مصر: إقصاء النقابات المستقلة من مناقشات قانون العمل يثير انتقادات واسعة

تامر هنداوي
حجم الخط
0

القاهرة – «القدس العربي»: يواجه مشروع قانون العمل الجديد الذي يناقشه مجلس النواب المصري، تمهيدا لإقراره، جملة انتقادات. ففيما أقصيت الحركات النقابية المستقلة من المناقشات التي أجرتها لجنة القوى العاملة في البرلمان، ثمة مطالبات بحوار مجتمعي قبل إصدار القانون، الذي يتخوف البعض من ضربه للمكاسب التي حققتها الحركة العمالية في البلاد على مدار قرن من الزمن.
ويبلغ عدد العمال في مصر نحو 25 مليونا، وفق تقديرات رسمية. ويعالج القانون المقترح سلبيات القانون الحالي رقم 12 الصادر في عام 2003، ويبلغ عدد مواده 267 مادة.

تنظيم بيئة العمل

خليل رزق، الناشط العمالي، قال لـ”القدس العربي”، إن الهدف من قانون العمل هو “تنظيم بيئة العمل وتقليل الخلافات التي يمكن أن تنشأ بين العمال وصاحب العمل”.
وأضاف أن مشروع القانون الجديد “لن يحقق هذا الهدف، بل على العكس سيزيد من التوترات في بيئة العمل المصرية، لما تضمنه من مواد تقضي على حقوق اكتسبها العمال المصريون عبر النضال خلال قرن من الزمن”.
ولفت إلى ما تضمنه قانون العمل الجديد، “من زيادة ساعات العمل إلى 9 ساعات بدلا من 8 في قانون العمل الساري”.

تخفيض العلاوة

وحسب رزق، خفضت الحكومة المصرية العلاوة الدورية السنوية التي كان منصوصا عليها بنسبة 7 % من الأجر التأميني في مشروع القانون المقدم منها عام 2017 إلى 3 % في مشروع القانون الجديد.
وبيّن أن هناك إشكالية في تحديد أجر العامل في مصر، وأن المؤسسات والشركات عادة ما تلجأ إلى توثيق أجر تأميني أقل من الأجر الشامل الذي يتلقاه العامل، مثلاً: تجد الشركة تؤمن على العامل براتب 2000 جنيه، فيما يحصل العامل فعليا على 4 آلاف جنيه كأجر شامل، يسدد عنه الضرائب، وبالتالي تحديد نسبة العلاوة على الأجر التأميني فيه ظلم شديد للعمال.
تحديد نسبة العلاوة في مشروع القانون الجديد، يواجه أيضاً رفض نقابة العاملين في القطاع الخاص، خاصة أن الحكومة بدأت بالفعل في تطبيق مواده قبل إقراراه، مع إعلان المجلس القومي للأجور تطبيق العلاوة الدورية بنسبة 3 %على الرغم من أن القانون الساري رقم12 لسنة 2003، ينص على علاوة قدرها 7 %.

مخالفة للدستور

وانتقد شعبان خليفة، رئيس نقابة العاملين في القطاع الخاص قرار زيادة الحد الأدنى للأجور للقطاع الخاص إلى 2700 جنيه فقط، قائلا: “أتعجب مما يحدث في ظل زيادة الأسعار التي تشهدها البلاد حاليا، والعلاوة الدورية أصبحت بحد أدنى 100 جنيه، ومن المفترض أن تكون 300 جنيه، بعد حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي”.
وتساءل: “ماذا تعني علاوة دورية قيمتها 3 %من الاشتراك التأميني، في ظل أن الراتب الذي يحسب على التأمينات يكون بحد أقصى 40 % من الأجر”.
وأضاف: السيسي “تحدث عن أن الحد الأدنى للأجور 3 آلاف جنيه، و300 جنيه علاوة استثنائية، ولكن تم إقرار حد أدنى للأجور في القطاع الخاص 2700 جنيه، وهذا مخالفة لمواد قانون العمل، الذي ينص على عدم التمييز بين العاملين ويعد مخالفة للدستور”.
وتابع: “أقل بيت يتكون من زوج وزوجة وطفلين لا ينفق حاليا أقل من 6 إلى 7 آلاف جنيه، مع ارتفاع الإيجارات وفواتير المياه والكهرباء والغاز وأسعار الأدوية”.
وكان المجلس القومي للأجور، برئاسة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، أقر زيادة الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص من 2400 ليصل إلى 2700 جنيه اعتبارا من أول يناير/ كانون الأول الجاري.
وقرر المجلس أن يكون الحد الأدنى لقيمة العلاوة السنوية الدورية للقطاع الخاص، بما لا يقل عن 3 % من أجر الاشتراك التأميني المنصوص عليه في قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، وبحد أدنى 100 جنيه.
مواد أخرى تواجه رفضا من العمال، حسب الناشط العمالي رامي رزق، الذي تناول في حديثه لـ”القدس العربي”، كيف منح القانون صاحب العمل الحق في الاستغناء عن العامل، من خلال إخطار بعدم الحاجة إليه قبل 3 أشهر من إنهاء خدمته، حسب نص المادة 131 من مشروع القانون الجديد.

إقصاء النقابات المستقلة

وأكد أن لجنة القوى العاملة في مجلس النواب المصري، يسيطر عليها نقابيون منضوون تحت اتحاد عمال مصر (مؤسسة رسمية)، مؤكداً أن الاتحاد العمال الرسمي أقصى كل قيادات النقابات المستقلة من مناقشة مشروع القانون ورفض الاستماع إليهم، على الرغم من أن الاتحاد الرسمي لا يضم سوى عضوية إجبارية نسبتها أقل من 10 %من عمال مصر، في حين هناك نقابات مستقلة وأغلبية ساحقة من العمال غير منظمة نقابيا تم رفض الاستماع لها من مجلسي الشيوخ والنواب حتى الآن، حيث يبلغ عدد العمال في مصر نحو 25 مليون شخص.

رفض الحوار

وتحت عنوان ” مشروع قانون العمال، حقوق ضائعة. وصوت غائب” عقدت دار الخدمات النقابية والعمالية (منظمة مجتمع مدني مهتمة بشؤون العمال)، ندوة لمناقشة قانون العمل.
وقالت الدار في بيان، إن “المشروع المقدم من الحكومة في نسخته الأخيرة وجاء في 267 مادة، تجاهل ملاحظات الأطراف العمالية، بل إنه سار بالمشروع إلى الأسوأ في شأن الحقوق العمالية”.
ولفتت إلى أن لجنة القوى العاملة في مجلس النواب ترفض عقد جلسات استماع تتسع لكافة الأطراف العمالية والمهتمين بالشأن العمالي.
وأكدت على “حق جميع المخاطبين بأحكام القانون في إبداء الرأي فيه”، ودعت كافة القوى والأطراف المعنية بالأمر، والنواب إلى إيلائه ما يستحقه من العناية والاهتمام باعتباره أحد التشريعات الاجتماعية الأهم ذات التأثير المباشر على مصالح وأوضاع قطاعات وفئات واسعة من الشعب المصري.
النائب إيهاب منصور، وكيل لجنة القوى العاملة في مجلس النواب، قال إن المجلس “استمع إلى آراء المستثمرين ورجال الأعمال، واتحاد نقابات العمال (الحكومي) فقط.
وكان مجلس النواب، ومن قبله مجلس الشيوخ، رفضا طلب النقابات المستقلة عقد جلسة استماع لها لطرح رؤيتها بشأن مشروع القانون، في وقت لا يضم اتحاد العمال سوى عضوية إجبارية نسبتها أقل من 10% من عمال مصر، بينما هناك نقابات مستقلة وأغلبية ساحقة من العمال غير منظمة نقابيا.
وحسب منصور، المناقشات ما زالت دائرة في اللجنة، ولم يتم بعد حسم الموافقة على تحديد العلاوة السنوية بنسبة 3 %من الأجر التأميني، بدلاً من 7 % من الأجر الأساسي.
وزاد: “من المعلوم أن البيانات التي يقدمها لهيئة التأمينات الاجتماعية أصحاب العمل في القطاع الخاص عن الأجر التأميني لعمالهم أقل كثيراً من أجرهم الحقيقي”.
وأضاف النائب أن “هناك أكثر من مشكلة في مشروع قانون العمل، مثل مشكلة المجلس القومي للأجور، الذي لا وجود له فعليا، ولا يستطيع تطبيق الحد الأدنى للأجور في جميع مواقع العمل”، لافتا إلى أن لجنة القوى العاملة قررت أن “تؤول أموال صناديق العمالة إلى الخزانة العامة، وكان بعض النواب يتخوفون من ذلك، وأن المهم حال صدر القانون بهذا الشكل أن تستغل هذه الأموال لصالح العمال، خاصة العمالة غير المنتظمة التي تشكل نحو 50% من إجمالي قوة العمل المصرية حسب الأرقام الرسمية، أي أكثر من 14 مليون عامل”.
في الموازاة، رأى أحمد البرعي، وزير القوى العاملة الأسبق، أن “الوقت غير مناسب لإصدار تشريع بأهمية قانون العمل لوجود اضطراب شديد في سوق العمل، كما أن هناك الكثير من المصانع متوقفة، كما أنه في التشريعات الاجتماعية عموماُ، وفي مقدمتها وأهمها قانون العمل، لا بد من تمثيل كافة أصحاب المصلحة فيه، وهو ما لم يحدث.”
وأضاف أن “القانون يجب أن يساير التطور الاقتصادي والاجتماعي، ويعالج القصور في التشريع الحالي، وهذا لم يحدث، وكان يمكن الاستغناء عنه وقصر الحديث على الأجر والعلاوة لأن كافة نصوصه الأخرى كما هي تقريباً في القانون الحالي”.
وبين أن الأجر والعلاوة “لا يمكن تحديد أرقام قاطعة وثابتة لهما في القانون، بل يجب ربطهما بمستوى المعيشة والتضخم، حتى لا نحتاج لتغيير القانون كلما تغير الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعمال”.

تعديلات فنية

وأوضح أن “أغلب نقاط القانون تحتاج إلى تعديلات فنية، فالقاضي يطبق نصاً واضحاً ولهذا يجب أن تكون النصوص واضحة”.
وتحدث عبد الفتاح عبد العزيز، رئيس نقابة صغار المزارعين المستقلة، عن أن مشروع القانون لا يتضمن تعريفاً دقيقاً لصغار المزارعين ولا للعمالة غير المنتظمة، كما أنه لا يتضمن حقوقاً لتلك العمالة ولا يوفر لهم أي حماية.
كما أكد السيد حبيب، القائد العمالي والنقابي الأسبق في شركة غزل المحلة، على ضرورة أن يتضمن القانون نصوصاً محددة للفصل ويستبعد النصوص التي تسمح بتسريح العمال أو إيقافهم لسنوات عن العمل.
وأيضا حذر حمدي حسين، القيادي العمالي والنقابي الأسبق في شركة غزل المحلة، من عدم توافق نصوص القانون مع الحقوق الدستورية المكفولة للعمال ومع المعايير والاتفاقيات الدولية.
من بين الحقوق الدستورية التي يرى العمال أن القانون يخالفها، حق الإضراب، حيث اشترط القانون في مادته رقم 205، على العمال إخطار كل من صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة بأسباب الإضراب وموعد بدايته ونهايته قبل تنفيذه بـ10 أيام، وهو ما اعتبرته دار الخدمات النقابية والعمالية “اشتراطا يفتقد للمنطق السليم”، وأكدت في ملاحظاتها أن العمال “لا يضربون بشكل مسرحي، وإنما لحين تحقيق مطالبهم، وبالتالي لا يمكنهم معرفة المدى الزمني للإضراب، إضافة إلى مخالفة هذا الاشتراط لاتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية”.
في المقابل دافع حسن شحاتة، وزير القوى العاملة المصري، عن مشروع القانون، وقال إن الوزارة “ترحب بكافة الملاحظات من أي جهة مختصة بشأن مشروع قانون العمل المطروح حاليا على لجنة القوى العاملة في مجلس النواب”.

خطة ورؤية

وأوضح في بيان أن الوزارة “تضع ملف العمالة غير المنتظمة، والتدريب المهني، على رأس أولوياتها، ولديها خطة ورؤية للنهوض وتطوير هذا الملف بما يحقق المزيد من الرعاية والحماية للعمالة غير المنتظمة، والتوسع في إعدادها وتقنين أوضاعها”.
ولفتت الوزارة في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون إلى أنه “قد ظهرت الحاجة جليا إلـى قـانون عمل جديد، يلبي تطلعات الشعب المصري، فـي تحقيـق العدالة والتوازن بين مصالح العمال وأصحاب العمـل، ويكون دافعا مشجعا للاستثمار، ويقـوم علـى فلسـفة جديـدة مفادها بناء علاقـات عمـل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجيـة، تضمن استمرارية العمـل وخـلـق مجتمـع عمـل مـتـوازن ومنـاخ عـمـل مسـتقر، يـنعكس علـى زيـادة الإنتـاج وتحفيز الشباب على العمل بالقطاع الخاص دون تخوف أو قلق، ويحقـق الأمـان الـوظيفي فـي هـذا القطاع من خلال حظر الفصل التعسفي، ووضع ضمانات منضبطة لإنهاء علاقة العمل”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية