أشرت في المقال السابق الى قضيتين أو مشكلتين من مئات القضايا العالقة في مصر هما: تصويت العسكريين وسد النهضة. واليوم أحاول أن أبسط القضية الثالثة المهمة، وهي قضية حركة ‘تمرد’، كما وعدت في الأسبوع الماضي. اتضحت لنا اليوم بعض الأبعاد الكارثية لسد النهضة الإثيوبي بعد التطمينات الأولية السريعة التي أدلى بها بعض المسؤولين حتى في مؤسسة الرئاسة، من أن المياه التي ترد الى مصر حسب الاتفاقيات السابقة لن تتأثر ولا الكهرباء، وإن تأثرت فستكون الآثار قليلة وغير ضارة.
اليوم يتحدث الجميع بمن فيهم وزير الري، عن آثار سد النهضة الضارة على مصر والسودان وتأثيرها الضار على ‘المية والنور’، أي المياه والكهرباء. بعضهم مثل الدكتور علام وزير الري الاسبق في مصر، يؤكد أن سد النهضة أصبح هو الخطر الرئيسي اليوم الذي يواجه مصر، لأن تخزين 200 مليار مترمكعب من الماء داخل خزان السد العالي المبني داخل منطقة بركانية يهدد بكوارث طبيعية واضطرابات في القشرة الارضية. ويرى د. نصرعلام كذلك أن انهيار السد، كما هو أمر متوقع، كفيل بإغراق السودان وتدمير السد العالي. ولو قامت إثيوبيا بملء السد في عام واحد لن تصل مصر نقطة مياه واحدة. ومن هنا الخطورة، حياة أو موت، بسبب سد النهضة، الذي أثبت بعض المختصين أنه أخطر من القنابل النووية على حياة أهل السودان ومصر. ولربما كان السابقون أوعى منا بهذا الخطر، ومن ثم كانت الاتفاقيات التي تنظم استحقاقات بلدان النيل من المياه، قائمة ومرعية، ولم تفكر إثيوبيا في انتهاكها بهذه الصورة من قبل.
في مصر كلها يحشد أنصار حركة تمرد، كل الجهود والأموال الممكنة وجمع التوقيعات، خصوصا عن طريق بعض حفلات التوقيع الجماعي، لكي تنجح أهداف الحركة في مليونيات 30 يونيو، موعد مرور سنة على حكم الدكتور مرسي. بعض حفلات التوقيع الجماعي تجمع الفلاحين والعمال وبعض النقابات، وحتى النساء.
أهم ما في هذه الحملة، هو المشاركة المجتمعية الواسعة، التي توقع على الاستمارات لسحب الثقة من الرئيس المنتخب، لأنه لم يف بوعوده الانتخابية، كما تسعى الحركة الى فرض إجراء انتخابات رئاسية مبكرة..
وفي ضوء أحكام المحكمة الدستورية العليا، مؤخرا بشأن إبطال قانون انتخابات مجلس الشورى، بعد ان سبق حل مجلس الشعب، تصبح المؤسسات كلها، وكما هو في ظل أزمة القضاة، تصبح، في مهب الريح السياسية العاصف في مصر. الداعمون لحركة ‘تمرد’ يئسوا من الاصلاح او تحقيق أهداف الثورة، ويرون أن حركتهم تجديد للثورة وروح الثورة.
أما حركة ‘تجرد’ – رد الفعل الاسلامي على حركة ‘تمرد’- فتسعى الى حشد أصحاب التيار الاسلامي، لمواجهة وإفشال مساعي حركة ‘تمرد’، حتى لو بإعداد دروع بشرية لحماية الاتحادية، فضلا عن البوابات الجديدة للقصر، التي يظن البعض انها مكهربة. ليتأمل القارئ مصر بين ‘تمرد’ و’تجرد’، لك الله يا مصر.
لايزال البعض في مصر مشغولا بالبعض الآخر وليس هناك بناء للمستقبل. آثار سد النهضة وآثار حركة ‘تمرد’ يمكن أن تكون كارثية، نسأل الله تعالى النجاة لمصر، بعد أن تكالبت عليها وتكاتفت التحديات الخارجية مع التحديات الداخلية، مع سوء أداء الرئاسة والمؤسسات الأخرى، بعد ثورة يناير العظيمة صاحبة الأمل في الإصلاح والتصحيح. رصيد الرئاسة في هبوط بسبب الصراع في المجتمع، ورصيد حركة ‘تمرد’ في صعود يوما بعد يوم، حتى إن حديث محمود بدر منسق حركة ‘تمرد’، في حفل افتتاح المؤتمر القومي العربي بالقاهرة في الاسبوع الماضي أثار زوبعة وحماس بعض الاسلاميين الذين خرجوا من الجلسة، اعتراضا على السماح لممثل هذه الحركة (حركة تمرد) بالحديث في هذا المؤتمر، الذي انهى أعماله مساء يوم الأحد الماضي 2 حزيران/يونيو 2013، وبهذه المناسبة – مناسبة انعقاد المؤتمر القومي العربي بالقاهرة، كم كنا فخورين، بأن تستقبل مصر هذا المؤتمر بعد الثورة، مع الترحيب بهم وعدم منعهم من الدخول، خصوصا أن الشرفاء والشجعان من أمثال عبد الباري عطوان وليث شبيلات وغيرهما كثير، كانوا يتوقون لرؤية مصر وهي تقود الأمة العربية مرة أخرى، وأن تنخلع من محور الشر المهيمن، أقصد الأمريكي الصهيوني، وهو ما لم يكن يحدث أيام مبارك، خصوصا في السنوات الأخيرة، حيث كان مبارك كنزا استراتيجيا لاسرائيل نأمل ألا يتكرر.
وبهذه المناسبة كذلك، مر انعقاد المؤتمر بسلام، وعبرّ كثير من المشتركين في المؤتمر، من كل البلاد العربية عن فرحتهم بعودتهم الى القاهرة وعودة القاهرة إلى الصف والحضن العربي، وهم يجتمعون على بعد أمتار من ميدان التحرير العظيم. وجاء البيان الختامي للمؤتمر، مؤكدا دعم القضايا الكبيرة والمقاومة في فلسطين ولبنان، والدعوة الى إنجاز المصالحة الفلسطينية، وتوحيد الصف العربي، ورفض حكم الاستبداد، ومحذرا من مخطط الشرق الأوسط الكبير، واستمرار بعض الأوضاع السياسية والاقتصادية، التي لم تسقط مع سقوط الحكام في بلدان الربيع العربي. كما أكد المؤتمر على رفضه كافة الحلول الاستسلامية والتفريط في الحقوق العربية، وضرورة سحب المبادرة العربية للسلام، ورفض قبول مبدأ تبادل الأراضي، وقرار لجنة السلام العربية التي قبلت ذلك المبدأ. ودعم المقاومة لاستعادة تلك الحقوق. كما طالب المؤتمر كافة الأطراف السورية بقبول نتائج مؤتمر جنيف (2) للخروج من الأزمة، وحل الأزمة سلميا وحق الشعب السوري في إقامة نظام سياسي ديمقراطي، مع رفض الحل العسكري والتدخل الأجنبي، كما أكد المؤتمر ضرورة دعوة الجامعة العربية لدعم التوافق بين أبناء الشعب السوري والعدول عن موقفها السابق من الأزمة للحفاظ على شرعية الدولة، بما يعنى كيان الدولة مهما كان النظام الحاكم، كما فهمت ذلك. جاء هذا البيان الختامي للمؤتمر توافقا، وكانت أكثر القضايا حساسية هي القضية السورية، كما أكد المؤتمر على الاحتفاظ بالقضية المركزية فلسطين وبأهميتها ومركزيتها بين قضايا الأمة.
يرى بعض المحللين والاعلاميين أن شباب الثورة الذي ابتكر وسائل جديدة للثورة ضد الظلم والفساد والديكتاتورية والتوريث، هم الذين دعوا اليوم الى حركة ‘تمرد’ ومحاصرة قصر الاتحادية في مصر. بعض كبار المعارضين للنظام حتى من جبهة الانقاذ، يسيرون في ركاب وبركة حركة ‘تمرد’، ويرون أنها الأمل في التغيير المنشود، وأنها دليل على استمرارية الثورة. خسرت السلطة الحاكمة دعم عدد كبير من الشخصيات التي أيدت مرسي لاسقاط شفيق، ومنهم – على سبيل المثال لا الحصر – الشيخ مظهر شاهين الذي يؤيد حركة ‘تمرد’ لما تعرض له من ظلم ومحاولة نقله من مكان عمله، نتيجة انتقاد الأوضاع السيئة. يرى الشيخ مظهر ان تأييده لحركة ‘تمرد’ إنما هو تمرد ضد الظلم، وضد ضياع هيبة الدولة، وضياع مياه النيل، وضد ضياع الثورة المصرية من أبنائها وأولادها الذين يحاكم بعضهم اليوم بتهم، كان يمكن السكوت عنها، نتيجة مشاركتهم ودعمهم، بل والدعوة الى الثورة ضد مبارك والتوريث، في وقت كانت هناك حركات وأحزاب لا تستطع ان تفعل شيئا من ذلك.
من هؤلاء الشباب على سبيل المثال لا الحصر الشاعر الشاب الثائر أحمد دومة الذي قضت عليه المحكمة في الاسبوع الماضي أيضا بستة أشهر سجن وخمسة آلاف جنيه مصري، لا يمتلك منها الشاعر الثائر مليما واحدا هو وأسرته (زوجته)، ولم يهنأ بالزواج بعد إلا أياما قليلة. أما المتهمون في قضية التمويل الأجنبي الذين يقبضون بالدولارات فكانت العقوبة، السجن والغرامة ألف جنيه مصري لكل منهم، في نفس الأسبوع أيضا، وكان معظمهم ببركة وضغط الأمريكان قد هرّبوا من مصر. ولذلك يقول الشاعر الكبير الأبنودي :’الضحكة هازة الحكومة، إوعى تسايسهم، وسجّانينك يادومة بكرة حتحبسهم’. هكذا الصراع، لا يستطيع أن يعيش الوطن في راحة، ولابد من السجن لمن ليس في السلطة. أين العقل والحكمة والتعايش؟
بعضهم ممن يدعمون ‘تمرد’، خصوصا من الفنانين يرون أن ‘تمرد’ إنما هي حركة ضد حكم الاخوان أعداء الوطن، وهو جنوح في الحكم على الاخوان كأعداء للوطن، لسوء أداء الاخوان طوال سنة كاملة في السلطة، وضياع الانصاف، والكراهية التي انقلبت الى حقد عند الجميع، مما يهدد بضياع آثار 85 سنة في الدعوة الاسلامية، ولو قليلا.
وبعضهم يرى أن الدعوة الى دعم ‘تمرد’ هي دعوة للتمردعلى الفقر والجوع وسقوط بعض الشهداء الجدد، وضد تبرئة جميع المتهمين بقتل الشهداء وجرح الالاف في الثورة وقبلها وبعدها. ولعلنا نكتب في الأسبوع القادم بمشيئة الله تعالى، عن قضية التمويل الأجنبي في مصر، في ضوء الأحكام القضائية التي صدرت في حق المتهمين، إن لم يظهر من التحديات ما يغطي على تلك القضية.
‘ كاتب مصري
لماقرأت جزءا من مقالك أوحى لي بالعنوان (القضاء والقدر)
كأنني أمام أسطورة من الأساطير التي تحكي ضعف الإنسان أمام ما يحدث له من عقاب ،يساق إلى نتيجة يعلم سوءها مسبقا ولكن لا يستطيع تجنبها،هكذا أرى بلدكم مصر تتجه نحو الكارثة وأهلها ليس لديهم وقت للتفكير في النجاة ،هل هم معتوهون لا يدركون الأخطار المحدقة ببلدهم ؟أم إن القدر يسوقهم نحو الفاجعة ضدا على إرادتهم.
عزيزي ايها الكاتب الرائع
ان شخص بحكمتك وقدرك لا اعلم كيف لايرى الحقيقه ان اي مواطن عربي بسيط كأمثالنا يرى تلك الحقيقه واضحه وجليه وهي يجن ان لاتبقى التجربه الاسلاميه ويجب عدم اعطائها اي فرصه لالتقاط انفاسها لماذا لاتكونو ديمقراطين وتتثقفو بهذه الثقافه التي يرفضها اعداؤنا لنا ……سيدي الكبير الذي اعرفه ومتأكد منه انه لايمكن ان تكون لميس الحديدي شخصيه وطنيه تخاف على مصر اكثرمني انا وكذالك مجدي الجلاد والكثير من هذه الاشكال التي كانت تطبل وتزمر لمبارك عذرا سيدي الكاتب عليك ببصيرة اعمق منا نحن العامه
التوقيع :مواطن عربي