مصر تضع امام الغرب اختيارا مشوشا بين ديمقراطية الاشرار وطغيان الاخيار

حجم الخط
0

ما يجري في مصر هذه الايام يطرح التخوف من أن يكون الرئيس اوباما، الذي حصل على جائزة نوبل للسلام سلفة، يتعين عليه أن يعيد المال في نهاية المطاف. فمع أنه يشجب بشدة سفك الدماء في شوارع القاهرة ويحمل نظام الجنرالات مسؤولية ذلك، ولكنه من جهة اخرى يقول ان مرسي نفسه مذنب في سقوطه، لان ‘حكومته لم تعمل من أجل كل فئات السكان في مصر’. وهذا، بالمغفرة، عذر بائس لموقف التذبذب الرئاسي، إذ من هو مثل اوباما يعرف من التجربة الشخصية بانه لا يمكن الحكم على انجازات او قصورات حكم جديد، بعد أن تكون مرت سنة واحدة فقط من لحظات الوعد الكبرى لرئيس منتخب.
اوباما نفسه، بعد نحو سنة من يوم انتخابه، كان الانطباع العام هو خيبة أمل واحباط تتقاطع فيهما كل المعسكرات، وبعد نحو سنة اخرى حزبه تلقى سلسلة هزائم في انتخابات منتصف الولاية، ومع ذلك، عند الموعد اختاره الشعب الامريكي لولاية ثانية باغلبية كبيرة مثيرة للدهشة. وهذا كل ما يطلبه مؤيدو مرسي: فقد اختير الرجل في انتخابات ديمقراطية، اعطوه فرصة لاثبات نفسه. اذا لم ينجح مع قدوم اليوم تذهبون الى صناديق الاقتراع وتستبدلونه.
ولكن هذه الفرصة لم يرغب الجيش المصري في اعطائه اياها، ليس لانه لم يصدق ان مرسي يمكن أن ينجح بل العكس لان كل المؤشرات أظهرت انه قد ينجح. ولما كان ذلك، فقد امتطى الجيش اكتاف المتظاهرين واستولى على الحكم بالقوة. ومع كل التخوف المفهوم من المجهول الكامن في حكم الاخوان المسلمين، لا توجد اي امكانية للتغطية على حقيقة أنه كان هناك انقلاب عسكري ضد حكم منتخب.
. والعالم الغربي يتشوش حقا لانه في الاساطير الجميلة التي رويت له لا يمكن لمثل هذه المعضلة أن توجد.
في الاساطير، الديمقراطية يجب أن تكون للاخيار والطغيان يجب أن يكون للاشرار. فما العمل حين يحطم الواقع الاساطير.
في الحالة المصرية ‘الاشرار’ هم الاخوان المسلمون، وهم أشرار لانهم متدينون، مناهضون للغرب واصوليون ولكنهم انتخبوا في انتخابات ديمقراطية. و’الاخيار’ هم الجنرالات برئاسة السيسي، وهم اخيار لانهم علمانيون ويتحدثون الانكليزية الطلقة ومصالحهم ترتبط بالمال والقوة والفساد الشخصي، وهذه قوى عقلانية وقابلة للتحكم. ولكنهم ـ الاخيار ـ استولوا على الحكم بالقوة، القوا بالرئيس المنتخب في السجن ويطلقون النار على المتظاهرين في الشوارع.
العالم برئاسة اوباما لا يزال يجلس على الجدار، ساق هنا وساق هناك، ومن شدة الحرج يشجب الطرفين. ولكن الانطباع العام هو انه في نهاية المطاف سيتخلى عن الديمقراطية ويدعم الطغيان العسكري على الا يكون الاشرار في الحكم.
من الصعب أن نعرف اذا كان هذا هو ما ينتظر مصر في السنوات القادمة، ثمة أمران باتا واضحين جدا منذ الان: أولهما، السياقات الجارية في العالم العربي اكثر تعقيدا بكثير من القصة القديمة عن الاخيار والاشرار، وزعماء العالم العربي لا ينجحون في أن يفهموها. وثانيا، في هذا المجال فان جموع الناس الذين يحتشدون في الميدان وينجحون في اسقاط طاغية عجوز لا يبشرون لا بالربيع ولا بالديمقراطية، بل بالاساس مرحلة انتقالية مضرجة بالدماء من حكم طغيان قديم الى حكم طغيان جديد.

معاريف 19/8/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية