الخرطوم «القدس العربي»: يشهد السودان جدلاً، حول دور الجيش، بعد الغضب الذي خلفه مقتل شابين، قبل فترة، ومخاطر الصدام بين القوات المسلحة والدعم السريع، فيما اتهم مصدر عسكري، قوى سياسية، بالعمل، على الاستهانة بالمؤسسة العسكرية وتعبئة الشارع ضدها».
جاء ذلك كله نتيجة تداعيات أحداث يوم 29 رمضان، أمام محيط القيادة العامة التي شهدت اتهام «أسر الشهداء» لنائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي» وشقيقه قائد قوات الدعم السريع عبدالرحيم دقلو، بفض اعتصام القيادة العامة قبل عامين. ووقعت حدوث عنف راح ضحيتها اثنان من الشباب السودانيين، وتبع ذلك حالة من الغضب الشعبي تجاه الجيش الذي قام تبعا لذلك بتسليم 7 من جنوده للتحقيق أمام النيابة والذي ترافق مع حالة استياء داخل الجيش، يقابله حالة من الشقاق الحاد بين الجيش والشعب جراء هذه الأحداث المتكررة.
إهمال الشائعات
أكد خلال لقاء مع قيادات القوات المسلحة السودانية من رتبة مقدم وما فوق، في مبنى القيادة العامة. التزام الجيش، بعدم التمسك بالسلطة عبر إجراء الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية واستعداده لتنفيذ اتفاقيات السلام وما يليه في بند الترتيبات الأمنية، داعيا لعدم الالتفات لـ«الشائعات التي تستهدف زعزعة القوات المسلحة وتماسكها».
وحسب بيان صادر عن الإعلام العسكري، عقب لقاء البرهان، قبل يومين، مع قادة الوحدات العسكرية في العاصمة الخرطوم، فقد أعلن البرهان عن «استعداد الجيش لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام، والعودة إلى الثكنات بعد الانتخابات المزمع إجراءها بنهاية فترة الانتقال».
وتابع أن «استعداد الجيش وجاهزيته لتنفيذ الترتيبات الأمنية حسب اتفاق السلام».
عرمان يحذر من الوقيعة بين «القوات المسلحة والدعم السريع»
ودعا قادة الجيش إلى «عدم الالتفات إلى الشائعات التي تستهدف زعزعة القوات المسلحة وتماسكها».
وقال إن الجيش لن يفرط «في شبر من أرض السودان» وذلك في إشارة إلى الانتشار العسكري في الحدود الشرقية.
وأكد على «أهمية تماسك القوات المسلحة ودورها في التصدي للمهددات التي تستهدف وحدة التراب وزعزعة الأمن القومي وعزم القيادة وإرادتها على المضي قدماً في المحافظة على القوات المسلحة رادعة قوية وذلك بالعمل على الاهتمام المستمر بالفرد وبيئة العمل والمعدة».
شراكة مستمرة
كما شدد على أن «الشراكة مع المدنيين مستمرة، ولن يتراجع عنها مهما تعاظمت الابتلاءات وأن الجيش لا بد أن يغادر المشهد بعد الانتخابات واستلام حكومة منتخبة».
وأوضح أن «مؤتمر باريس كان فرصة طيبة لتأكيد عودة السودان إلى حضن الأسرة الدولية وكان مناسبة جيدة للتواصل مع العالم».
وأبدى أمله بأن «تكمل الحكومة مشوارها وتلتقط الفرصة، لصالح البلاد».
وزاد: «أبلغنا الإماراتيين أن أراضي السودان واسعة وبإمكانهم الاستثمار في أي منطقة شمالا وجنوبا، وهي أراضي خالية من المشاكل».
وحول تسليم جنود الجيش للنيابة للتحقيق معهم حول ما حدث يوم 29 رمضان، حيث قتل شابان خلال إفطار نظمنه عائلات ضحايا «الثورة» قال البرهان: «لقد قمنا بتسليم سبعة من الجنود للنيابة ليجري القانون مجراه ويتم التحقيق معهم في حادثة إطلاق النار يوم 29 رمضان» ووصفها بأنها «كانت تصرفا فرديا ولم تتم وفقا لأوامر من قيادتهم».
وزاد: « تسليم الجنود السبعة للنيابة لا يعني أنهم هم من قاموا بعملية القتل، بل إن تحريات النيابة إلى جانب المحكمة، هي التي ستحدد الجناة وتعاقبهم».
واعتبر أن «القوى المدنية شريكته في الحكم تنظر إليه باحترام وتقدير على الدور الذي يلعبه في تعزيز الشراكة معهم والصبر عليهم».
في السياق، رأى نائب رئيس الحركة الشعبية، ياسر عرمان، أن «جماعة المؤتمر الوطني (حزب البشر) تسعى للوقيعة بين القوات المسلحة والدعم السريع «، داعيا السودانيين لـ«عدم السماح بذلك» معتبرا أن «جماعة المؤتمر الوطني همها السلطة، ومن قبل فضلت السلطة على وحدة السودان» في إشارة لانفصال جنوب السودان.
عرمان، وهو أحد القيادات البارزة ضمن شركاء الحكم في السودان، أكد أن «جماعة من المؤتمر الوطني تعمل على إحداث فتنة بين الجيش والدعم السريع لتصعد من جديد».
وكتب منشورا على صفحته على فيسبوك، جاء فيه: «من الواضح هذه الأيام، أن جماعة المؤتمر الوطني التي لا تزال في دهاليز مؤسسات السلطة تسعى للوقيعة بين القوات المسلحة والدعم السريع، وهي قضية تمس كل سودانية وسوداني مهتم بمستقبل السودان، وعلينا جميعا أن نعمل لكي لا يحدث ذلك، فجماعة المؤتمر الوطني همها كله في السلطة. ومن قبل فضلت السلطة على وحدة السودان، والآن لا تري في الصعود إلى السلطة إلا عبر الوقيعة».
قوات مهنية
وتابع: «بلادنا في حاجة إلى قوات مسلحة واحدة ومهنية وغير مسيسة وبعقيدة عسكرية جديدة تعكس التنوع الإثني والجغرافي والنوع، وكل ذلك يمكن تحقيقه إلا بتطبيق اتفاق الترتيبات الأمنية وبمعالجة المخاوف المشروعة عند البعض ورفض الأطماع غير المشروعة لدى البعض».
وزاد: «دون إصلاح القطاع العسكري والأمني لن نصل إلى دولة مدنية وديمقراطية قائمة على المواطنة، والمواطنة هنا قضية جوهرية وليست ملحق».
أسوأ سيناريو
وهو ما قاد الكاتب الصحافي، ضياء الدين بلال، رئيس مجلس إدارة صحيفة «السوداني» ليكتب أمس الخميس، مقالا على خلفية كلام عرمان، جاء فيه «تمّت الإشارة تصريحاً أو تلميحاً، لوجود مُحاولات للوقيعة والفتنة بين الجيش والدعم السريع. ربما، مصدر ذلك بروز بعض المُؤشِّرات لوجود خلاف مكتوم بين الطرفين. وهذا أسوأ سيناريو يمكن توقُّعه، حُدُوث مواجهات عسكرية بين الجيش والدعم السريع. والأسوأ من ذلك أن تكون العاصمة الخرطوم مسرح المواجهة، ومنها تنتقل العروض النارية للولايات».
وتابع: «ليس توهُّماً ولا اعتناقاً لنظرية المُؤامرة، توجد جهات خارجية ومحلية لها منافع متنوعة في عدم استقرار السودان «.
«طرفان أساسيان سيستفيدان من تلك الوقيعة لو حدثت» وفقاً للمقال «أولاً: هنالك أطراف خارجية ماكرة ومُتآمرة، حريصة على تحقق ذلك السيناريو، إذ ترى فيه تحقيقاً لمصالحها التكتيكية القريبة، والاستراتيجية البعيدة المدى. وثانياً: تُوجد أطراف داخلية، يمينية ويسارية، تجد في العلاقة المُستقرّة بين الجيش والدعم السريع، خطراً يتهدّد وجودها وفاعليتها في المسرح السياسي».
وتابع: «هذه الأطراف المحلية تسعى لتحقيق واحد من اثنين، إحداث الوقيعة أو استقطاب طرف لجانبها ضد الآخر. الحقيقةُ التي لا يُمكن تجاوزها أو القفزُ من فوقها، السودانُ دولة مُلغمة بالأزمات. دولةٌ بناؤها هشٌّ، كل شيء فيها قابلٌ للكسر والاشتعال، تحتاج إدارتها لحكمة ووعيٍ وسِعَة أُفق وسماحة نفس، ما غير ذلك الهلاك والدمار وسوء المنقلب».
أما رئيس تحرير صحيفة «السياسي» عثمان فضل الله، فقد كتب: «المعادلة الآن بين من يريدون التغيير بأي ثمن، ومن يريدونه بأقل ثمن. بلا شك النفوس قبل المؤسسات تحتاج الإصلاح».
وتابع: «الجيش تحمل مسؤولية ما جرى، ولم يقل حتى اللحظة أن طرفا ثالثا هو من تدخل، وأوقف المتهمين بإطلاق النار، والتزم بتقديمهم للعدالة، والحكومة اتخذت جملة تدابير من شأنها أن تسرع من القصاص للشهداء لسنا أكثر وطنية ولا نزايد على من هم في موقع المسؤولية».
وزاد «فلنعمل على دعمهم ودعم الإصلاح فهذه المؤسسات المحتكرة للقوى كانت محتكرة لصالح تنظيم واحد مثلها مثل البلد فخيارنا واحد الضغط ثم الضغط ثم الضغط، لنصل إلى مؤسسات بعقيدة جديدة تقوم على تعظيم الحياة وتقديسها».
مصدر عسكري مطلع، قال لـ«القدس العربي»: «المصيبة لا تكمن في عمل جماعة المؤتمر الوطني داخل الجيش لتعميق الفتنة بين أفراده من ضباط وجنود وخلق حالة من الاستياء وإبعاد الجيش من الشعب، لأن هذا مقدور عليه بزيادة الضبط والربط ومكافحة العمل الهدام بالتوعية أو عبر الاستخبارات».
وتابع « لكن هناك ما ليس بأيدينا، وهو عمل بعض القوى السياسية ممن كانوا شركاء في التغيير بالعمل بشكل مخيف وسط الشباب الثائر، وبعض قوى المجتمع، بتصوير الجيش للشعب بما ليس فيه، ولا من قيمه، هذا العمل السالب هو ممكن الخطورة».
وزاد «خطورة عمل اليمين واليسار، لضرب القوات النظامية في ما بينها، والآخرين الذين يعمقون الاستهانة بالمؤسسة العسكرية وتعبئة الشارع ضدها وفصلها من المجتمع بدعوى المدنية، ومصدر خطورة ذلك، أن أهم مؤسسة وعمودها الفقري سينهار، ما سيفتت الدولة، ما سيقودها للانهيار».
وأضاف: «لكن نحن مؤسسة قومية وسنترفع عن كل ذلك الفعل لأن واجبنا التاريخي والدستوري هو حماية البلد من المخاطر داخليا وخارجيا مثل ما نفعل في الحدود الآن رغم أن هذه الجراح تؤلمنا وتؤلم عساكرنا لكن سنكون نحن الكبار لا نستفز ولا نستثار».
ميدانياً، أفاد تقرير إخباري سوداني بأن الجيش السوداني استعاد أمس مساحات زراعية جديدة كانت بيد الميليشيات الإثيوبية على الحدود الشرقية، وذلك بعد اشتباكات شرسة.
ونقل موقع «سودان تريبيون» عن مصادر عسكرية موثوقة أن القوات المسلحة وقوات الاحتياط تمكنت من استرجاع حوالي 20 ألف فدان بعد معارك قوية استمرت لساعات.
ودارت المعارك الحامية شرق منطقة سندس في محلية القلابات الشرقية وشرق جبل طيارة.
واستعادت القوات المسلحة في سياق حملتها هذه خمس مستوطنات كان يسيطر عليها كبار المزارعين والميليشيات الإثيوبية منذ عام 1995.
وحسب المصادر فإن المعارك خلفت عشرات القتلى وسط الميليشيات والقوات الإثيوبية.
وتشهد حدود السودان وإثيوبيا توترا عسكريا منذ تشرين ثان/نوفمبر الماضي عندما أعاد الجيش السوداني نشر قواته في أراضي الفشقة واسترد مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي ظلت مجموعات إثيوبية تفلحها تحت حماية الميليشيات لأكثر من 25 سنة. وتتهم إثيوبيا القوات المسلحة السودانية بتأجيج الأوضاع على الحدود بالتوغل داخل مناطقها واحتلال أراضيها الزراعية.
…والله تسميتكم بالجيش أقرب الى من يدعو الى الكفر والشرك بالله والردة…….