عندما تسمع كلمات مثل ‘اهانة، سمعة، هيبة’ فأنت أمام تفكير فاشي، يسعى لارهاب أية محاولة للنقد والاصلاح. في عهد النظام السابق كانت هذه المصلحات تلوكها ألسنة المسؤولين والمنظرين المجرمين لتبرير استباحة حرية وكرامة المصريين.
واليوم يحاول أنصار النظام المخلوع وأشياعه من المعارضة الكرتونية، اعادة انتاج نفس المصطلحات وبصورة أقسى من العهد البائد لاعادة النظام القديم انتقاما من الجديد الناشئ.
آفة مصر معارضتها، تلك المعارضة التي لا تصل الى الناس الا بالحجر على أرائهم وحرياتهم، ولا تسمعها صوتها الا بقنابل المولوتوف. ففي قضية استقلال القضاء، يعلم الجميع علم اليقين أن القضاء المصري ليس نزيها، وأنه لا يحقق عدلا أو انصافا علي الاطلاق، فكيف لمؤسسة قامت في مجملها على التعيين بطريقة غير شرعية أن تحفظ حقوقا أو تحمي عدلا أو حتى تدافع عن شعب ظل مقهورا طيلة عقود تحت سمع وبصر من أعضائها؟
يحاول منظرو النظام البائد وأشياعهم من مرتادي الشاشات ليلا وأصحاب الأعمدة الملاكي في صحف غسيل الأموال نهارا، اضفاء القدسية والشرعية على مؤسسة هم متأكدون من فسادها، وحتمية تطهيرها، اذ لا سبيل لاصلاح الدولة والمجتمع دون اصلاح العدالة فيه. ويتعمد هؤلاء على مصادرة حرية الشعب المصري في الانتقاد أو المطالبة باصلاح مؤسسة اكتووا بنارها طيلة عقود. وكأن القضاء ‘الفاسد’ والذي يطالبون ـ زورا ـ باستقلاله، أكثر قدسية لديهم من الدين وصحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم، الذين طالما هاجوا وثاروا لاقرار حريتهم في اهانتهم.
الشعب المصري يتأكد ويعرف بصورة لا تخطئها العين أن القضاء المصري يجب حله، وتجديده، الا أن مثل هذا التصرف وفي هذه الأثناء لن يكون مجديا، حتى لا تتوقف مصالح الناس، ويشهد الكثيرون ممن عاشروا وعايشوا أعضاء القضاء، تجاوزات الكثير منهم في شتى مناحي الحياة، بداية من انهاء مصالحهم الحكومية بالوساطة كاستخراج رخص قيادة لهم أو معارفهم، وغيرها من التصرفات التي لا تليق بالهيبة الحقيقية ونزاهة المنصب المفترضة، مرورا بوضع علامات خاصة بهم، تمييزية وعنصرية، على لوحات السيارات، لضمان معاملة تمييزية من رجال أمن فاسدون. وحتى الوصول الى ارتكاب جرائم فساد واضحة وصريحة دون مراقبة أي أجهزة في الدولة.
والجميع يتساءلون؟ كيف لقاض التحق بوظيفته لا لشيء الا لمجرد قرابته من قاض أخر أو لمجرد ثراء أصاب أسرته، أو لمجرد قدرته على الحصول على وساطة للاتحاق بهذا المنصب، كيف له أن يحكم بالعدل؟ وهو قاض جاء بالأساس بطريقة ظالمة وكارهة للحق؟ وكيف لقاض كان فاشلا في دراسة الحقوق وحصل على تقديرات بالكاد جعلته يتخرج من الجامعة لكن نفوذه مكنه من الالتحاق بالسلك القضائي أن يحكم بالعدل؟ وكيف سيحكم أصلا وهو جاهل بالقانون؟ وغير مثقف وغير ملم بالأوضاع العامة في الدولة. وكيف لقاض كان ضابطا بجهاز الشرطة ذي العقيدة الارهابية وفي غفلة من الزمن فسد فيها الحكم، أن يحكم بالعدل؟ وكيف لقاض يريد أن يحصل لنفسه على تمييز عن بقية المواطنين كما في حالة لوحة السيارات أن يكون عادلا؟ وكيف لقاض كان معاديا لثورة الشعب المصري خانعا تحت حكم مبارك، صاحب الفضل في تعيينه، أن يحكم بالعدل، وكيف لقاض يدلي برأيه السياسي ويعلن تحيزاته أمام الجميع أن يحكم بالعدل، وكيف لقاض سمح أن يكون ممثله في نادي القضاة متهما في قضايا فساد حتى ولو لم يصدر ضده حكم، وسمح لنفسه باعادة انتخابه مرة أخرى أن يحكم بالعدل؟ وكيف لقاض يطالب ويتظاهر لاعادة نائب عام عينه ولي النعمة المخلوع، ويتشكك الشعب في نزاهته ومعروف عنه تقاضي الهدايا أن يحكم بالعدل؟.
النخبة في مصر والتي يعلو فيها صوت أكلة المال الحرام تدعي زورا أن اصدار قانون السلطة القضائية ليس مطلبا ملحا ويمكن تأجيله لفترات، لأن ذلك في رأيهم مساسا باستقلال القضاء، رغم ان هذه النخبة، تعرف حق المعرفة أن فساد العدالة يعني فساد الوطن، سياسة واقتصادا واجتماعا، وكأن الثورة بالنسبة اليهم قامت ضد شخص حسني مبارك، وأصبح القضاء الذي شكله المخلوع ورجاله مقدسا ونزيها، ويتعرض للهدم من قبل الفصيل الحاكم.
التاريخ يشهد بوقائع الفساد التي ارتكبها قضاة حتى ولو لم يتم ايصالها للنظام القضائي، وفي مقدمة هذه الجرائم كيفية الالتحاق بالعدالة والتي توجب محاكمة كل من سمح بتمرير هذه الجريمة، وكل من التحق بالوظيفة وهو يعرف أنه غير جدير بها ويأخذ حق غيره في هذا المنصب الجليل، واذا كنا بصدد الحديث عن تلك الجريمة التي ترتكب في حق المصريين، كشف المحامي عصام سلطان قبل أيام عن وجود العشرات من أبناء القضاة في الدفعة الجديدة التي قبلت للالتحاق بالسلك وتنتظر تصديق رئيس الجمهورية، وهي جريمة لو مرت يجب مساءلة رئيس الجمهورية فيها والتحقيق معه.
واذا لم تمر فإنها توجب محاكمة القائمين على هذه الاختيارات الفاسدة التي تعامل المصريين باحتقار وطبقية.
الكرة الآن في ملعب مجلس الشورى الذي اختاره الشعب مباشرة، والذي منحه الشعب حق التشريع في الاستفتاء على الدستور، لاقرار قانون جديد للعدالة يطيح بالكثير ممن تشوبهم الشبهات حتى ولو كانوا أطهارا، فلا مجال للقضاء المصري الجديد أن يكون مثارا للحديث والشبهات، ويجب أن تبدأ أولى مواد القانون الجديد بعزل كل من تخطى سن الستين تحقيقا للمساوة بين أبناء الشعب وليس تشكيكا في نزاهتهم، وعزل كل من التحق بالسلك القضاء بتقدير جامعي أقل من ‘جيد’ ومن خلال الدفعات الاستثنائية الفاسدة التي ابتدعها فاسدو القضاء مع مجرمي السياسة لالحاق ابنائهم الفشلة بالقضاء، واحالة كل من له قريب للدرجة الثانية وأكبر منه الى وظيفة ادارية وابعاده عن القضاء، حتى لا يوقف عن كسب عيشه بذنب قرابته، ووضع نظام صارم على طريقة الالتحاق بالمهنة، تبدأ بترشيح الأعلى في التحصيل العلمي، والحاقه بمعهد دراسات للعدالة يتخصص في القانون وحقوق الانسان وعلم النفس، بجانب الكشف النفسي على الملتحقين بهذه المهنة، هذه الخطوات هي درجات أولى لاصلاح هذه المنظومة، يجب أن يتبعها اصلاح مفهوم العدالة نفسه، وتمكين الفقراء من التقاضي بدون أموال، وحماية الشعب من الروتين والفساد الاداري، وايجاد نيابة عامة تدافع عن الشخص حتى ولو كان مقصرا في حق نفسه.
‘ كاتب وصحافي مصري
مقال رائع يستحق كاتبه كل التقدير و فيه نظرة موضوعية لحقيقة يتغافلها البعض عمدا و هي طريقة تعيين القضاه