قدم مقال في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، تحت العنوان أعلاه، إضاءة على جانب مهم في «الحالة المصريّة» حيث يعرض ابتداء من رسالة وصلت أحد الباحثين في معهد هدسون في الولايات المتحدة الأمريكية تقول إن «كوفيد ـ 19 كان جزءا من مؤامرة صممها الغرب» وتشرح الرسالة كيف أن «جهاز المخابرات البطولي في مصر قد حيّد المؤامرة المخادعة» وكيف تصرّفت السلطات إثر ذلك فقامت وزيرة الصحة المصرية بزيارات إلى الصين وإيطاليا لتزويد البلدين الصديقين بالعلاج الذي ابتكره المصريون، وتشرح كيف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استجدى بنفسه المساعدة من مصر» وتخلص الرسالة إلى استنتاج «القيادة العالمية لمصر».
تربط المقالة نص الرسالة العجيبة بازدهار نظريات المؤامرة التي تعتبر المنطقة العربية مرتعا كبيرا له، سواء تعلّق الأمر بهجمات أيلول/سبتمبر الأمريكية، أم بظهور تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهي نظريات انفتح الباب لها واسعا مع حدث انتشار فيروس كورونا المستجد في العالم، من دون أن ننكر إسهام أجهزة أمن ومراكز دعاية لدول عديدة في نشر هذه النظريات، غير أن هذا الاتجاه أخذ منحى مصريّا فريدا، منطوقه أن «قوى الظلام العالمية» تتآمر ضد مصر، وذلك بسبب دورها القيادي الخطير في «الشرق الأوسط» والعالم.
كان يمكن صرف هذه الأفكار واعتبارها أشكالا من الهذيان والأمراض النفسيّة لولا المشاركة الفاعلة لأجهزة وشخصيات مصريّة، تبدأ من الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه، مرورا بوزراء حكومته، وموظّفي الإفتاء والأوقاف، وصولا إلى الشخصيات الإعلامية والرياضية المحسوبة على النظام، بشكل يجعل المتابعين للوضع المصريّ يلاحظون أن هذه «النظرية» صارت جزءاً من نسيج السياسة والدعاية الرسميّة المصريين.
ينتبه مقال الصحيفة الأمريكية إلى تركيز الانتقادات الغربية على سجل مصر البائس في مجال حقوق الإنسان، وهو أمر يغفل دور الدولة في «مكافحة المؤامرات الوهمية بسرد مضاد لنجاحات متخيلة»، ومن ذلك ترويج وسائل الإعلام الموالية للنظام عام 2013 بأن البحرية المصرية انتصرت في صراع مع الأسطول الأمريكي السادس (وقبضت على قائد الأسطول)، وبعدها بعام روّج صحافيون برعاية الأجهزة الأمنية والعسكرية للنظام عن علاج مصري لفيروس الأيدز، بل إن «انتصارات» النظام لا تكتفي بالحاضر بل تتسع إلى الماضي حيث روّج الجيش المصري في معرض نظمه عام 2015 عن كونه كان عاملا رئيسيا في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى!
تنفخ سرديّات النظام المصري في اتجاهين، الأول هو تعظيم شأن «المؤامرات» الكبرى ضد هذا النظام، والثاني هو النجاحات الخرافية لهذا النظام ليس في «دحر» هذه المؤامرات فحسب، بل في تأكيد الدور المركزي للقيادة السياسية والأمنية للنظام في العالم.
تعمل هذه السرديّات الغريبة على تعطيل التفكير المنطقي والعقلاني لدى المصريين، وتقوم على تبرير الشرّ الفظيع الممارس ضد أي أشكال المعارضة لهذه السلطات، وهو شرّ منفلت من عقاله لأن «المؤامرات» كبرى، ولا تقتصر على «قوى الظلام» الداخلية أيضا بل على أشخاص عاديين تقتصر أعمالهم على الترجمة أو التأليف أو الغناء.
لا تعبأ منظومات الدعاية والإرهاب بالعقل، ولا تهتم بحجم التناقضات الكبيرة، فالدعاية ستتكفل بتبليد الحسّ ونشر الزيف والتضليل، والأجهزة الأمنية تتكفل بكل من يتجرأ على مساءلتها أو التشكيك بها، والنتيجة أن البلاد تسير بأكملها نحو كارثة «كبرى» لا يمكن لمؤامرة داخلية أو خارجية أن تتسبب بها!
حال المصريين اليوم يذكرني بقصيدة أحمد شوقي : ” كان للغربان في القصر مليك ” حين أنذر ندور الخادم الغراب الملك أن سوسة بدأت في قضم النخلة التي يعيشون عليها ، فتكبر الغراب عن كلام خادمه ، وبعد سنوات سقطت النخلة وهوى عش الملك ..
المصريون ما زالوا يعيشون بعبارة مصر أم الدنيا، يظنون أنفسهم أعلم الناس وأعرفهم بكل شيء بالعلوم والتكنولوجيا والفلسفة والفقه وووو، وكذبوا على أنفسهم وصدقوا كذبهم، فبقوا في عبادة رؤسائهم ابتداء من عبد الناصر إلى السيسي، فالدول تتقدم وتتطور وهم يعيشون على ماضي الفراعنة.
فهم لا يقارنون أنفسهم بدول العالم الثالث بل يرون أنفسهم أعظم حتى من الدول العظمى، يقارنون أنفسهم بأمريكا وألمانيا، ويخلقون تاريخا ملؤه البطولات من الفراغ، ويخلقون أبطالا من الورق، ويزعمون بانتصارات عظيمة على الإسرائيليين، رغم الهزائم المتتالية التي ألحقها بهم جيش العدو الإسرائيلي .
فجل الشعب المصري بالكاد يجد قوت يومه، والدولة تنفخ بالأكاذيب مكانتها بين الدول.
يا مصريين ضعوا أقدامكم على الأرض، وانظروا إلى الواقع المعيش فالدول العظمى قد فاتتنا يقرون لأنها استعملت العقل والمنطق والعلم فوصلت إلى ما وصلت إليه اليوم .
أما نحن العرب نعيش على الذكريات والأطلال حتى بقينا في ذيل الحضارة .