لم يكد موضوع فستان الممثلة رانيا يوسف يتراجع نسبيا عن العناوين الكبرى بعد الإلقاء به على مائدة الجدل المصري، وتضخيمه بشكل مقصود عبر الدعاية المجانية التي حصلت عليها من التغطية الضخمة، حتى ظهر العديد من التعليقات الرئاسية التي احتلت مكانها على المائدة. وبدلا من الاكتفاء بفكرة الإلهاء وشغل الوقت، أضافت تلك التصريحات إلى الجهود المتراكمة في إعداد المشهد قبل ذكرى ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وفي الخلفية “سترات صفراء” فرنسية تثير القلق وتظهر الكثير من صور التناقض التي تستوجب، وفقا للتصور الرسمي، سرعة التعامل معها قبل ذكرى يناير، والأهم توظيفها في جهود تضخيم قائمة الإنجازات.
وعلى الرغم من تعدد الأحاديث التي شارك فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي تحولت إلى قطط صغيرة تشكل قطا كبيرا مسيطرا على المائدة، وتطرح أجندة عمل للمرحلة، إلا أن الاهتمام يبدأ من الحديث الشهير عن أوزان المصريين ولقاء الصدفة المتكرر الذي يجمع الرئيس بسيدة في حاجة إلى مساعدة، قد تكون سيارة بالصدفة، في سياق يتشابه ويثير التساؤلات والسخرية عن حل الأزمات عن طريق الحالات الفردية، وإمكانية زيادة عدد لقاءات الصدفة لعلها تحل مشاكل الملايين. وفي التفاصيل كيفية تناول ما يعرف بإحراج محافظ القاهرة ووزيرة التضامن الاجتماعي، وهي التفاصيل التي تساهم في العودة إلى مسرحية “الزعيم” (1994) التي أشرت إليها للمرة الأولى في مقال نشر في هذا المكان في مايو/ آيار 2014 قبل العودة إليها مرات على هامش الأحداث التي لا تتوقف عن الاقتباس من الكوميديا وتحولها على أرض الواقع إلى كوميديا سوداء. وفي حين أشارت الفقرة الختامية إلى قدرة الكوميديا على تجاوز الواقع أحيانا، واستعانة كتاب البرامج الانتخابية بالكوميديا من أجل وضع حلول للمشكلات الممتدة، تتحول الفكرة إلى بداية ونحن نعود من حديث وزن و”كرش” الوزير في المسرحية إلى وزن و”كرش”المواطن في الواقع، حيث التشابه في ترويج التقشف باسم الصحة، مضافا إليه الحديث وكأن الرئيس ينفق على المواطن من ماله الخاص وهو يقول “احنا بنفقد صحتنا ومش بقى عشان التكلفة المالية، لا.. لا، كل حاجة ممكن تتدبر إلا الصحة”.
حل الأزمات عن طريق الحالات الفردية، وإمكانية زيادة عدد لقاءات الصدفة لعلها تحل مشاكل الملايين!
يقول البعض إنها كلمات حق، وبالطبع من يكره الصحة والحديث عن أهميتها، ولكن أن يتحدث صديق أو طبيب عن الصحة، وما يجب فعله يختلف كليا عن الدولة وعن المسؤول، وفقا لموقعه وما يفترض أن يقوم به في هذا الموقع، بالإضافة إلى السؤال المنطقي الذي يظهر بصور ساخرة عن موضوع الخطاب المقبل وهل سيكون صبغة الشعر أم ماذا؟ أسئلة تعبر عن مساحة غضب وقلق وشعور بوجود فجوة بين واقع الناس وأولويات اللحظة وحديث السلطة. فجوة يتجاوز عنها المسؤول وهو يطالب بتعميم وجهة نظره الأحادية في كافة المؤسسات من الإعلام للمساجد والكنائس، من أجل تصديق الخطاب الوحيد بدون إعادة صياغة السؤال عن دور المسؤول وحدود هذا الدور، وهل يفترض أن يكون الصعود على حساب تحجيم وتقزيم غيره؟ وأن تتحول الدولة إلى ميزان للأوزان قبل أن تحاسب السياسات والأزمات الاقتصادية التي تفرض الاعتماد على نظام غذائي فقير بفعل الحاجة وليس الرفاهية، والجبر وليس والاختيار وسط أوضاع صعبة شعارها المتجدد شد الحزام من أجل الوطن.
يغيب عن الصورة المراد تعميمها أن زيادة الوزن ليس دليلا على الطعام الكثير، ولا الثراء والتنوع على مائدة الطعام، الذي أكدت عليه أحدى الصحف مؤخرا بتأكيد أن الشعوب “تبان من زبالتها”، وقد يكون نتاج أسباب أخرى كثيرة جينية أو صحية، أما محاولة ربط البعض سريعا بين الكشف عن تواجد أمراض الضغط والسكري والفيروس الكبدي “سي” في نسبة كبيرة من المواطنين، وحديث الوزن فهو مجرد إلهاء آخر، وتأكيد على إنجاز ما في تحويل الوزن المجرد إلى مشروع قومي، في حين يغيب النقاش الموضوعي عن أسباب تلك الأمراض وتحميل المواطن المسؤولية والتجاوز عن دور الدولة في حماية الصحة، وأن العديد من الأمراض نتاج عوامل لا يغيب عنها سوء الإدارة والفساد، ومحاسبته في العديد من الأحيان، وأوضاع الخدمات الصحية وهجرة الأطباء وغيرها من الأوضاع التي تحتاج سياسات وقرارات مختلفة عن حديث “شوف بطنك”.
في السياق نفسه هل يفترض أن اختيار تكلفة الإنفاق على مشروع ما، مثل حديث الغسالات في افتتاح مشروعات سكنية في محافظة القليوبية يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري، رهنا بقرار منفرد لوزير لا تعرف عنه القيادات العليا حتى لحظة الافتتاح، حين يتم تقديم الأمر وكأنه مسؤولية الوزيرة المعنية؟ للأسف يغيب المعنى الأعمق للأزمة وسط احتفاء البعض بتلك العروض المتكررة، التي لا تستهدف إلا أثبات فكرة الزعيم العالم بكل التفاصيل، على طريقة زعيم عادل أمام، الذي استنكر على أحد الوزراء إعلان نيته في التفكير مستقبلا، مؤكدا أن دور الوزراء هو تنفيذ فكره هو فقط. يحمل مشهد التوبيخ العلني مثل مشهد الاندهاش وغيره من مشاهد التفاوض على توقيت إنهاء المشاريع، غياب أسس الإدارة وتواجد العديد من الجزر المنعزلة من أجل إبراز قيمة الفرد على حساب الجميع، بما فيه الوطن. تتكرر الفكرة مرات عديدة بصور مختلفة في الخطاب الموجه للشعب المطالب بأن يسمع ويحفظ ويفهم ما يقال له من قبل الخطاب الرسمي فقط، لأن لا أحد آخر يعرف، بما في ذلك الإعلام الذي استنكر الرئيس أنه لا يعرف كيف يقوم بتغطية الأحداث في فرنسا، التي لم يعلن عن اسمها، رغم الإشارة إلى دول جوار عربية بالاسم وما يسببه هذا من انتقادات من تلك الدول.
تبدو التفاصيل مهمة ونحن على أعتاب يناير من حديث ثراء “الزبالة” إلى “الوزن”، ولقاء الصدفة مع سائقة الميكروباص السيدة نحمده، الذي جاء مشابها في المحصلة والرسالة مع سيدة الإسكندرية التي قدم لها الرئيس سيارة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ولكن اللقاء الأخير الذي يراه البعض معلبا أضاف فرصة أخرى في حملة الإنجازات، خاصة الحديث عن اللقاء المباشر بين الرئيس والمواطنين من الطبقة الكادحة، والتأكيد على شعور الرضا وغياب الشكوى، كما جاء في حديثه، ومعه إنكار التأمين الضخم وسهولة اللقاء من أجل ترويج فكرة غياب الغضب وأسبابها، وتوافر القبول لدى فئات الشعب العاملة، بما يعني ضمنا أن غياب السترات الصفراء منطقي، وليس بقرارات رسمية، ويبرر مطالبة الرئيس للإعلام بأن يتعلم منه كيف يتعامل مع الأحداث في أوروبا، وكيف يكون موضوعيا عبر مقارنة أسعار السلع في تلك الدول ومصر.
تلك المطالبة نفسها وجهت بالكثير من الانتقادات بسبب بسيط وهو غياب القياس الموضوعي عن المقارنة، عندما تركز على الأسعار متجاوزا عن القوة الشرائية. وفي حين تبدو مقارنة الأسعار المجردة، كما فعل الرئيس بالإشارة إلى أسعار الوقود في مصر وفرنسا، لصالح المواطن المصري، خاصة في ظل تراجع قيمة الجنيه وما تبدو عليه ضخامة سعر السلع مقدرة باليورو أو العملات الأخرى، إلا أن القياس وفقا للقوة الشرائية مختلف كليا. ومن أجل توضيح تلك الجزئية ولأهميتها في الخطاب الرسمي والإعلامي الذي يبرر المزيد من الضرائب والاستقطاعات، اعتمادا على المقارنات الرقمية، يمكن العودة إلى العديد من المقارنات على أساس الأسعار والقدرة الشرائية ومنها تلك التي نشرها موقع “نومبيو” الأوروبي المتخصص في مقارنة تكلفة المعيشة بين الدول. ووفقا لبيانات القدرة الشرائية المحلية في النصف الأول من العام الجاري، التي تقيس قدرة المواطن الذي يحصل على متوسط دخل في دولة ما على شراء السلع والخدمات، مقارنة بما يحصل عليه المواطن متوسط الدخل في نيويورك، مدينة القياس، جاءت مصر في المرتبة التاسعة، بدون أن تسبقها أي دولة عربية، بما فيها تلك التي يشير إليها الرئيس دوما. ووفقا للأرقام فإن متوسط دخل المصري يوفر الحصول على 25.32% مما يحصل عليه المواطن متوسط الدخل في نيويورك من سلع وخدمات. أما فرنسا التي يطالب الرئيس بالتركيز على الأسعار فيها فجاءت في المركز 95 من أصل 117 دولة بنسبة 99.72%، أي أن متوسط الدخل الفرنسي يمكن أن يحصل على السلع والخدمات بدرجة أقل من 1% فقط من نيويورك أو أكثر من المواطن المصري بنسبة تزيد عن 70%.
تضيف المقولات الدائرة الكثير للإعداد لمرحلة ما قبل يناير من خلال تركيز الإخطاء على الشعب، وتأكيد حالة الرضا على الرئيس مع إبراز بعض الأخطاء لدى من حوله، والتركيز على الأرقام المجردة للتأكيد أن مصر أفضل، وأنها رغم كل الأزمات الواضحة تغادر عام 2018 وهي تحمل قضية مهمة على عاتقها، وهي كيفية محاربة الأوزان الزائدة حتى تبدو الإنجازات أضخم ويمكن الاستمتاع بمساحات أكبر في وسائل المواصلات وتقليل الضغط على توفير السلع الغذائية وكأننا نعيد تنفيذ توصيات الزعيم بطريقة أخرى ونقلص كل الأزمات الحقيقية في مواجهة “الكروش”الضخمة التي لا تركز على “كرش” المسؤول كما فعلت الكوميديا ولكن على الفقراء كما يحدث دوما في الواقع.
كاتبة مصرية