لو يثور الشعب المصري مرات ومرات فإنه لن يحصل على شيء من آماله ما لم يحقِق الاستقلال الحقيقي عن تحكم الغرب والصهيونية بمقدراته، وما لم يقدر على تأمين غذائه ومائه وسلاحه بنفسه. وبرغم الفكرة المختزلة في كلمات قليلة إلا أن تحقيقها يتطلب حكومة شجاعة تمتلك إرادة رفض الاملاءات، وتحتاج من ورائها إلى شعب يؤمن بكرامته ويعز عليه أن تمدَ بلادُه يدَها لمساعدات سنوية بخسة من أمريكا [المساعدات الأمريكية بقيمة 1,5 مليار دولار منها 1,3 مليار مساعدات عسكرية]، وأن يتعفف بالقليل ويصبر على الكثير حتى يقوى ويكتفي، وحينئذ يصبح المصريون (شعب مصر العظيم)، أمَا وأن دولة عدد سكانها يوازي عمارة شقق مفروشة بالقاهرة تتحكم في قرار مصر السياسي والاقتصادي فعلى مصر السلام، جاء الإخوان أو جاء الأصدقاء.. مصر التي أمَّنتْ غذاءها وغذاء الدول المجاورة لها سبع سنين عجاف كما حكى القرآن لنا في سورة يوسف: ‘قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ’ (49). كيف لهذا البلد أنْ تقرع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ناقوس الخطر فيه، معربة عن مخاوفها الكبيرة حيال الأمن الغذائي، وترافق ذلك مع كشف وزير التموين المصري السابق باسم عودة أن مخزون القمح المستورد بلغ 500 ألف طن ويكفي البلاد لعدة أسابيع فقط! أترى تغيرت الأرض فغدت جدباء!! أم تغير الحكم فأفسد كل شيء بلا استثناء!! ثم كيف لهذا البلد العزيز أن يصبح همه قبول المساعدات من هنا وهناك، فأمريكا تساومه على سيادة قراره السياسي بهذه المساعدات، فقد قالت وزارة الدفاع الأمريكية مؤخراً في بيان لها: أنه بالنظر إلى احداث، أمر الرئيس (باراك أوباما) الوزارات والهيئات المعنية بإعادة تقييم المساعدة المقدمة للحكومة المصرية. بل حتى دول الخليج سارعت إلى تقديم مساعدات لا نعلم ما وراءها وماذا تريده من مصر [الكويت أربعة مليارات دولار، والإمارات ثلاثة، والسعودية خمسة، فيما كانت قطر تبرعت قبل أشهر بسبعة مليارات دولار، والبحرين تضاربت الأرقام بين مليار وثلاثة وأربعة].. إنه لشيء عُجاب!! برأيي لو اختار الشعب المصري رئيساً أميناً شجاعاً ذا همَّة وطلب من شعبه أن يعينه على بناء مصر فإنه سيجد الشعب المصري خير معين، فلا ينقصه العدد ولا العدة: فقد تجاوز الثمانين مليوناً ومنهم العباقرة والمفكرون، وزنودهم قادرة على البناء والإعمار والزراعة والصناعة وتحويل حتى صحاريها إلى مدن تعج بالحياة. بطبيعة الحال فإن الغرب وعلى رأسهم أمريكا لن يتركوا مصر تبني نفسها، وهم يحاولون جاهدين أن يكون رئيسها دائماً ضعيفاً تابعاً وليس أمامه إلا خيار الطاعة لهم، ولكن ليس عسيراً على الشعب المصري أن يؤمم كافة مصالحه ويكون ذا شخصية قوية أمام كل دول العالم وقد فعلها مرات وكان عهد عبد الناصر واحدة من تلك. أقول هذا الكلام وأنا أشعر بالأسى على شعب خرج عن بكرة أبيه يطالب بالتغيير فاحتشد ثلاثة وثلاثون مليوناً في مكان وزمان موحدين مما أُعتبر -على حد قول الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل لإحدى الفضائيات المصرية (CBC)- أنه أكبر تجمع في تأريخ الإنسانية، ثم بعد ذلك تسرق ثورته الثانية في غضون عامين وتكون هذه السرقة في وضح النهار. فمن يصدق أن مصريين سحلوا مصريين لمعتقداتهم الدينية! من يصدق أن مصريين رموا مصريين من مبنى شاهق لمعتقداتهم السياسية! نعم مازالت مصر في التيه لا تعرف أين تتجه فلا فلسفة محددة تقوم عليها ثورتها ولا رمز قيادي كبير فيه مواصفات الكاريزما يلتف حوله المصريون بحيث يأخذ بأيديهم إلى طريق الاستقلال الحقيقي المنشود. ياسر خميس – البحرين