ما من شك أن خطوة وزير الدفاع ‘الاندفاع’ وراء ما سماه الاستجابة إلى خيار ملايين المصريين في ميدان التحرير لعدة أيام ليس إلا، والنزول عند رغبة شريحة من الشعب المصري بتنحية أول رئيس منتخب في تاريخ مصر الحديث، لم تكن محسوبة النتائج ولا متوقعاً أن تجر البلاد إلى نفق سياسي مجهول، بعد تواصل الاعتصامات في ميادين مصر ومدنها المختلفة، للمطالبة بالإفراج أولاً عن الرئيس مرسي، وإعادته إلى سدة الحكم ثانية، فضلاً عن الحراك الدبلوماسي والسياسي للتوسط في الأزمة المصرية التي اختفت فجأة من إعلامها الكلام عن الأزمات التي أشعلت موجة الاحتجاج ضد الرئيس مرسي! لم يبذل النظام المصري الحالي أي محاولة لإضفاء الشرعية على نفسه بل عمل رئيس المجلس الأعلى للقوَّات المسلحة المصرية السيسي على تعميق الفجوة بين المعسكرين المتواجهين في مصر. قوات الأمن المصرية تقتل وفي ليلة واحدة أكثر من سبعين متظاهرًا أغلبهم من الإسلاميين الذين لا يريدون التسليم بتنحية الرئيس المُنتخب ديمقراطيًا محمد مرسي، ويصاب المئات بعيارات نارية في الصدر والرأس إصابات بعضهم خطيرة. ومن ثم يعلن وزير الداخلية في الحكومة التي عيَّنها الجيش عن إلغاء مظاهرات مؤيِّدي مرسي، وبالقوة إذا دعت الضرورة باستخدام على نوعية قوات الأمن التي تم استعادة مسماها الوظيفي (أمن الدولة) التي كان يعتمد عليها في السابق حسني مبارك، من أجل وضع نهاية لما اعتبره عنفاً منتشراً في شوارع مصر. النظام الجديد المتكون من انتلجنسيا عسكرية سياسية تود التخلص من حكم الإسلاميين بأي وسيلة حتى لو كانت النتيجة التضحية بالنظام السياسي المدني في البلاد، فكان الخطأ السياسي القاتل لقائد العسكر المدفوع بطموحات بعض الفئات إلى استنساخ التجربة الناصرية في الحكم، عندما اعتقد أنَّ بإمكانه من خلال بيان يتلوه على المواطنين إسقاط مرسي ومن ثم الانتقال بسرعة إلى جدول أعماله الخاص، ما أدى إلى تعميق الفجوة بين معسكري الموالاة والمعارضة في مصر. الهوة التي توسعت بفعل الخطوة العسكرية غير المحسوبة النتائج تضع القيادة العسكرية في مصر بعد شيوع أنباء عن تملل داخل صفوف المؤسسة العسكرية مما يجري، أمام خيارين لن يكون أحلاهما مراً، فإما الاستمرار في مواجهة اعتصامات التحالف الوطني ضد الشرعية الذي تقوده جماعة الاخوان المسلمين للإفراج عن الرئيس مرسي واستعادة دوره في الحياة السياسية، وما يترتب على ذلك من اللجوء إلى العنف في مواجهة حشود المعتصمين في الميادين العامة، مع ما يستدعيه الخيار الأمني من دماء قد تثير مزيداً من العنف والعنف المضاد، أو يتم التراجع عن خيار التنحية ما يعرض رأس المؤسسة العسكرية للمحاسبة والإقصاء. وإذا تعرَّض السيسي لمقاومة في داخل الجيش، فمن الممكن أن يستجيب خليفته للإخوان المسلمين ويقدّم لهم على سبيل المثال استفتاءً على مرسي. لا يمكن في هذا السياق أن يتم استبعاد احتمال أن يؤدِّي انقلاب الثالث من تموّز/يوليو إلى ما آل إليه في تركيا إنذار الجيش النهائي في الثامن والعشرين من شباط/فبراير 1997 الذي انتهى في انقلاب أصغر بكثير وعزل العسكر من خلاله أوَّل رئيس وزراء إسلامي في تركيا، نجم الدين أربكان، بسبب التضامن الشعبي الكبير الذي حظيت به النخبة السياسية في مواجهة تغول المؤسسة العسكرية، ما أدَّى إلى تمهيد الأمور وصعود رجب طيّب أردوغان وحزب العدالة والتنمية واستمراره في الحكم لفترتين متتاليتين، وعزز من شعبية الأحزاب الإسلامية في العالم العربي والإسلامي.