في مصر لفظت السياسة أنفاسها من زمن، وبعد ما تم التأكد من موتها تم الإعلان عن «الجمهورية الثانية» المستجدة، مع أن الحكم الحالي هو حلقة أكثر تعقيدا من حلقات الجمهورية الثانية المستمرة، ونشأت في 13 مايو 1971، ويبدو أن أصحاب مثل هذه الأفكار العشوائية يجهلون تاريخ جمهوريتهم «الثانية» ولا يعرفون عنها شيئا، فالتاريخ المصري الحديث فيما بعد 1952، شهد أول جمهورية؛ «جمهورية الثورة» ومرحلتها الانتقالية من 1952 حتى 1956، وأثناءها أُعِيد توزيع الأراضي الزراعية، وتحدد الحد الأعلى للملكية بمئتي فدان للفرد وثلاثمئة فدان للأسرة، وما بقي تم توزّيعه على آلاف الأسر الريفية، وألغيت الألقاب؛ كأول ملامح العدل الاجتماعي للمرة الأولى في التاريخ العربي القديم والحديث، وتلى ذلك توقيع اتفاقية جلاء الاحتلال البريطاني في أكتوبر 1954، وخروج آخر جندي محتل من مصر في يونيو 1956، وتوالت التحولاث الكبرى، ومنها تأميم قناة السويس، وكانت دولة داخل الدولة.
وما بقي معروف حتى إنقلاب 1971، وحمل اسم «ثورة التصحيح» وبدأت الجمهورية الثانية على استحياء؛ إلى ما بعد حرب أكتوبر 1973، والأخذ بسياسة الانفتاح على الغرب والعودة لأحضان القوى الاستعمارية القديمة والجديدة، وتعددت مراحل الجمهورية الثانية، وخلالها تمت تراجعات كبرى في القرار الوطني والقومي المستقل، وأسفرت عن وجهها المضاد، حتى حملت وجها صهيو غربي بغيضا. وظهر بأبشع ما يكون بزيارة السادات للقدس المحتلة، ثم توقيعه «اتفاق السلام»(!!).
واستمرت المرحلة الأطول في عمر الجمهورية الثانية؛ لثلاثة عقود؛ مدة حكم حسني مبارك، وقد وصفته المراجع الصهيونية في تل أبيب بـ«الكنز الاستراتيجي» وجاءت ثورة 25 يناير، وكانت لفترة عابرة؛ سرعان ما انتهت وأُجْهِضت، وتمكنت منها الثورة المضادة، ومع وصول «المشير السيسي» تم استهداف الدولة المصرية، ووجه سخطه على جموع الشعب ومعايرتهم بأنهم «فقرا قوي» ولم يعد حريصا على«استمرار الجمهورية الثانية» بعد أن حققت الغرض منها، ولبت كل ما طلب منها؛ من تجريف وتخريب سياسي واقتصادي واجتماعي وصحي وتعليمي وثقافي، ولم يبق إلا جهاز الدولة، وحانت لحظته، والعمل على خصخصته وبيعه لشركات كبرى واحتكارات عربية وأجنبية، وتمكين «القتلة الاقتصاديين» وتسهيل مهمتهم، وزيادة سعار الجباية، والتوسع في رقعة الإفقار، واحتاج ذلك لغطاء، وهو إعلان «جمهورية جديدة» ليس لها من اسمها نصيب.
وهناك اتفاق بين الباحثين والمفكرين وعلماء السياسة حول أوصاف ومضامين نظم الحكم في العالم؛ تبدأ بالبدائي والأدنى في سلم التطور؛ كالنظام الأسري والقبلي والعشائري، ويتم التداول فيه بالوراثة بين الأسرة والسلالة الواحدة؛ ينتقل من الأباء والأبناء إلى الأحفاد والأسباط وتشمل الوراثة نظما ملكية؛ أسرية وعشائرية، وأخرى دستورية وإمبراطورية، وهي استمرار لصيغ قديمة منها ما هو مُطَوَّر ومُحَسَّن، ومنها ما لم يطرأ عليه تغيير يستوجب الاهتمام، ونشأة النظام الجمهوري كانت رومانية، أما الديمقراطية كانت إنجازا إغريقيا؛ تطورت أشكاله وصيغه إلى ما هو عليه الآن وتعددت، فمنها الرئاسي ويتولى فيه رئيس الجمهوريّة مهام السلطة التنفيذية، ومطبق في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ومنها البرلماني، ويتولّى فيه رئيس الجمهوريّة مهام السلطة التنفيذيّة من خلال وزارة مسؤولة مختارة من بين أعضاء البرلمان، ومن أمثلته النظام الإيطالي، وعديد من النظم الأخرى.
وبماذا نصف ما هو قائم في مصر، وقد تم وصفه منذ جلوس «المشير السيسي» على مقعد الرئاسة بـ«النظام الشخصي» إذا جاز التعبير، ويقبض فيه المشير على زمام كل الأمور، ويتحكم في كل شيء، ويحدث ذلك مصحوبا بكل ما يزكي به نفسه بعبارات وأوصاف مثل «انا طبيب كل الفلاسفة» ومعنى هذا ليس هناك قادر على تبادل الحديث مع من يملك الحقيقة المطلقة، وهو دائم الحديث مع نفسه وعن نفسه؛ أي من طرف واحد أشبه بالمونولوج وليس الديالوج، واعتاد الناس على ذلك.
استمرت المرحلة الأطول في عمر الجمهورية الثانية؛ لثلاثة عقود؛ مدة حكم حسني مبارك، وقد وصفته المراجع الصهيونية في تل أبيب بـ«الكنز الاستراتيجي»
وتبقى المشكلة في الجمهورية الجديدة، وخلال البحث عثرت على ما يمكني من معرفة حقيقتها، ووجدته في باب المواريث، ويُعْرَف بميراث «الخُنْثَى المُشْكِل» ويقول عنه الشيخ الراحل سيد سابق في كتابه «فقه السنة» الخُنْثَى شخص اشتُبِهَ في أمره ولم يدر أذكر هو أم أنثى، وميراث الخُنْثَى المُشْكِل أحد أبواب فقه المواريث، وعلى خلاف أصول التوريث من حيث وجود الإشكال في حال الذكورة والأنوثة، فالخنثى المشكل هو الوارث الذي أشكل حاله، ولم يتبين هل هو من الرجال؟ أم من النساء؟ ويعد من الأشياء النادر وجودها، والمخالفة لما هو متعارف عليه في مسائل المواريث، ويعرف الإِشكال بأنه: التباس الحال باجتماع خصائص الذكورة والأنوثة معا،
وما هي «الجمهورية الجديدة» وهل ينطبق التعريف الوارد في كتب ومراجع ودراسات العلوم الإنسانية عليها، ونجد أنها لا هي جمهورية رئاسية ولا برلمانية فضلا، عن إنها لا تمت للنظم الوراثية بصلة، ويَحَار مهتمون في إيجاد التعريف أو الوصف المناسب لها، وهناك خلط بين الديمقراطية والجمهورية، فـ«ديمقراطية الصناديق والصوت الواحد للناخب الواحد» إذا جاز التعبير متوفرة في الآثنين، فالجمهورية تقوم على آليات ديمقراطية تأتي بشخص منتخب هو رئيس الجمهورية؛ ويؤدي وظيفته لفترة محددة، وتتحكم الأغلبية عن طريق أعضائها المنتخبين، في مسارات الأعمال التشريعية والرقابية، وتلتقي على ميثاق أو دستور؛ تتحدد فيه الحقوق والواجبات الأساسية التي يتعين على الأعضاء وغير الأعضاء. وأجهزة ومؤسسات الدولة تنفيذها والالتزام بها واحترامها وحمايتها.
وهنا تفرض إشكالية الولايات المتحدة الأمريكية نفسها؛ أين موقعها من الإعراب؛ هل هي ديمقراطية أم جمهورية؟ تعد الولايات المتحدة الأمريكية جمهورية. أساسها القسم «أتعهد بالولاء لعلم الولايات المتحدة الأمريكية» وإلى ما قبل رئاسة دونالد ترامب تضمن القسم أنها: «أمة واحدة بعد الله، غير قابلة للتقسيم، بالحرية والعدل للجميع» ورغم علامات التصدع وبدايات الأفول فما زال النظام الأمريكي يحمل الوجهين، فيستخدم كلا الوجهين؛ نظاما تمثيليا. يقوم فيه المواطنون بانتخاب السياسيين لتمثيلهم وتشكيل الحكومة، وفي الجمهورية يحمي الدستور أو ميثاق الحقوق حقوق غير قابلة للتصرف، ومن الصعب تغييرها من قبل الحكومة، حتى ولو حصلت على أغلبية أصوات الناخبين، لكن في الديمقراطية الأغلبيات ليست مقيدة، وعلى الأقلية الالتزِام برأي الأغلبية، وهو الشيء الذي اهتز تماما في الانتخابات الأخيرة، وما صاحبها من تمرد وعنف، ومع ذلك فكل النظم الغربية، بما فيها النظم المصهينة تصر على أنها ديمقراطية!!، والديمقراطية تعني مشاركة، وتقف وراء حكومات تقر بحق كل المواطنين في هذه المشاركة؛ بشكل مباشر أو من خلال ممثلين منتخبين؛ يحق لهم اقتراح وتعديل ووضع القوانين، وهي صيغ يختار فيها الناس حكومتهم، والكلمة العليا للأغلبية. وعندما تُقَرِّر هذه الأغلبية، تلتزم الأقلية وعليها التنفيذ.
ومع كل التداخلات والخلط فهناك من ينظر للولايات المتحدة كجمهورية، ويدلل على ذلك من اعتبر قوانين «جيم كرو» التي نادت بالفصل العنصري، غير دستورية وقد تم إلغاؤها، وكانت قد طُبِّقت فيما بين 1876 حتى 1965. وهناك حالات معاصرة، حين تم رفع قضية عام 2010 ضد مشروع قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية أمام المحكمة العليا الأمريكية لأن السلطات أجبرت الأفراد على شراء وثيقة التأمين الصحي، وحصل القانون على الأغلبية، ولكن المعارضين نددوا بالقانون ومخالفته حرية الأفراد وإجبارهم على ذلك، وهي سلطة لا تملكها الحكومة في النظام الجمهوري، فالمحكمة العليا تقرر، ومن المفارقات أنها تقرر بالأغلبية من بين 9 قضاة ما إذا كانت القوانين غير دستورية.
وإن لم تكن الولايات المتحدة جمهورية، لم تكن هذه الأسئلة لتطرح، ولا كانت تلك القضايا تقدم إلى المحكمة العليا، التي بيدها إقرار أي القوانين دستوري، ولديها سلطة إلغاء القوانين التي تعتقد أنها غير دستورية. وتثبت بذلك أن سيادة القانون ودستور الولايات المتحدة أعلى وأكبر من رغبة الأغلبية، وبالتالي فالولايات المتحدة تعتبر جمهورية، ولأن مصر الرسمية تتشبه وتُقلد كل ما هو أمريكي وصهيوني، فهل الجمهورية الجديدة في مصر تتوفر فيها شروط مثل هذه؟!!.
كاتب من مصر
بدول العرب منتسبوا أجهزة عسكرية وأمنية وأقرباؤهم وأصدقاؤهم يجاوز نصف السكان وبيئة الأعمال والصناعة والأغلبية الصامتة والأقليات تفضلهم على الفوضى، بالتالي لا يصل موقع مسؤولية أو يبقى فيها إلا من كان منهم أو مدعوماً منهم ويتسلحون عادةً بالعروبة والثقافة العربية الإسلامية السمحة الجامعة مع التمسك بالهوية الوطنية فتصبح معاداتهم بمثابة خيانة عظمى للوطن والأمة، بالتالي لا ينجح الإسلام السياسي بتغيير المعادلة حتى لو حصل على تأييد غربي مؤقت كما حصل لربيع تركي إيراني بأوطان العرب والذي تبخر واندثر سريعاً
مصر تمر منذ ١٩٥٢ برؤساء كل منهم له حسنات وسيئات
عصر عبد الناصر كان العصر الذهبى لمصر حتى ١٩٦٧ وعام النكسه وجاء السادات الذى حاول ان يتخلص من الناصريين باستخدام الاخوان للتخلص من زمن ناصر
والنتيجة كان اغتيال السادات وقدوم مبارك الذى كان كل همه هو جعل الاوضاع على ما هو عليه وفى النهاية تم التخلص منه بثورة وجاء الاخوان بكلام معسول والنتيجة عند الحساب ظهروا انهم ليس الا بياعين كلام كل همهم هو السيطرة على مصر بكل الطرق والنتيجة فشلوا فشلا كبيرة وثار عليهم الشعب بكل طوائفه والان يوجد السيسى ونحن الان فى منتصف الطريق
ولو شاهدنا اليوم ما يحدث فى لبنان من مشاكل وانهيار الدولة سوف تجد معظم اللبنانيين يتموا ان يجدوا واحد مثل السيسىي يحكمهم