مصر: رمية النرد الأخيرة

حجم الخط
7

المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية لم يرشح المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والصناعات العسكرية، لمنصب رئاسة الجمهورية المصرية. المجلس اكتفى بإعطاء الضوء الأخضر للفريق المشير. طلب منه تحكيم ضميره. الكرة الآن في ملعب السيسي. الجماهير أثبتت في أكثر من مناسبة أنها تريد السيسي رئيساً. نزلت في 30 يونيو لتقول ذلك تقريباً. وقدمت مؤخراً أصواتها بقوة للتصديق على الإستفتاء الخاص بالدستور وكأنها تقول له نريدك رئيساً. وفي الذكرى الثالثة لانتفاضة 25 يناير جددت الجماهير المحتشدة في ساحات مصر وميادينها إعلان تأييدها للسيسي ومطالبته بالترشح للرئاسة المصرية.
واضح تماما أن هناك فعلياً ميلا جارفاً لدى القواعد الشعبية المصرية لرؤية هذا الرجل في المنصب الأول للجمهورية. الناس تريده ربما لفشل جميع القيادات المدنية في قيادة انتفاضة الناس التي نزلت في 25 يناير منذ ثلاث سنوات تحت شعار ‘عيش حرية عدالة إجتماعية’. الناس تريده لفشل الإخوان بالإتيان بما وعدوا به. لكن الناس ليست راضية عن معارضة الإخوان، الثوار الآخرين. الناس تريده ليس لأنه السيسي بل لما يمثل. فالسيسي ليس بطلا شعبياً ولم يقم بأي شيء علني يجعل منه البطل الأوحد بعيون المصريين. الناس تريد الجيش بالواقع. فالناس الخائفة من المستقبل عادت إلى القوة التي توحي بالدولة في مصر، إلى الجيش، وهذا تاريخي.
خلال الثورات لا تخشى الناس المستقبل بل تستعد له. الناس تثور من أجل المستقبل الذي تقدم النخب صورة عنه. الناس تثور على حاضر لم يعد يناسب عيشهم وحياتهم، بكلمات غير واضحة ربما، بشعارات ملتبسة حتما. تثور الناس عندما يصير الصبر أقل من الخوف. أما العودة إلى الوراء وبطلب جماهيري واسع فمبعثه أغلب الظن ما يشاهده المصريون لدى جيرانهم من ‘انفجار’ المجتمع من داخله، من الحروب الأهلية التي بدت وكأنها تطل برأسها في مصر أيضاً. وقد يكون لهذا التراجع باعث آخر يتمثل بغياب الرؤى المستقبلية لدى غالبية القوى السياسية المشاركة بالثورة.
إلا إذا كان هذا الخيار التراجعي بالشكل تقدما بالمحتوى. قد يكون الناس مقتنعين بقدرة الجيش وحده على انتشال مصر من مشاكلها الكبيرة. قد يكون الناس يرون بالجيش قوة سياسية تقدمية. ولهذا ترى الجماهير في السيسي ناصر المرحلة. تماهي الجماهير بين السيسي وناصر لحاجتها ربما إلى رجل تقدمي يعيد تجربة ناصر السابقة. تلصق الجماهير صورة جمال عبد الناصر على رجل الجيش القوي اليوم لكي تتفادى ربما الإعتراف بالفشل.
الخوف من انكشاف الوضع المصري على المجهول دفع الناس إلى العودة إلى ورقة الجيش. لكن الخوف وحده لا يزيل العوائق المتراكمة في طريق مصر. الخوف وحده لا يجترح حلولا سحرية لمعضلات التنمية والبطالة والصحة والتعليم والتبعية والتجويف الإقتصادي باللبرلة والتصحر والسكن والحرية وتداول السلطة. الخوف يدفع الناس للتمترس خلف ما بقي من مؤسسات الدولة المصرية للحماية من المجهول. لكن الخوف لا ينتج مشروعا للمستقبل. لا ينتج رؤية.
الفريق السيسي لم يعلن ترشحه بعد ولم يعلن برنامجه للمستقبل كما أنه لم يقل إذا ما كان ناصرياً أم لا. قد يفعل وقد لا يفعل. بانتظار ذلك يعرف الجيش، والفريق السيسي على رأسه، أنه يستطيع ربما، إذا أراد، إعاقة زحف العنف والتقاتل الأهلي الذي يهدد مصر. وقد يتمكن من إعادة الإستقرار إلى البلاد لفترة وجيزة. قد يتمكن ربما من تحييد مصر عن الهيمنة التركية إقليمياً. لكنه يعرف حجم التحديات التي كانت في أساس انطلاق الإنتفاضات الشعبية. صبر الناس قد ينفذ سريعاً وأحلامهم قد لا تقبل الإنتظار الطويل هذه المرّة.
المعونات الخليجية والأميركية لم تعد تشكل بذاتها ضمانة استقرار على المدى الطويل لا سيما أنه أضيف إلى شروطها السياسية السابقة شرطا جديدا يريد أن تلعب مصر دوراً إقليمياً طائفياً بمواجهة إيران، جارة العرب. كأن ما كان يكبل مصر سياسياً من خلال اتفاقيات كامب دايفيد لم يكن يكفي فأضيف الجديد حتى زاد في الطنبور نغمة. المشكلة هنا ستكون مأزقية بالنسبة للجيش وللرئيس أيا كان إسمه. فرفض الدور يحرم مصر المعونات الحيوية وقبولها له يشكل لها مصدر عدم استقرار إقليمي سرعان ما سيعود عليها عدم استقرار داخلي.
ينتظر الجميع كلام المشير الجديد. فعلى كلامه يتوقف الكثير من الوضوح في خطة سير مصر بالمرحلة القادمة. المعادلات صعبة، سواء على الصعيد الداخلي أم الإقليمي، وهي تحتاج إلى أجوبة واضحة وصريحة. لم تعد البلاد تقاد على الطريقة القديمة والمشاكل صارت من الضخامة بحيث لم يعد يمكن التعايش معها.
المناورات السياسية لتذليل العقبات أمام مرشح الجيش وجعله المرشح الوحيد القادر على النجاح والأكثر جماهيرية والأكثر قبولا، المخلّص حتى، هي أسهل بألف مرة مما ينتظر هذا الرئيس من تحديات. جماهير مصر تطلب جمال عبد الناصر لأنها تريد التغيير. وفي مصر التغيير اليوم ليس في زي الرئيس ولا في أسلوب كلامه، بل في نوعية الأجوبة التي يحملها. التغيير الحقيقي يستوجب استعادة السيادة الوطنية والإقتصادية لتتمكن الدولة المصرية من القطع مع أواليات السوق الدولية فتعيد إطلاق الماكينة الإنتاجية الوطنية وتوسّع مداها بحيث تصبح قادرة على استيعاب الطلب الهائل على العمل وتنتدرج في إطار مشروع عربي واسع للتنمية العربية والإقليمية. إنقاذ مصر لن يكون في العودة إلى قواعد اللعبة القديمة بل بتموضع سياسي جديد يقطع مع من عمل ويعمل على تقطيع أوصال الأمة ونهبها وتجويفها ومنعها من بناء دولتها الحديثة الصاعدة.
لولا هذا التطلب للتغيير الفعلي لما عادت الجماهير المصرية إلى تذكر جمال عبد الناصر. وبدون هذا التغيير وإعلانه صراحة فإن أياماً حالكة تنتظر الجميع، مصريين وعرب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مغربي تؤلمه مواقف من كنا نعتبرهم نخبة:

    لا يمكن لمصر أن تنهض من دون إشراك كافة طاقاتها الحية.والإخوان هم أول وأهم هده الطاقات.ولكن هناك قوى خارجية تتربص بمصر والعرب على العموم.

  2. يقول العربي:

    الواضح لديك ايها الكاتبة الموقرة لا تعتبر حقيقة من اصلو من وجهة نظر الغالبية.
    ان يكون واضحا ان الشعب يريد ترشيح السيسي وان يكون واضحا ان الشعب نزل في 25 ياناير يقول للسيسي في عرضك احكمنا فهذا في نظرك واضح ,ما هوا اقرب الي الوضوح ان الشعب بغالبيته المغيبة بقوة السلاح لا تريد السيسي ولا كل من يسيس معه بل تريد حكم مدني وتريد ان يلغا من تاريخ مصر القيادات الربانية التي تامر فتطاع وتحارب فتهزم وتسجن وتقتل لان العدو بتربص في الخارج وعلينا ان نسكت كل صوت معارض.
    الزمن هذا قد ولا الي غير رجعة ,وهناك جيل الان لن يقبل باي بديل عن الديمقراطية والدولة المدنية.و النخب المدنية الرجعية هي من اوصل مصر الي هذا المنعطف الخطير في تاريخها الذي يكاد ان يقسم مصر .
    تونس اعطت لكل الدول العربية المثال في الثورة واعطتهم المثال في ما بعد الثورة.

  3. يقول ابو سامي د.حايك:

    الحقبه تصنع تاريخها و التاريخ لا يعيد نفسه و أنا لست أبي و لا إبني أنا و على كل جيل أن يحل مشاكله بنفسه و إذا كان هناك ما نريده في السيسي من عبد الناصر هو أن يقف و يتحدث إلى الجماهير مباشرة في جرأه و بشفافيه كما فعل مثلا عبد النصر في مناسبات لا تعد و لا تحصى و أخص بالذكر خطابه في دمشق أيام الوحده حينما رفع الشيك بقيمة نصف مليون دولارالتي سلمته السعوديه لعبد الحميد السراج رئيس المخابرات آنذاك لكي يعمل على تقويض الوحده بين سوريا و مصر (و السرّاج سلّمه لعبد الناصر) و انعكست الأمور اليوم حيث تمد السعوديه مصر بالأموال في نزيفها الإقتصادي و لا يسع السيسي إلا أن يستحسن ذلك بالتصفيق حثّاً على المزيد و نحن أمام حقبتين (و كم تخاصم العرب و تصالحوا) و المنشود اليوم هو نعم الإستقرار و “الرجل القوي” و “القبطان” و هذا بالطبع شيئ أساسي و لكن لا عوض عن الديمقراطيه و التعدّديه فهناك أمثال عديده لرجال أقوياء انتشلوا بلادهم من الأزمات و لكن بثمن باهظ و على الشعوب التي تستدعي الرجل القوي أن تقوم بدورها بأن تبقى يقظه و لا تسلّم أمورها له بدون مراقبه و محاسبه حتى لا ينحرف عن الطريق و ما هي في مصر الآن إلا مرحله من الفوضى إلى الإستقرار و عودة الشعب إلى كتله قويه متّحده و انهاء العنف بكل أشكاله و دواعيه و الأمر بيد الشعب إذا كان يريد الإستمرار في النزاع الفتّاك بين سيسي و مرسي أو يبدأ صفحه جديده لأجل بناء مصر و تخلّصها من النفوذ الخارجيه و أن تقف في وجه إسرائيل و تُلغي المعاهدات المقيته و لا حاجه لسفير إسرائيلي في القاهره و هذه أول علامات الحريه و السياده و غير هذا ليس بتغيير

  4. يقول سالم الاكحل:

    تقولينا : الجماهير أثبتت في أكثر من مناسبة أنها تريد السيسي رئيساً. نزلت في 30 يونيو لتقول ذلك تقريباً. هذا غير صحيح.
    ألناس خرجت تطالب بانتخابات مبكرة.
    http://mondeenmouvement.wordpress.com/

  5. يقول sameh samy:

    لا احد فى مصر اصابه الجنون حتى يطلب اقصاء مصرى عن المشاركة فى صناعة مستقبل بلاده ولكن على اساس ان يكون مؤمنا بالدولة المصرية وليس رافضا لها وطالبا لازالتها لاقامة كيان وهمى فى ذهنه ومخيلته اسمه الخلافة مثلا وهذه مشكلة الاخوان لذا فهم مستبعدون كجماعة تمارس الارهاب وترفض الدولة التى يمتد عمرها ل7000 سنة فى اعماق التاريخ ..عليهم ان يتغيروا ليندمجوا مع باقى الشعب او يلفظهم الشعب بعد ان كشفهم حين حكموا ..كانوا فى السابق يعيشون على المظلومية والشعارات الطناطنة وازمتهم نشات حين حكموا فكشف الشعب انهم ليسوا منه فكرا ولا ثقافة ولا يحملون نفس النظرة للمستقبل

  6. يقول علي محاسنه:

    للاسف الشعب المصري لا علاقة له بالسياسه من ذلك مثلا خروجه يوم تنحى عبدالناصر بعد اكبر هزيمة منيت بها مصر والدول العربيه في ال 67 نتيجه للحكم العسكري المستبد.واليوم يعيد التريخ نفسه بتوسل نفس الشعب لشبيه الدكتاتور بتولي الحكم.وبكره تشوفوا مصر

  7. يقول العربي:

    للاخ سامح,الاخوان هم غالبية الشعب يا سيدي فهم في خمس استحقاقات اثبتو ذالك ولا يستطيع كائنا من كان ان يحدد الخطوط العريضة للشعب المصري الا اذا اختاره الشعب للقيام بذالك,فما تدعيه عن الاخوان هوا ما ينطبق علي النخبة المدنية التي تتحدث انت بصوتها,والاقلية هي التي يجب ان تغير نفسها لكي لتندمج في اغلبية الشعب وليس العكس يا سيد سامح!
    وانا ارجو من اي انسان ان لا يقول الشعب يريد او الشعب كذا او كذا لان هذا تعبير يعني في الديمقراطيات الحقيقية ان الشعب اختارك لان تقول ذالك,وما شهده العالم باسره ان الاخوان هم من فازو بالاغلبية في كل انتخابات جرت ,يعني هم الوحيدون الذين يحق لهم قول الشعب يريد!

إشترك في قائمتنا البريدية