ليس التدين حتما هو سبب انهيار حكم التنظيم الاخواني الطائفي المصري، لان بين المحتجين كانت هناك اعداد واضحة من المتدينين، الذين لم يحتجوا على التدين، وانما على ما يحمله الحكم الطائفي من مآس اجتماعية واقتصادية ومعاشية. كان يمكن نظريا ان يطرح التنظيم نفسه فعلا، لا قولا، حكما لجميع المصريين، فلا يضطهد فئات المجتمع الاخرى، وان يتبنى نهجا وطنيا، بمعنى العمل على تطوير البلد بمؤسساته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى رفع المستويات المعاشية للشعب، وعلى انتهاج سياسة معادية للمخططات الاستعمارية في المنطقة. ولكن التنظيم الطائفي لا يستطيع ان يتبنى مثل ذلك النهج الوطني، اولا، لانه يحصر نفسه واهتمامه في طائفته، وثانيا، لان طروحاته الدينية لا علاقة لها لا بفجر الاسلام ولا بضحاه، انما علاقته بالتراث المملوكي، ويطبق شراسة ذلك التراث على اطياف المجتمع، وهذا مناف للمنطق وللحس الوطني والتطور، ومعاد للشعب فلا يمكن ان يكون مقبولا. لقد انتقلت مصر من المد الوطني والقومي ايام الرئيس السابق جمال عبد الناصر، الى التحالف مع اعداء المنطقة، مع الادارة الامريكية، ومع اسرائيل، ايام انور السادات، الرئيس ‘المؤمن’ اي الرئيس الطائفي، الذي لا علاقة له بالايمان، لان الطائفية تتناقض والايمان باعتبارها استغلالا للدين، لا ايمانا به. واستمر نفس التحالف في ايام حسني مبارك، وايضا في ايام الحكم الطائفي الذي تلا الاخير. مصر، على مقياس المنطقة العربية، هي دولة كبرى عددا وامكانات، وهي مؤثرة سلبا او ايجابا على حاضر المنطقة ومستقبلها، ولا تستطيع موضوعيا، لا تجميد امكاناتها، ولا توظيف تلك الامكانات لصالح مخططات الادارة الامريكية، فالتجميد والتوظيف ينعكسان، كما برهنت التجربة ايام الرئيسين السابقين السادات ومبارك، اضطرابات سياسية وخللا اجتماعيا، وانهيارا في المستويات المعاشية وفسادا شاملا، الخ. وصلت مصر في ظل الحكم الطائفي الى اختناقات كبيرة، واسقاط ذلك الحكم لن يعالج الآلام التي خلفها الحكم، وقد تمر بايام صعبة اذا ما لجأ التنظيم الطائفي الى عمليات ارهابية. والطبقة السياسية في مصر متنوعة الولاءات، وتضم العديدين من الموالين للادارة الامريكية. اما الشعب، فقد اثبت حيوية رائعة، مرة بانتفاضته ‘الربيعية’، ومرة اخرى ضد النظام الطائفي. غير انه لا يســـتطيع على الاغلب تغيير طبيعة الوضع الراهن مع غياب الحزب التقدمي القوي الذي يستطيع السيطرة على النقاط المفصلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وايضا مع غياب الحلف التقدمي، الذي يقوم بنفس المهمة المذكورة. اليوم مصر مهددة امريكيا، واوراق الادارة الامريكية في يد الموالين لها من الطبقة السياسية، وتهديدها بقطع المعونة، التي هي المكافأة على توقيع اتفاقات كامب ديفيد، او اللعب بمياه النيل، في غياب تقاسم ‘منطقي لها’ يراعي مصالح جميع الاطراف. والتهديد ليس فقط في زعزعة استقرار البلد، وانما ايضا في تمزيقه. لقد انتفض الشعب المصري ضد مبارك، وذهب مبارك، وبقيت المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وانتقلت في ظل مرسي الى الاسوأ، وانتفض الشعب ضد مرسي، ونجح في ازاحته، ولم ينجح بعد في علاج المشكلات، هذا العلاج يتطلب وقف اللعبة الامريكية وبناء نظام وطني. تراث عبد الناصر ما يزال قويا، والبناء الوطني يتطلب لا احياء ذلك التراث فقط، وانما تطويره. مصر دولة كبرى بالنسبة للمنطقة العربية، وباعتبارها كذلك، من الضروري ان تلعب الدور الوطني بالنسبة للمنطقة. وهذا يجعلها تعالج مشكلاتها الداخلية، وفي نفس الوقت مشكلات المنطقة. لو كانت مصر تقوم بدورها الوطني، ما كان الشارع المصري يعج بالفقراء والمشردين والجائعين، وما سمح المجتمع المصري للطائفية ان تحكم، وايضا ما حوصرت غزة، وما تم غزو العراق، وما وقعت اتفاقات اوسلو وعربة وغيرهما، بل وما غزي لبنان مرات. التراث الناصري فيه ثغرات، لسنا في صددها، ولكنه يؤلف نقطة انطلاق، من اجل حل جميع المشكلات، بما في ذلك التأثير الايجابي في مستقبل المنطقة. هل الهم الوطني المصري، هو الحل لجميع المشكلات المتعلقة بذلك البلد العظيم.