تعاملت الحكومة المصرية مع موضوع الصفقة الإماراتية لشراء مدينة رأس الحكمة بطريقة تدرّجية درامية يشوبها الغموض، فأعلن رئيسها، مصطفى مدبولي، يوم الخميس الماضي، موافقتها على «أكبر صفقة استثمار مباشر من خلال شراكة استثمارية مع كيانات كبرى» من دون أن يحدد طبيعة تلك الصفقة أو قيمتها أو الجهة التي تم إبرامها معها.
دفع الغموض الذي أحاطت به الحكومة القضية برجل الأعمال المصري الشهير نجيب ساويرس للتهكم قائلا في تغريدة على موقع «اكس»: «عملنا صفقة كبيرة قوي بس مش هنقولكم دلوقتي».
تعرّضت الصفقة مباشرة إلى تحليل من قبل بعض المصريين، كما فعل الناشط محمد الشريف الذي قال: «تخيل لما تعمل «أكبر» صفقة في تاريخك وأنت في «أسوأ» وضع اقتصادي في تاريخك أيضا، يعني أنت في أسوأ وضع تفاوضي ممكن، وكل الناس عارفة إنك حتقبل بأي حاجة» فيما وصف حساب باسم الفريق سامي عنان على الموقع نفسه ما حصل بـ«صفقة العار المليارية، ولا عزاء للأمن القومي، وبيع الوطن بأبخس الأثمان في ميزان بيع الأرض»!
أعلنت الحكومة المصرية بعدها أن الصفقة تتعلق باستثمار شركة أبو ظبي القابضة في الإمارات قرابة 35 مليار دولار مقابل 170 مليون متر تمثلها منطقة رأس الحكمة القريبة من مرسى مطروح على شاطئ البحر المتوسط. ستقوم أبو ظبي بتقديم 10 مليارات دولار كمقدم نقدي، وتسديد دفعة ثانية بقيمة 14 مليار دولار خلال شهرين.
من الواضح أن تسليم الإمارات 24 مليار دولار خلال شهرين فحسب من بدء المشروع هو قرار سياسي أكثر منه اقتصاديا، وأنه يمثّل محاولة من قبل أبو ظبي لضخ أموال لدعم الاقتصاد المصري المتدهور، وهو ما أشار إليه ضمنا رئيس الحكومة بإرجاعه الفضل في إنجاز هذه الصفقة بتلك الشروط إلى «القيادة السياسية في البلدين».
يعتبر ما حصل استئنافا للسياسة التي انقطعت بعد حصول خلافات بين دول الخليج العربي، السعودية وقطر والإمارات، مع القاهرة، على طريقة استخدام النظام للأموال التي استلمها، فما الذي دفع أبو ظبي لتغيير سياستها فجأة، وهل لهذا علاقة بـ«القبول بأي حاجة» على حد قول الشريف الآنف، أم أن له علاقة بالأوضاع السياسية في المنطقة، وخصوصا فيما يحصل الآن في غزة؟
انتهز رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور الإعلان عن مشروع رأس الحكمة للحديث عن سابقة له للاستثمار في منطقة العلمين في مصر، قائلا إنه صدم حينها بالأسعار الخيالية المطلوبة للبيع، وأن صفقة رأس الحكمة تشكل حافزا كبيرا لدى رجال الأعمال الإماراتيين للاستثمار مشترطا «وضع أسس منطقية وواقعية لأية عملية تهدف مصر لإنجاحها وليس العكس».
ما يقوله تعليق الحبتور، بشكل غير مباشر، أن عملية أبو ظبي جرت على «أسس واقعية» والواقع، في مفاوضات بين طرف يملك المال، وطرف في ظروف اقتصادية صعبة، يميل لصالح المال. في معادلة كهذه، يمكن للشاري أن يفرض شروطه، اقتصادية كانت أم سياسية، ولا يستطيع البائع أن يرفع أسعاره، اقتصادية كانت أم سياسية.