مصر: سد النهضة والقناة ووساطة الإمارات

حجم الخط
20

طرأ تغيّر ملحوظ في طريقة حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول «سد النهضة» فبعد سنوات من التصريحات الدبلوماسية والمفاوضات والمحادثات بشأن السدّ، بدت لهجة التهديد واضحة بقوله إن أحدا «لا يستطيع أخذ نقطة مياه من مصر» وأن المساس بهذه المياه «خط أحمر» وبدا الكلام محددا باتجاه إثيوبيا حين طالب بـ«ألا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا» وأن ذلك سيؤدي إلى «حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد».
جاءت التصريحات خلال مؤتمر صحافي عقد بمركز تابع لهيئة قناة السويس غداة تعويم سفينة الحاويات الضخمة التي أغلقت المجرى المائي شديد الأهمية عالميا لمدة 6 أيام (إضافة إلى كوارث أخرى منها تصادم قطارين وانهيار عقار سكني، وكذلك انهيار دعائم جسر تحت الإنشاء) وهو أمر يبدو غير مقصود لذاته، لكن ما حصل في قناة السويس أعاد تنبيه القيادة المصريّة إلى تأثير سلامة القناة على مصر والعالم.
لقد كانت قناة السويس سببا في حرب مصريّة مع إسرائيل وبريطانيا وفرنسا عام 1956، ومفصلا في التاريخ العالمي أظهر تراجع سيطرة لندن وباريس وصعود نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا اللتين فرضتا تراجع العدوان، وكانت القناة موقعا مؤثرا استراتيجيا خلال حربي 1967 و1973 (التي كان من تسمياتها «حرب العبور»).
«استقرار» المنطقة، بهذا المعنى، يضم احتمالات الحرب التي ستضم مصر والسودان (اللتين وقعتا اتفاقية تعاون عسكري قبل أيام) في جبهة، وإثيوبيا (وربما إريتريا) من جهة أخرى، لكنّه يلمّح أيضا إلى أن قناة السويس، وبالتالي مسار السفن العابرة بين ثلاث قارات، واقتصاد العالم عموما، قد تتأثّر من أي نزاع عسكريّ يتعلّق بـ«مياه» مصر، وهي تضم نهر النيل ومسار قناة السويس، وكذلك، أحلاف الغاز المتواترة في السنوات الأخيرة في البحر المتوسط، وكابلات إيصال الانترنت.
أحد العوامل التي غيّرت جزءا من قواعد اللعب في موضوع سد النهضة هو النزاع الداخلي في إثيوبيا، الذي أدى إلى مقتل الآلاف في إقليم تيغراي، ولجوء عشرات الآلاف إلى السودان، ثم دخول الجيش السوداني إلى منطقة الشفقة المتنازع عليها، ووجدت إديس أبابا نفسها في وضع لا تحسد عليه، فهي لا تستطيع فتح جبهة عسكرية مع السودان في الوقت الذي تعاني فيه من نزاع داخليّ دمويّ.
مع اتجاه الأمور نحو مزيد من قدرة مصر والسودان على تحدّي إثيوبيا ودفعها لاتخاذ موقف أكثر ليونة، ظهر على السطح عامل إقليمي لم يكن واضحا، وهو موقف الإمارات، الحليف القديم لنظام السيسي، والحليف المستجد لنظام السودان، فأبو ظبي كانت، على ما يظهر، تحاول لجم التصعيد من جهة مصر والسودان نحو إثيوبيا، وقد كشف بيان وزارة الخارجية الإماراتية أمس عن موقف أقرب للحياد منه لدعم مصر والسودان بالدعوة إلى «حوار بناء» بين الدول الثلاث، وهو موقف مختلف عن إعلان الدعم الصريح للقاهرة من قبل السعودية والبحرين وعُمان الذي ظهر بعد تصريحات السيسي بقليل.
الباعث على هذا الموقف، قد يكون أن أبو ظبي تستثمر في الدول الثلاث، وهو ما يدفعها لتجنب حصول «عدم استقرار لا يتخيله أحد» في المنطقة، غير أن هذا التحليل «الاقتصادي» لا يكفي في الحقيقة لتفسير «الحياد» الإماراتي، والأقرب أن يكون مرتبطا بخلافات سياسية مكتومة بين القاهرة (وكذلك السعودية) مع أبو ظبي، بما يخصّ الوزن السياسي والاقتصادي الذي ترتئيه الإمارات لنفسها داخل المنطقة والإقليم والعالم، والذي يتناقض، في مواضع كثيرة مع القاهرة والرياض.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    مصر هبة النيل, أي لا حياة بمصر بدون النيل!
    وعندما تكون الحياة على المحك فلا يتوقعن أحد أن الليث يبتسم!!
    أنا ضد السيسي, لكني مع شعب مصر الصبور لآخر حد!!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول دحماني محمد - الجزائر:

    الرئيس عبد الفتاح السيسي قائد لا يأتي مثله الا بعد مرور عشرات القرون فهو يعرف ما يقوله ، فبمجرد اعلانه عن الخط الأحمر في ليبيا – 2020/06/20 تغيرت مجريات الأحداث رأسا عن عقب و هذا ما سيحدث في ملف سد النهضة الأثيوبي .أما عن وساطة دولة الإمارات و بيان وزارة خارجيتها فهو أمر طبيعي لأن الوسيط حتى يكون مقبولا يجب أن يكون معتدلا و لا يظهر ميله لأحد الأطراف . الرئيس السيسي داهية سياسية قل مثيلها في العالم فقد وجه خطابه لأثيوبيا و للعالم من قناة السويس لما تحمله من رمزية تاريخية .

  3. يقول إبسا الشيخ:

    تحياتي لقدسنا العزيزة علينا
    المشكلة في إثيوبيا رئيس الوزراء الإثيوبي، إرتكب خطأ في حربه على إقليم تغراي،وكذالك إرتكب أخطاء سياسية فاضحة، بسجنه نشطاء وزعماء سياسيين في أورومو، الكل ضده بإستثناء القومية الأمهرية والدكتاتور في إريتريا ،أما عن حياد الإمارات لعبة خبيثه

  4. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم رأي القدس اليوم عنوانه(مصر: سد النهضة والقناة ووساطة الإمارات)
    مظاهرات شعبية عارمة في مصر تطالب فيها كل القوى السياسية ب(انسحاب مصر فورا من اتفاقية (إعلان المبادئ) مع إثيوبيا. البديل هو عمل استفتاء شعبي وليكن الصوت الأخير لشعب مصر)
    توقيع السيسي على هذه الاتفاقية عام 2015دون الرجوع الى الحكومة أو البرلمان المصري هو من باب (أنا الدولة والدولة انا)وعندما استشعر خطر ملء السد على حصة مصر من مياه النيل أخذ يتملص من التزاماته في هذه الاتفاقية من باب الانحناء لعاصفة الشعب المصري وحراكه ضده بهذا الخصوص.
    وغداة نجاح أجهزة قناة السويس في ((تعويم سفينة الحاويات الضخمة التي أغلقت المجرى المائي شديد الأهمية عالميا لمدة 6 أيام (إضافة إلى كوارث أخرى منها تصادم قطارين وانهيار عقار سكني، وكذلك انهيار دعائم جسر تحت الإنشاء) وهو أمر يبدو غير مقصود لذاته، لكن ما حصل في قناة السويس أعاد تنبيه القيادة المصريّة إلى تأثير سلامة القناة على مصر والعالم.))
    وأما الانتقاص من حصة مصر من مياه النيل فهو الخط الاحمر الذي لن يتسامح معه الشعب المصري ابدا . فتعطيش مصر (هبة النيل) سيؤدي إلى انهيار زراعي واقتصادي وسياسي ولذلك عامت عنتريات السيسي على السطح.

  5. يقول تيسير خرما:

    الحل الجذري لمشاكل السدود الكبيرة على الأنهار الدولية يتم بتدويل منطقة السد ومحيطه بنصف قطر 15كم حول السد بعد إبعاد قوات الدولة المقيمة للسد بقرار من مجلس الأمن الدولي تحت البند السابع يفرض إدارة دولية فنية لملء وتشغيل السد بعضوية دول المجرى والمصب لحفظ حقوق الجميع بعدالة وتجنب إضرار دول المجرى والمصب، وينطبق ذلك على سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل الأزرق وسد اتاتورك التركي على نهر الفرات وسد إليسو التركي على نهر دجلة.

  6. يقول تيسير خرما:

    استفزاز إثيوبيا بالماضي تسبب بتحجيمها لحدودها الحالية فطردتها إريتيريا من أراضيها بدعم دولي ولم يعد لإثيوبيا شواطيء على البحر الأحمر، والآن يتراكم استفزاز إثيوبيا وسيقود لتكاتف دولي لتحجيم أكثر لها بإبعادها عن حدود السودان بعمق 100كم وطول 500كم وإعادة تلك المناطق لشعوب أصلية وقصر إنفاق ثروة المناطق لتحسين عيش مواطنيها وحصر إثيوبيا بالوسط منزوعة سلاح وتدويل منطقة سد النهضة ومحيطه بنصف قطر 15كم حول السد وفرض إدارة دولية فنية لملء وتشغيل السد بعضوية كل دول المجرى والمصب بما يحفظ حقوق جميع الأطراف

    1. يقول كاره:

      …استفزوا أنتم الكيان الصهيوني..لعله يحمل حقائبه ويرحل عن فلسطين ………………

  7. يقول ماغون:

    لن يتجرأ السيسي على فعل أي شيء ضد إثيوبيا لأنه يكلفه رئاسة مصر وقد يحاكم على أعماله الإجرامية في حق المصريين.

  8. يقول بلحرمة محمد:

    الخطوط الحمر لم تعد لها قيمة بالنسبة للجغرافيا العربية فالكل لا يعيرها الاهتمام المطلوب نظرا لحالة التردي والضياع التي تعرفها فممالكها ممزقة ومتصارعة ومتحاربة ومتكارهة ينخرها الفساد ومخابرات العالم تصول وتجول ناهيك عن القواعد العسكرية الاجنبية التي تعج بها فكيف ستهاب اثيوبيا بلدانا بهده الاحوال المزرية؟ لا نريد سماع عنتريات لن تفيد في شيء بل نريد افعالا على وجه الارض وهو ما ينعدم لدى حكام العرب الدين اوصلوا البلاد العربية الى حافة الافلاس

  9. يقول عبد الله شيبان:

    النظامان العسكريان في مصر والسودان أضعف من أن ينتصرا على دولة اثيوبيا الديمقراطية.

  10. يقول سامح //الأردن:

    *في ملف سد النهضة كلنا مع (مصر) والسودان.
    حسبنا الله ونعم الوكيل.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية