وسال الدم في مصر بشكل ينذر بما هو أسوأ. استقطاب حاد بين معسكرين يرى كل منهما الصواب إلى جانبه على الدوام وخصمه المخطئ على الدوام. نفس داء الاستقطاب الحاد الذي أصاب من قبل الساحات العراقية واللبنانية والفلسطينية. مجتمع منقسم عموديا بين فريقين ليس بينهما سوى كل مناكفة ونكاية ومزايدة. بين المعسكرين يكاد لا يوجد أحد. محكوم على الجميع أن يكونوا مع هؤلاء أو أولئك، سواء ارتضوه لانفسهم منذ البداية أو دفعتهم الاحداث لاحقا في النهاية إلى إحدى الخانتين: جماعة نوري المالكي أو معارضوه، 8 أذار أو 14 أذار، فتح أ وحماس.
لم يعد هناك في مصر اليوم وبعد الذي حصل من انقلاب على الرئيس مرسي وما أعقبه في اليومين الماضيين من إراقة للدماء، وحتى قبل ذلك، لم يعد هناك من مكان سوى للاسلاميين من جهة ومعارضيهم من جهة أخرى. صار لكل ‘فسطاط’ أنصاره الكثر وساحته وشعاراته. ومثلما ما قالت ‘الغارديان’ البريطانية مؤخرا فإن الديمقراطيين في مصر (أو المطالبين بالديمقراطية بشكل أدق) ليسوا ليبراليين والليبراليون ليسوا ديمقراطيين. هذه المفارقة الحادة جعلت لا حديث هذه الأيام لدى كل الاسلاميين في مصر تقريبا سوى الشرعية وضرورة احترام صناديق الاقتراع وهو حديث لا غبار عليه من الناحية المبدئية… لكن هل كانت غيرتهم على الشرعية ستكون مثلا بنفس هذه الشراسة لو كان هذا الذي حصل في حق صاحبهم حصل لأحمد شفيق رئيسا ؟!! كثيرون لا يرون في هذه اللغة لدى الاسلاميين في بلادنا ما يعكس قناعة متأصلة بضرورة إحترام قواعد اللعبة الديمقراطية فقد أثبتت كل التجارب أنهم إن وصلوا السلطة ودانت لهم الامور لا يتخلون عنها أبدا تحت شتى أنواع التبريرات والذرائع.
في المقابل، خصوم الاسلاميين بلغ بهم بغضهم لهؤلاء أنهم باتوا يتوقون إلى إزاحتهم عن السلطة بأي ثمن حتى وإن كان ذلك على حساب كل أبجديات قواعد العمل الديمقراطي. لا مانع أن يكون ذلك حتى بانقلاب عسكري، سواء سموه كذلك أو اختاروا له إسما آخر يجنبهم الحرج ويرفع عن ضمائرهم بعض الضيق.
كان يفترض أن من جاء بصناديق الاقتراع لا يذهب بغيرها. كان ذلك سيجنبنا جميعا المظلومية التي تدثر بها الاسلاميون لعقود. لم يكتب لنا أن ننهي إلى الابد هذه ‘اللطمية’ لدى هؤلاء بأن يصبح الناس هم من يزيحونهم تماما كما أتوا بهم. لم يتم ذلك لأن مرسي وجماعته فضلوا المغالبة على المشاركة ونكثوا بوعود كثيرة مع عجرفة ممزوجة بأداء ساسي هزيل، ولأن خصومهم المتربصين بهم ليلا نهارا لم يكن لهم من الصبر ما يجعلهم يراكمون عليهم النقاط منتظرين أي انتخابات مقبلة ليصفوا حساباتهم معهم عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الإستقواء بالعسكر. كلا الجانبين أخذته العزة بالاثم فأوصلا مصر وكل الحالمين بعصر ديمقراطي عربي إلى هذا المصير البائس.
في جلسة صريحة للغاية جمعتني مؤخرا بزعيم حركة النهضة الاسلامية التونسية الشيخ راشد الغنوشي، قلت له: بعد تحملكم أعباء الحكم في العامين الماضيين، صرتم في مواجهة فئات مختلفة: فئة تعاديكم بالفطرة من زمان ولن ترضى عنكم حتى وإن اجترحتم المعجزات وهذه إزدادت لكم بغضا، فئة كانت حذرة للغاية تجاهكم وهذه انتهى بها المطاف في النهاية إلى أن تتحول تجاهكم إلى عدو، فئة كانت تسعى إلى أن تكون منصفة ومتوازنة فهي رغم تحفظاتها لم تنكر عليكم حقكم في التجربة والخطأ، هذه تراجعت مع الايام إشاداتها وازدادت انتقاداتها حد القسوة. ونتيجة كل ما سبق لم يبق معكم للاسف في نهاية الأمر سوى متحزبيكم الخلّـص… وهكذا الحال في مصر أيضا.
من المحزن أن نظل نجتر دائما نفس الاخطاء فنعود باستمرار إلى المربع الاول. كثيرة ومتداخلة هي العوامل التي أدت إلى ذلك. ليس الاسلاميون وحدهم الذين أوصلونا إلى ذلك… لكنهم بالتأكيد في صدارة قائمة هؤلاء.
يا أخي بلغ بك الأمر ان تتدخل في نوايا الآخرين وتفترضها وتحاول فرضها علينا؟!!
لم تصارحنا ماهي اجابات الغنوشي على ما طرحته من أسئلة في تلك الجلسة الصريحة للغاية وانما ذكرت لنا اسئلتك فقط التي عبرت من خلالها عن مواقفك المعروفة!
لست من الأخوان ولم اكن يوماً ولا اعتقد انني سأكون ، وأختلف معهم في الكثير من طروحاتهم مثلما اتفق معهم في مواضع اخرى ، لكن الهجمة الشرسة عليهم هذه الأيام بشكل تجاوز كل خطوط حمراء بدأت تثير الأنتباه الشديد وتكسبهم الكثير من المتعاطفين ، والغريب انهم ان كانوا بهذه الصورة التي يشيطنهم الطرف الآخر وففها ، فلماذا لم يضطهدوا ويعتقلوا و يعذبوا وبحجروا على خصومهم عندما كانوا في السلطة التي اكتسبوها بالطريق الشرعي ، لكن عندما سلبوا (بضم السين) هذه الشرعية تعرضوا هم الى كل ما يحاول الآخرون اتهامهم به زوراً
ما خلصت به من هذا المقال ، ان الأستاذ كريشان اعتبرالآخرين ابرياء حتى ثبتت ادانتهم (وهذا ما لا يختلف اثنان عليه) ولكنه من جانب آخر يعتبر الأخوان والأسلاميين متهمين حتى لو ثبتت براءتهم!
هنيئا للإعلام العربي بزمن النظرة العوراء !
بارك الله فيك يا محمد
رحم الله مصر