مصر: أزمة البطاطس وجع شعب واستغلال سياسي من الأحزاب

تامر هنداوي
حجم الخط
0

القاهرة-“القدس العربي”: أزمة جديدة شهدتها مصر خلال الأيام الماضية، تمثلت في ارتفاع أسعار الخضروات بشكل غير مسبوق، وهي الأزمة التي عرفت إعلاميا بأزمة البطاطس، التي أثرت بشكل مباشر على حياة المواطنين المصريين خاصة أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة الذين يعتمدون على الخضروات بشكل أساسي في غذائهم اليومي.

الأزمة دفعت الكثير من نواب البرلمان إلى تقديم طلبات إحاطة واستجوابات للحكومة، حول أسباب ارتفاع الأسعار، وكيفية مواجهتها، خاصة وأن تبريرات المسؤولين جاءت لتصب مزيدا من الزيت على الغضب المشتعل في صدور المصريين.

الدكتور محمد فؤاد، عضو مجلس النواب عن دائرة العمرانية، تقدم بطلب إحاطة إلى الدكتور علي عبدالعال، رئيس البرلمان، موجها للدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور عزالدين أبو ستيت وزير الزراعة، والدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، بشأن الإجراءات التي تنتهجها الدولة في الآونة الأخيرة لمعالجة أزمة البطاطس.

إجراءات خاطئة

وقال الدكتور محمد فؤاد إنه في ظل الأزمة الأخيرة التي تعيشها الدولة فيما يتعلق بالارتفاع الكبير الذي تشهده سلعة البطاطس، فإنه يتوجه بالشكر والتقدير لما تقوم به الجهات والأجهزة الرقابية بالدولة من مجهودات في سبيل الحد من المنافسات الاحتكارية التي قد تطرأ على الساحة من جانب البعض جراء ذلك الارتفاع.

وأوضح أن هناك العديد من الجوانب السلبية التي بدأت تظهر على أثر تلك الإجراءات، التي من الملاحظ أن بعضها غير محسوب بشكل دقيق، والتي قد تزيد من التهاب حدة الأزمة خلال الأسابيع المقبلة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، أكد فؤاد، أنه لاحظ في الأيام القليلة الماضية أن بعض الضبطيات التي نفذتها الأجهزة الرقابية على المخازن والمبردات الخاصة بتخزين البطاطس استهدفت كميات لا يمكن أن يجزم بأن تخزينها قد يترتب عليه وجود أي نوع من أنواع الممارسات الاحتكارية، وارتفاع السعر ناجم عن قلة المعروض.

وأشار عضو مجلس النواب، إلى أن كل الضبطيات التي قد تمت لا ترتقي لمستوى المعروض القادر على تحقيق ثبات فعلي للسعر، حيث إن اجمالي الناتج المحلي من البطاطس يقدر بـ 5 مليون طن سنوياً، بمعدل 10000 طن خام يوميًا، يتم تصدير ما يقرب من 1.5 مليون طن، 3.5 مليون يتم ضخه للسوق المحلي، وبالتالي فإن الكميات التي تم ضبطها لن تؤدي بأي شكل من الأشكال إلى انخفاض سعر البطاطس، وذلك على عكس السلع الاستهلاكية الأخرى مثل السكر، والزيت وغيرها.

وتابع، أن سلعة البطاطس تختلف في زراعتها نسبيًا عن باقي السلع الأخرى، حيث أن التقاوي التي يتم زراعتها للحصول على زرعة البطاطس هي “البطاطس ذاتها”، موضحًا أن ما حدث في الآونة الأخيرة من ضبطيات وتجميع لكافة أنواع “البطاطس الجديدة” والتي تستخدم كتقاوي لزراعة محصول البطاطس، وتحديدا زراعة أصناف تصديرية بحته لا مثيل لها في السوق المحلي.

وأضاف أن ذلك قد يؤدي خلال مدة قد لا تتجاوز 3 أسابيع على أقصى تقدير إلى أزمة أكثر حدة في التصنيع والإنتاج والتصدير، ما سيؤثر على إجمالي ناتج محصول البطاطس الذي يتم زراعته وتصديره.

وأوضح فؤاد، أنه لاحظ خلال الآونة الأخيرة أن الأزمة الراهنة يكمن جزء كبير منها في الرقابة على الأسعار عند تجار “القطاعي” أكثر من تجار الجملة، قائلاً إن هناك تفاوتا بين السعر الذي يتم البيع به من جانب تجار الجملة وبين السعر الذي يتم البيع به للجمهور من جانب تجار القطاعي قد يصل إلى 50 في المئة، ما يؤكد أن هناك خللا واضحا وكبيرا في الدور الذي تقوم به الجهات المعنية في الإشراف والرقابة على السوق وضبط الأسعار.

واستطرد قائلاً أن استهداف الضبطيات في الآونة الأخيرة إلى مصادرة مخزون البطاطس الموجود في مخازن ومبردات بعض المصانع التابعة لشركات خاصة ذات شراكة أجنبية، تعمل في تصنيع البطاطس ومنتجاته في الإقليم المصري، قد يؤثر سلباً على عملية الاستثمار والاقتصاد القومي، ويجسد صورة غير سليمة عن وجود أوضاع غير مستقرة في السوق المصرية.

وقال، إنه في حال عدم معالجة وتحسين تلك الإجراءات والضبطيات غير المحسوبة بشكل كافي، سنكون خلال ما يقرب من 3 أسابيع كحد أقصى كما سبق أمام نتائج عكسية ستؤثر بشكل سلبي ومباشر على الناتج المحلي من البطاطس والتقاوي الخاصة بزراعة المحصول، والإضرار بصورة ملحوظة بالسوق المصري والاستثمارات الموجودة فيه، ما قد يفتح المجال على مصراعيه أمام بعض الدول لمنافسة الريادة المصرية في السوق العالمية.

وطالب فؤاد، بإحالة طلب الإحاطة إلى لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب لمناقشته ودراسته واتخاذ ما يلزم من إجراءات عاجلة وحاسمة حياله.

وتوقع الدكتور حامد عبد الدايم، المتحدث باسم وزارة الزراعة، حدوث انفراجة في أزمة البطاطس نهاية الشهر المقبل، مؤكدا عدم تكرار الأزمة العام المقبل.

وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة في تصريحات صحافية، إن الوزارة لا تستورد تقاوي المحاصيل الزراعية من خلال معايير خاصة يتم تطبيقها على المستورد، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الوزارة تتأكد من جودة التقاوي وصلاحيتها وسلامتها.

وتوقع عبد الدايم، عدم تكرار الأزمات الفترة المقبلة، قائلًا: “أعتقد إن المرحلة الآتية لن تحدث مشكلة، وسيتم وضع المشاكل التي تعرضنا لها في الاعتبار”.

استغلال سياسي

أجهزة أمنية وأحزاب سياسية لجأت لاستغلال الأزمة من خلال افتتاح منافذ لبيع الخضروات بأسعار أقل من السوق، فيما أثارت صور طوابير المصريين أمام منافذ بيع الخضروات جدلا واسعا.

منافذ بيع البطاطس بأسعار مخفضة أطلقتها وزارتا الداخلية والتموين وحزب “مستقبل وطن” وحملت أسماء “كلنا واحد” و”خضار بلدنا” و”معاك في المرة” كشفت عن محاولة الوزارتين، وأحزاب سياسية الدخول على خط المنافسة لبيع الخضروات غالية الثمن. الأمر الذي لاقى انتقادات واسعة، حول طبيعة الدور الذي من المفترض أن تلعبه المؤسسات الأمنية والأحزاب السياسية.

نجاد البرعي، المحامي والحقوقي، استنكر الدور الذي قامت به بعض الأحزاب السياسية خلال هذه الفترة من بيع لسلعة البطاطس بعد أن تعرضت لاختفاء من أغلب الأسواق بسبب أساليب الاحتكار وارتفاع أسعارها، مشيرا إلى ان دورها الأساسي في المقام السياسي وهو أن تحشد للمشاركة في السلطات المختلفة في الدولة .

وقال البرعي في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “ليس دور الأحزاب ان تبيع البطاطس، دورها ان تحشد أنصارها من أجل المشاركة في الحكم. وليس دور أي مؤسسة رسمية أخرى ان تبيع البطاطس إلا في أوقات المجاعة”.

وأضاف الخبير القانوني قائلا: “لكن ربما تكون تلك أحد أدوار الجمعيات الأهلية التي تقدم دعما للفقراء أو لمفتشي التموين عند ضبط بضائع تباع بسعر مخالف للتسعيرة الجبرية”.

رشوة انتخابية

وأرجع استغلال الأحزاب لهذه الأزمة إلى هذا السبب قائلا: “أي حزب يستخدم الطعام أو المعونات الاجتماعية هو حزب يقوم في الحقيقة بعمليات رشوه انتخابية على المدى المتوسط، هاجمنا الإخوان بسبب ذلك وموقفنا لا يتغير حتى ان قام الحزب الوطني الجديد أيا كان اسمه بالممارسات نفسها “.

وانتقد أمين إسكندر، القيادي الناصري، قيام حزب “مستقبل وطن” بإنشاء منافذ لبيع الخضار.

وكتب على صفحته على فيسبوك: “جهاز الأمن الوطني أسس حزب مستقبل وطن، وتولى مسؤولية الحزب في البداية الشاب محمد بدران الذي اصطفاه السيسي دون كل شباب مصر، واصطحبه على يخت المحروسة في افتتاح قناة السويس”.

وتابع: “الحزب يمثل استمرارا لجماعات المصالح في حكم الوطن ويقوم الآن ببيع البطاطس، ويقدم نفس الخدمة التي تقدمها وزارة الداخلية عبر منافذها”.

وسخر من منافذ بيع الخضار قائلاً: “بعد أن كان للجيش السبق في بيع الخيار واللحوم والبطاطس، باتت الأحزاب أيضا تبيع الخضار، وباتت هذه هي الأنشطة السياسية التي يمكن فعلها في مصر تحت حكم السيسي”.

وتابع: “أدعو الله أن لا تنضم هيئات أو أجهزة أخرى إلى مهمة البطاطس”.

وكان السيسي اصطحب محمد بدران رئيس حزب “مستقبل وطن” السابق على يخت “المحروسة” خلال افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس، في آب/اغسطس 2015، ما اعتبر وقتها إشارة واضحة لتقديم حزب “مستقبل وطن” باعتباره حزب الرئيس.

حلول أمنية

 لم تقتصر محاولات استغلال أزمة البطاطس على حزب سياسي، بل امتدت للأجهزة الأمنية، ويأتي ذلك في إطار أمرين، الأول اتجاه نظام السيسي إلى الحلول الأمنية وتفضيلها على الحلول السياسية، أما الأمر الثاني، فيعود لسيطرة الأجهزة الأمنية على الاقتصاد بشكل عام، من خلال منافذ التوزيع.

ونشرت وزارة الداخلية المصرية، على مدار الأيام الماضية، منافذ وسيارات لطرح البطاطس والطماطم بأسعار تنافس السوق في المراكز الرئيسية في العاصمة القاهرة.

وبعبارات مثل “رفع الأعباء عن كاهل المواطن” وتأكيدا على “الدور المجتمعي” لوزارة الداخلية، فعلت الأخيرة مبادرة “كلنا واحد” لـ “توفير السلع والخضروات، وكافة السلع الغذائية بأسعار تقل كثيراً عن نظيرتها في الأسواق، لا سيما سلعتي البطاطس والطماطم” حسب ما جاء في بيان نشرته وزارة الداخلية عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك.

ويصل سعر كيلو البطاطس في منافذ وزارة الداخلية إلى 6 جنيهات، و5 جنيهات لكيلو الطماطم، بينما يصل سعرها في السوق إلى 18 و12 جنيها على الترتيب.

وأشار بيان الوزارة إلى “قيام إدارة مباحث التموين في المديرية بالتنسيق مع الشركات المتخصصة في هذا المجال لتوفير كميات كبيرة من تلك السلع، وعرضها للبيع”.

وشهدت منافذ بيع وزارة الداخلية ازدحاما كبيرا، ووصلت طوابير المواطنين المصطفة للحصول على الخضروات بأسعار مخفضة لمئات الأمتار، واعتبرها المواطنون دليل فشل الحكومة في حل الأزمة، وليست مؤشرا على قدرة الحكومة في التعامل مع الأمر.

وعلق عمرو الشوبكي، الكاتب المصري، على أزمة ارتفاع أسعار البطاطس، قائلاً: “حزنت مثل بعض المصريين على هذه الطوابير التي وقف فيها الناس للحصول على بطاطس توزعها وزارة الداخلية قيل إن كثيرا منها أخذ من باعة جائلين أو تجار مخالفين”.

وأضاف على حسابه على فيسبوك: “بعيدا عن أن الدولة ما زالت تمتلك مجمعات استهلاكية مهمتها توزيع المواد التموينية والغذائية، ومع ذلك اختارت وزارة ليست من مهامها القيام بهذا العمل”.

وقال إن “مشهد طوابير البطاطس نفسه أحبط كثيرين ممن حلموا بطوابير الانتخابات الحرة وشهدوها فعلا عقب ثورة يناير، أو حلموا بطوابير التنمية والبناء التي تصنع نهضة صناعية وزراعية حقيقية فلم يروها إلا في العقارات”.

طوابير المواطنين

وأضاف: “مشهد طوابير البطاطس مفهوم، وليس من حق أحد أن يتعالى على خلق الله ويستخف بمعاناتهم ولكن محبط أن أحلام قطاع واسع من الشعب المصري توقفت عند طابور البطاطس بـ 6 جنيهات ونسوا أن خفض الأسعار الحقيقي سيكون بتعظيم مواردنا الإنتاجية فيرتفع الدخل وتقل الأسعار”.

وتابع: “على كل من حلموا بطوابير مختلفة ألا يفقدوا الأمل لأن معاناة الناس وانكسارها كبير والمشكلة في مصر لم تعد بين نخبة سياسية وسلطة إنما بين الشعب والحكم مباشرة دون أي وسيط حزبي أو سياسي أو نخبوي، فدعونا نشاهد ونرى من سينتصر، طوابير البطاطس أم طوابير الانتخابات الحرة”.

على السياق نفسه، أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية، تدشين مبادرة “خضار بلدنا” التي أساسها الشركة القابضة للصناعات الغذائية، لتوفير الخضار والفاكهة، بأسعار مخفضة، عبر 122 منفذا ثابتا وأكثر من 25 عربة متنقلة، وفق ما نشرته الوزارة على صفحتها الرسمية على فيسبوك.

وأرجعت الوزارة ارتفاع الأسعار إلى “حلقات التداول” إذ أوضحت “قيام الشركة القابضة للصناعات الغذائية بعمل لجان متخصصة للشراء من المزارع مباشرة لتقليل حلقات التداول، مما ينعكس على خفض أسعار السلع للمستهلك النهائي”.

وتعود أسباب أزمة البطاطس، حسب متخصصين في الشأن الزراعي إلى عدة أسباب، منها الاحتكار، والاستمرار في تخزين البطاطس في الثلاجات، ما أدى إلى نقص المعروض.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية