبيا المضطربة مرورا بأفريقيا الوسطى والآن تشاد والنيجر وصولا لمالي في المحيط الأطلسي، ونعمل باجتهاد لتطوير هذه الشراكة لتصبح تحالف استراتيجي مستدام».
وزاد: نحاول في سودان ما بعد الثورة أن تكون علاقتنا طيبة مع الجميع وديدننا التحرك بين الأقطاب العالميين والإقليميين من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب التي تحقق المصلحة العليا للسودانيين دون أن يتأثر حليف قديم أو شريك حالي، ومن يتقدم نحونا خطوة من دون تعقيدات نتقدم نحوه ثلاث خطوات تحت شعار المصلحة المتبادلة «.
واعتبر عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الأسبوع الماضي أن العلاقة مع الولايات المتحدة، تسير «ببطء». وقال في حوار مع إحدى الفضائيات العربية في ذكرى مرور عامين على سقوط البشير :إن «العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية تمضي بصورة بطيئة لا سيما في الجانب الاقتصادي».
وأضاف: «ليس كما كنا نتوقع خاصة بعد الإيفاء بالمطلوبات من جانبنا».
وأكد أن «الجوانب الأمنية الخاصة لمكافحة الإرهاب فيها تعاون جيد، وإنهم ينظرون لأمريكا كشريك استراتيجي حقيقي». وبين أن «الإدارة الأمريكية الجديدة لم تحدث تغييراً في السياسة الموضوعة من قبل الإدارة السابقة»
سفينة استطلاع
وفي الأثناء، قالت مصادر عسكرية سودانية لموقع «الجزيرة نت» أمس الأحد، إن سفينة استطلاع روسية ستصل إلى ميناء بورتسودان شمالي السودان في الأيام المقبلة.
وافادت أن» نحو 70 من أفراد البحرية الروسية، من بينهم 10 ضباط، يقيمون بصفة دائمة في القاعدة، كما جلبت تلك القوات تعزيزات شملت منصات إطلاق صواريخ، وناقلات جنود، ونصبت رادارا، ومنعت القوات السودانية من الاقتراب من مناطق تمركزها».
نفى إيجاز قانون يبيح لموسكو إنشاء قاعدة… وأكد التطلع للمحافظة على الشراكة مع أمريكا
وأضافت أن «سفينة استطلاع روسية ستصل إلى الميناء السوداني في الأيام المقبلة».
وكان مجلس الدفاع والأمن السوداني (أعلى هيئة أمنية في البلاد) نفى قبل أسبوع الأنباء المتداولة بشأن إنشاء قاعدة روسية في البلاد، وقال إنها معلومات غير دقيقة، غير أنه لم يقدم أي تفاصيل بهذا الشأن.
مصادر «الجزيرة نت» بينت أن الأسابيع الماضية شهدت حضورا روسيا عسكريا ملحوظا في قاعدة فلامينغو على البحر الأحمر شمالي مدينة بورتسودان.
ونقل موقع «روسيا اليوم» أمس عن الكاتب غيورغي زوتوف من مقاله في دورية «أرغومينتي إي فاكتي» عن مدى حاجة روسيا إلى قاعدة عسكرية على شاطئ البحر الأحمر.
ونقل عن السفير الروسي في السودان، فلاديمير غيلتوف، في مقابلة مع (أرغومينتي إي فاكتي) قوله أرجو أن تأخذوا في الاعتبار أن الحديث في الواقع يدور عن وجود أكثر تواضعا – نقطة دعم مادي وتقني- هذه ليست قاعدة بالمعنى المباشر. روسيا دولة عظمى لها أسطولها البحري الخاص بها، الذي يقوم بمهام في أجزاء مختلفة من محيطات العالم. تتطلب أي سفينة تقع بعيدا عن شواطئها الأصلية لفترة طويلة توفير الوقود والماء والغذاء. ولهذا الغرض يتم إنشاء نقاط دعم مادي وتقني».
وزاد: «مسألة التسديد مقابل نقطة الدعم المادي والتقني في بورتسودان غير مطروحة. لن يدفع الجانب الروسي المال مقابلها. فالاتفاق المتبادل يتضمن أن نقدم المساعدة العسكرية التقنية للسودان. في الوقت نفسه، لا يسعني إلا أن أقول، وهذا ليس سراً على الإطلاق: توجه الجيش السوداني منذ عقود عديدة، منذ ستينيات القرن الماضي نحو الأسلحة السوفيتية والروسية. هنا تحلق طائراتنا ومروحياتنا، وتسير دباباتنا وعرباتنا المدرعة. ينظر العسكريون السودانيون إلى روسيا كشريك اختبره الزمن. لقد اعتادوا هنا على حقيقة أن أسلحتنا موثوقة وفعالة. في الظروف القاسية هنا، هذه ليست مجرد كلمات».
و«يؤكد السودانيون أنفسهم باستمرار، أنهم ببساطة، في حاجة إلى وجود روسيا في البلاد. فقد عبّرت مديرة مجلس الإعلام الخارجي في الخرطوم، سمية الهادي، عن ترحيب السودان بمجيء روسيا» حسب كاتب المقال الروسي، من «منطلق الرغبة في التعاون مع جميع الأطراف التي يمكن أن تفيد السودان. أنهم هناك يتوقعون فوائد كبيرة من روسيا، بما في ذلك سلامة ساحل البحر الأحمر».
لكن على الجانب الآخر كتب الخبير العسكري المقدم بحري ركن المتقاعد، عمر أرباب، مقالا بعنوان (الاحتلال الروسي) أوضح فيه أن «الأصل في البروتوكولات الدولية التي تتضمن استضافة قوات أجنبية أو قواعد عسكرية أن تمر بسلسلة من الإجراءات، فبعد أن تقوم الجهة المختصة ممثلة في وزارة الدفاع أو من تخوله بوضع صيغة الاتفاق، يجب أن تتم مناقشته في مجلس الوزراء ثم يحول للبرلمان لإجازته ثم يعتمد من قبل مؤسسة الرئاسة ويعود مرة أخرى لمجلس الوزراء للتنفيذ عبر وزارة الدفاع والتي من جانبها تقوم بتحويله إلى القائد العام أو رئاسة الأركان والذي بدوره يقوم بتوجيه منسوبيه للعمل بموجبه».
وتابع: «هل تم هذا فيما يتعلق بالقاعدة الروسية؟ للأسف لا، فمن المرحلة الأولى للبروتوكول تفاجأ الجميع بالقوات والعتاد الروسي أمام بوابة قاعدة فلمنغو، دون علم قائد القاعدة ودون وجود أي مستند رسمي».
وواصل: «لا شك، أن الحكومة بشقيها تتجاوز كثير من صلاحياتها كحكومة انتقالية، إلا أن مسألة القاعدة الروسية أكبر من كل هذه التجاوزات، إذ أن فترتها (25 عاماً) قابلة للتجديد. كما أن بنود هذا البروتوكول ما زالت طي الكتمان من قبل القيادة ولا يمكن التذرع بحجة السرية، فالجانب الروسي قد أوضح لوكالاته كثيراً من بنود هذه الاتفاقية المجحفة ولم تتكرم القيادة حتى الآن بتوضيح الفوائد التي ستعود على السودان وشعبه إن كان ثمة فوائد ومنافع».
وكانت الخرطوم وموسكو وقعتا على مسودة اتفاق لإقامة مركز لوجستي للبحرية الروسية في السودان يمكن أن يضم سفنا نووية.
وفي آخر فبراير/ شباط الماضي أوردت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء، نقلا عن بيان من الأسطول الروسي، أن الفرقاطة «أدميرال غريغوروفيتش» وصلت إلى ميناء سوداني تعتزم روسيا إقامة قاعدة بحرية فيه، وأضاف البيان أن هذه أول سفينة حربية روسية تدخل ميناء بورتسودان.
وكان بوتين أقرّ في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بإنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان يمكنها استقبال السفن التي تعمل بالطاقة النووية. ووقتئذ نشرت موسكو، مسودة اتفاق مع الخرطوم تسمح لها بتأسيس مركز لوجستي للبحرية الروسية في السودان يستوعب ما يبلغ 300 جندي وموظف، ويمكن أن يستوعب سفنا مزودة بتجهيزات نووية.