.. وهكذا – كما قلنا في مرة سابقة – تحقق الجزء الأول من خارطة الطريق التي وضعتها القوى السياسية والتيارات الثورية والمجتمعية في مصر منذ نحو ستة أشهر، حين أعلنت لجنة الخمسين انتهاءها من وضع مسودة الدستور الذي سيستفتي عليه الشعب يومي 14 و15 من الشهر القادم.
أخيراً تمكنت الغالبية العظمى من أبناء الشعب المصري أن تُنفذ عزيمتها، فرغم المعاناة تمت كتابة الدستور، الذي كانت القوى الوطنية تطالب منذ اذار/مارس 2011 أن يكون سابقاً للانتخابات البرلمانية والرئاسية، ونجحت الغالبية الشعبية أن توقف القوى المناوئة لحركتها الثورية من ان تتمكن مرة أخرى من تزييف الحقائق ولي الأذرع لكي تستأثر مرة ثانية بالمكاسب الثورية بمفردها، وتمت مناقشة ما تم التوصل إليه بالتوافق والرضا بشفافية، ووفرت للمواطن العادي ولمن سيترشح لعضوية المجلس النيابي القادم أو لمنصب رئيس الجمهورية أو من سيُكلف برئاسة الوزارة التالية أو بعضويتها أن يتعرف بصدق على ما هو مُقدم عليه من تحمل للمسؤولية وما هي واجباته في كل الأحوال، وما هي علاقته بمؤسسات الدولة،
هذه الغالبية بعد أن تابعت الجهد الصادق الذي بُذل، لكي ترى الدستور بين يديها، عرفت بكل صدق أن طريق الديمقراطية طويل ويحتاج لجهد حتى يأتي الصندوق بالنتيجة التي تتوافق مع طموحاتها وتحقق من خلاله مطالبها وتضمن أنه سيضع شعارتها التي أطلقتها منذ كانون الثاني/يناير 2011 وظلت متمسكة بها إلى اليوم، موضع التنفيذ.
لذلك لا نجافي الحقيقة حين نقول ان هذه الأغلبية الشعبية تؤمن بصدق أنها وضعت قدمها على أول الطريق الطويل الذي سيحقق لها حلم تأسيس الحكم المدني القويم الخاضع للمراقبة والمتابعة، تحت مظلة مؤسسات تنفيذية وشعبية تطبق مواد الدستور وما سيتمخض عنها من قوانين وقرارات واضحة وشفافة ليس فيها إلتواء.
ليس هناك مجال في رأيي أن نفتح الباب لأي تشكيك في ما سطرته أيدي بعض من خيرة أبناء مصر، سواء اتفقنا أو اختفلنا معهم، لأنهم ببساطة أدوا مهمتهم على أكمل وجه، فقد وثقوا في أنفسهم وابتعدوا عن كل ما يفرق بينهم، واتسع صدرهم لما طرأ بينهم من خلاف في وجهات النظر وفي تناولهم للأمور وتفسيرهم لمختلف القضايا، ليس من قبيل التباهي القول انهم أثبتوا أن نقاط الخلاف على ما قد يبدو فيها من جوهريات لا تعطل أي عمل قومي.
قصدت بالفقرة السابقة الإشارة بإيجاز إلى ما أثارته بعض الأقلام حول مدنية الدولة أو مدنية الحكومة، حيث اتضح بعد أن انقشعت سحابة الترويج لما ليس بحقيقة أن ما تداولته بعض الأقلام لم يكن له مكان في الديباجة ولم يُقصد به تغيير أو تعديل أو ما شابه. أقول ويؤيدني كثيرون، لم يطرأ على مسودة الدستور التي تابعناها وعشرات الألوف غيرنا تتلى وتناقش ويصوت عليها، أي تغيير، وما جرى على ألسنة البعض من حديث حول الدولة المدنية والحكومة المدنية كان من قبيل المخاوف التي لا ظل لها من حقيقة، لأن كل ما جرى من خطوات وأقوال وتعليقات وتأييد أو رفض مسجل بالصوت والصورة، كما أن الهواجس التي لم يكن لها ما يبررها حتى لو قال البعض انها نشأت في ضوء التجارب المريرة التي مرت بها جموع الشعب المصري منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، لم يكن هناك ما يبرر التمسك بها وتضخيمها او الإصرار على تردديها.
وليس من قبيل المبالغة الإشارة إلى أن دستورا يحدد وبوضوح وقوة هوية الدولة ولغتها وثقافتها، ويقررفي مادته التاسعة أن التعليم حق لكل مواطن وأن الدولة تتكفل بتوفير سبل مجانيته بمختلف المراحل، وينص على توفير وضمان حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير وحرية البحث العلمي والابداع الفني والأدبي، ويلزم الدولة أن تعمل على حمايتها والنهوض بها، ويحذر القيام بما يعوقها إلا عن طريق النيابة العامة ويُحرم توقيع عقوبات سالبة للحريات، إنما هو دستوري يقيم دولة مدنية في المقام الاول.
وأضيف بيقين، ليس في قواميس العلوم السياسية وأدبياتها المتعارف عليها في الدول الغربية ما يشير إلى مدنية الدولة أو عدم مدنيتها، وما جرى على ألسنة القوى الريادية والنخبوية في المجتمع المصري منذ بضع سنين من تداول وتمحيص لمصطلح ‘الدولة المدنية ‘ فريد من نوعه، لأنه جاء رداً من جانبهم على كافة محاولات قوى التيار السياسي الإسلامي أن تروج له عندما سعت حثيثاً لفرض مصطلح ‘الإسلام هو الحل’ على المجتمع المصري، ففي بداية مشوارها نحو كرسي الحكم استخدمته كشعار يمهد لها الطريق، ولما تمكنت استخدمته لتفكيك مفاصل الدولة الوطنية الحديثة لإحلال أخرى دينية محلها.
ما يقال في أدبيات الدول الديمقراطية في هذا الخصوص ينصرف كلية إلى المجتمع المدني ويتحدث عن مقوماته وعن العلاقة العضوية التي تربط بينه وبين الدولة، لتحديد الحقوق التي يجب الوفاء بها للمواطنين كاملة غير منقوصة تحت رعاية ورقابة المجتمع، وكذا الواجبات التي يتلزم بها المواطن تجاه دولته ومؤسساتها التنفيذية التشريعية، وتوضح الفروق الجوهرية بين ما هو مدني وما هو عسكري.
الارتباط الواضح بين المواطنة وحقوق المواطنين وواجباتهم، كما نصت عليه العديد من مواد الدستور المصري/ 2013 يعني بوضوح أن مسار المرتكزات الديمقراطية كما تتطلع إليها الغالبية الشعبية يبدأ من التفعيل القانوني لمواد الدستور التي تشترط لمدنية الدولة أن يحكمها ابناؤها، لذلك حرصت على تأكيد ضرورة نقل الجزء الاكبر من مركزية الدولة إلى المحليات، ونصت على حتمية إجراء الانتخابات الحرة لتشكيل المجالس المحلية من إدنى مستوى إلى مستوى المحافطة بتطبيق مبدأ أن يحكم الجماهير أنفسهم بأنفسهم.
هذا الربط الواضح بين مدنية الدولة من ناحية وحق أبنائها في القيام بالدور الأساسي لإدارة شؤونها عن طريق الترشح للمناصب النيابية في أبسط مستوياتها ممثله في مجالس القرى والمراكز، وأعلاها ممثلة في المجلس النيابي من ناحية أخرى، يحتاج إلى رعاية حقيقية من جانب جميع الفئات والتيارات السياسية والمجتمعية + تفعيل قانوني لتطبيق نصوص الدستور بلا زيف او إهدار + ضمير حي وواع ومتيقظ للمراقبة والمتابعة من، مؤسسات التعليم والثقافة والإعلام، والمجتمع المدني على اختلاف توجهاته، و كل الحريصين على أن تستكمل ثورتا يناير ويونيو مسيرتهما الإصلاحية.
في رأيي أن المخاوف التي طرحها البعض تجاه قدرة المؤسسة العسكرية على تقويض مقومات الدولة المدنية، لأن الدستور لم ينص صراحة على ذلك في ديباجته وضمن نصوص مواده، لا محل لها على الساحة اليوم، لأن دستور مصر الأول الذي صدر عام 1923، في ضوء ارهاصات ثورة عام 19 وما جرى عليه من تغييرات وتعطيل وتعديل على امتداد نحو ثلاثين عاماً حتى قامت ثورة يوليو 52، وما أقرته تلك الثورة الوطنية من دساتير تناسب شعارتها وتوجهاتها الجمهورية، لم تأت على ذكر ‘مدنية الحكم أو مدنية الحكومة’، ورغم ذلك سارت الأمور في مسار عاب عليه الكثيرون اعوجاج التطبيق والتحيز وفقدان الحس الأخلاقي عند وضع القوانين او تنفيذ ما تنص عليه، من دون إشارة ولو مبهمة الى أن سبب ذلك كله هو افتقاد النصوص الدستورية لما يوضح تلك ‘المدنية’.
وفي المقابل علينا أن نحتكم في مسودة الدستور التي بين إيدينا إلى بابي هوية الدولة ونظام الحكم، لكي يتأكد لنا أن مدنية الدولة مؤكده ومصانة في معظم المواد التي صيغت فيهما. وإذا كان غالبية سكان مصر يدينون بالدين الإسلامي من قبل ان تنص المادة الثانية من دستور عام 1971 على ديانة أهل البلاد ومرجعيتهم الإسلامية، فلا خلاف على ان هذه الغالبية تؤمن وتعضد مدنية الدولة وستحافظ على ما حققته من مكاسب، من دون أن تكون في حاجة إلى نص دستوري يحفزها على ذلك أو يفتح عينيها على أهميته أو يذكرها بضرورته لشق طريقها نحو الحرية والعدالة الاجتماعية وحريات التعبير وحقوق الإنسان.
‘ إستشاري اعلامي مقيم في بريطانيا
[email protected]
الصدفة وحدها تجعل من نشر هذه المقالة أن يكون بها عدة مفارقات..
وقد لاحظنا كلمتان ترددا العديد من المرات…الديموقراطية..والمدنية ..! !
أين الديموقراطية…من قيام وزير دفاع عينه رئيس منتخب من الشعب(ولأول مرة فى تاريخ مصر ) بإنقلاب..نرى جميعا عواقبه ؟..وبحجة قيام جزء من الشعب بما سماها ثورة 30 يونيو لمسح ثورة يناير 2011….ولمدة 6 ساعات ليتولى قائد أمور البلاد..ويعين رئيس مؤقت..ووزارة مؤقتة…وإتضح أنه رأى
حلم فى المنام أنه سيكون رئيسا للبلاد ؟…وسقوط آلاف الشهداء..والمصابين..
وآلاف المعتقلين المناهضين للإنقلاب…ومنهم تلميذ فى عمر 15 سنة..معتقل
بسبب حيازته…مسطرة !! عليها عبارات وشعار رابعة ؟؟
أما كلمة …مدنية…ولايضاهيها أو يناقضها إلا كلمة…عسكرية إ إ
وأحيل الكاتب لتصريح الدكتور محمد أبو الغار أمس عن إنتقاده لكلمة مدنية…
أو دولة..حكمها مدنى…! فى وثيقة الدستور.الذى سيطرح للإستفتاء..
(وهو عضو فى لجنة الخمسين ! ).
وما رأى الكاتب…فى إعادة إنتخاب المسشارة الألمانية..أنجيلا ميركل..للمرة الثالثة..وهى على رأس حزب له مدلول دينى ؟؟
(حزب الإتحاد الإجتماعى المسيحى ) !! .