مصر: ‘الإسلام السياسي’ والجيش السياسي!

حجم الخط
0

من خلال رصد ما آلت إليه ثورات الربيع العربي من تصاعد العنف بين أصحاب التغيير أنفسهم بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ السياسي المعاصر، تجعل المتابع والمراقب يقف في حيرة من أمره لكُل ما جِرى ويحدث من خلال الأعلام بمختلف اشكاله وصوره بالنظر لثورة تدفق المعلومات، وفي رأيي المتواضع لا أجد تفسيراً لهذا الاختلاف الحاد والحملات الشرسة من هذا الطرف آو ذاك وكغيري اتساءل لماذا يتبارى المثقفون والساسة على حدٍ سواء، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، بل وحتى أصحاب الاتجاه القومي بشقيه الناصري والبعثي في على سعة البلاد العربية في التغزل بجزمة العسكر ويرمون بقيم الحرية والديمقراطية والمدنية التي طالما تغنوا بها وراء ظهورهم وكأنهم مصابون ‘بفوبيا’ من أصحاب من يدعون أنفسهم أو يصفونهم بالاتجاه الإسلامي سواء سموه أخوانياً أو غير ذلك فليس هناك أي مسوغات مقنعة ومنطقية لمثل هذه التحفظات طالما كان في سياق ديمقراطي سلمي، فلو منحوا فرصة وجربوهم ومن ثم يتوارى دورهم سلمياً وحسب اللعبة الديمقراطية التي غدت مجرد افتراضات لا تلقى وجودا لها على ارض الواقع، وفي حال تشبثوا بالسلطة هم او غيرهم وأحتكروها بصورة استبدادية تماما كما يفعل العسكر حينها لكل حادث حديث!
ففي الأنظمة المدنية الديمقراطية تنحصر مهام الجيش في مهام محددة وتظل مؤسسة سيادية كغيرها من المؤسسات المتعددة الاختصاصات حسب دساتيرها ووفق ذلك يظل دوره حياديا في عملية التنافس السلمي على السلطة واقتصار دور في المحافظة على كيان الوطن من تهديدات محتملة خارج حدوده.
لعل من تبعات وسلبيات هذا السلوك والرؤية الضيقة هو انصراف بعض من تلك النُخب الثقافية والسياسية لهكذا جدل بتحول جوهري في اهتماماتها وأولوياتها، لقد ترَكتّ هذه الشعوب نقّمتها على حُكامها الذين جثموا عقوداً وصرفوا النظر عن توحيد الرؤى المشتركة لإيجاد نظام سياسي يتناسب وتردي حالة المجتمعات السياسية والاقتصادية، وبدلاً عن ذلك فقد اتجهوا لنزاعات طائفية من جهة، وبين الاتجاه الديني ومعارضيه من جهة أخرى!
وفي نظرة بانورامية جغرافية واستطلاع للتاريخ لوجدنا بأن ارقى الأمم هي التي تنحي المؤسسة العسكرية جانباً ولم تجعل منهم ولاة الأمر، وهو الأمر نفسه في الشرقية والغربية نرى المؤسسة العسكرية هي لحماية الأوطان وليست للحكم، فتأملوا من حولنا إيران وتركيا وإسرائيل وهى الثلاثة القوى الرئيسية الإقليمية الأولى في المنطقة ليس من بينها من نظام عسكري فحتى الكيان الصهيوني رغم عدوانيته وعدم اعترافة بمواثيق الأمم المتحدة، وكونه ثكنة عسكرية دائمة إلا أن تلك المؤسسة تأتمر بأمر السياسيين في نهاية الأمر!
والأحرى بالعرب اخذ العِبرّ من تجربتين في القارة الهندية فالهند مستقرة سياسيا قياساً بجارتها باكستان التي لا زالت تنجر من وقت لآخر لحكم المؤسسة العسكرية وحتى فيما لو حكموا فأنهم متوارون عن المشهد تماما كما هو في الجزائر والتي يبدو بأن رئيسها مدني ولكن مازال للعسكر دور محوري حيث لم تتخلص من قبضتهم، بينما يعزى نجاح تركيا ربما لمفارقات وصدف، ذلك أن سعيها الحثيث والمتوصل منذ عقود للإنضمام للأسرة الأوروبية ولمؤسسات الاتحاد الأوروبي كان له حسناته، فمن ضمن أدبيات وشروط الانضمام للاتحاد الأوروبي جملة من الثوابت والمتطلبات حسب معايير قمة كوبنهاغن للدول الأوروبية، وتتخلص أهم تلك الثوابت في متطلبات ديمقراطية واقتصادية وفي مجال حقوق الإنسان فمعايير كوبنهاغن التي حددت تلك الشروط …ومن وقتها وتركيا وبتشجيع غربي تمت فيها مواءمة قوانينها وفقا للمعايير وتم تنحية المؤسسة العسكرية تدريجياً وهذا يحسب لصالح حزب العدالة والتنمية بزعامة اوردغان هذا فضلا عن تطوير اقتصادها لتصبح الأكثر نمواً قياساً لبعض بلدان الاتحاد الأوروبي ذاتها، وليتضاعف دخل الفرد لثلاثة أضعاف خلال عقد من الزمن، والاهم من ذلك هو تحررها من قبضة العسكر، وإلا لكان ميدان التقسيم فرصة لعودتها من ثكناتها، وهو الأمر الذي لم يحدث !
وبهذا فقد حققت انجازاً ومكسباً بأبعاد الجيش عن السياسة في الفكر السياسي التركي المتجذِر فيه عقلية السيطرة والهيمنة للمؤسسة العسكرية وبتاريخها العثمانيين الحافل بالتوسع والفتوحات، فها هى اليوم تجنح لرؤية النخب التي غدت أكثر مدنية عن ذي قبل!
يكاد يتمحور الجدل الدائر في فكر النُخب العربية حول موضوعين هما دور المؤسسة العسكرية وكذا الاسلام السياسي، والذي تعود جذوره في التاريخ المعاصر وفيما يتعلق الأمر بجزئية الإسلام السياسي لعقود مضت وتحديدا منذ مطلع القرن الماضي فبعد أفول نجم الدولة العثمانية واتجاه الانقلابيين فيها إلى سياسة ‘التتريك’ حدث تحول في الفكر السياسي العربي، واتخذ منحى ذا إتجاهين قومي كما في فكر ساطع ألحصري الذي غذى الأرضية النظرية لمفكري الاتجاه القومي بشقيه، وكذا التيار الإسلامي الذي يرى بفكرة الإسلام السياسي، وقد تم إحياء الإسلام السياسي منذ التسعينيات وبعد انبلاج الثورة الإيرانية المتزامن مع انتهاء الحرب الباردة وافول نظام الثنائي القطبية على المستوى الدولي وغدا العدو الأساسي للغرب هو الاتجاه الإسلامي سواء كان سنيا أو شيعيا، وها هي تطل بقوة غداة ثورات الربيع العربي.
ويعتقد البعض بأن أصحاب مشروع الإسلام السياسي بشقيه المذهبي لن يتطور ويرى النور ولاسيما أصحاب الفكر الإسلامي والسلفي تحديداً، وأن لم يستوعب كل التيارات والأفكار والاختلافات سنرى نماذج تولد فاشلة.

‘ كاتب ودبلوماسي يمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية