القاهرة ـ «القدس العربي»: تعلن الهيئة الوطنية المصرية، نتائج الانتخابات الرئاسية ظهر غد الإثنين، في وقت أظهرت مؤشرات نتائج الفرز التي تسلمتها الهيئة العليا للانتخابات، فوز الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لولاية ثالثة مدتها 6 سنوات، بعد أن جاء مكتسحا بفارق كبير عن أقرب منافسيه.
وحسب مؤشرات الفرز، يتنافس كل من رئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران، وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري على المركز الثاني، فيما حل رئيس حزب الوفد أخيرا في ترتيب المرشحين الأربعة.
وأعلنت الهيئة أنها لم تتلق أية طعون من المرشحين في الانتخابات الرئاسية أو وكلائهم على القرارات الصادرة من اللجان العامة بشأن عملية الاقتراع الموعد المقرر لهذا الإجراء، والمُحدد في الجدول الزمني للعملية الانتخابية طيلة الخميس الموافق 14 كانون الأول/ديسمبر الجاري.
وبينت أن اللجان العامة على مستوى جمهورية مصر العربية، لم تتلق بدورها أية تظلمات من المرشحين أو وكلائهم، في شأن كافة المسائل التي تتعلق بعملية الاقتراع، خلال المواعيد المقررة والمحددة ببداية أيام الاقتراع وحتى انتهاء أعمال الفرز وإعلان الحصر العددي للأصوات بكل لجنة عامة.
وقالت حملة المرشح فريد زهران، إن مندوبيها منعوا من حضور عملية الفرز في سائر اللجان الفرعية على مستوى الجمهورية، أو حضور تسليم النتائج للجان العامة، على سند من أن توكيلات الوكلاء للمرشح الصادرة من الهيئة الوطنية للانتخابات لا تجيز لهم حضور ذلك، على الرغم من السماح لوكلاء المرشحين الآخرين بذات التوكيلات وبنفس صيغتها وفحواها بحضور إجراءات الفرز وتسليم النتائج.
ولفتت الحملة إلى أن نموذج كشف الحصر العددي وتجميع الأصوات الذي تم إعداده من قبل الهيئة الوطنية يقضي في مضمونه إلى قبول تسلم الوكلاء لهذا الكشف وحضور عملية الفرز.
نسبة المشاركة
وفي التاسعة مساء الثلاثاء الماضي، أغلقت مراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت على مدار ثلاثة أيام، في وقت قال ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية 2024 قد تصل إلى 62 في المئة من بين أعداد المقيدين في قاعدة بيانات الناخبين.
وتابع: “إن الانتخابات الرئاسية 2024 التي انتهى التصويت فيها الثلاثاء هي الانتخابات التعددية الخامسة في تاريخ مصر، منذ تعديل الدستور عام 2005 بعد أن كان اختيار الرئيس يجرى بالاستفتاء”.
وأضاف في تصريحات تلفزيونية، أن الانتخابات الرئاسية 2024 هي الثالثة بعد ثورة 30 حزيران/يونيو 2013 وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بحدث آخر مهم وهو الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي في 26 نيسان/ابريل 2022 وامتد عاما ونصف من العمل والجلسات، وأعاد ترميم الجسور بين القوى السياسية في مصر.
وجاء حديث رشوان عن نسبة المشاركة، رغم أن الأجواء التي أجريت فيها الانتخابات هادئة، بعد إعلان المرشح الرئيسي والأكثر انتقادا للسيسي أحمد الطنطاوي توقف حملته، ما أدى إلى غياب المنافسة، إضافة إلى استحواذ العدوان على قطاع غزة على اهتمام المواطنين، وفي ظل أزمة اقتصادية أدت إلى انهيار العملية المحلية وارتفاع معدل الديون الخارجية إلى مستوى غير مسبوق، وموجات متتالية من ارتفاع الأسعار أثرت على قدرة المواطنين على توفير احتياجاتهم.
حديث رشوان عن نسبة المشاركة، يشير إلى أن نسبة من أدلوا بأصواتهم في الانتخابات ستفوق كثيرا النسبة التي حققتها الانتخابات الرئاسية عام 2018 التي كانت 41 في المئة، من إجمالي عدد الناخبين المقيدين في الكشوف الانتخابية، وستفوق أيضا نسبة المصوتين في أكثر انتخابات رئاسية تنافسية شهدتها مصر التي أجريت عام 2012 عقب ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس محمد حسني مبارك، وبلغت 46 في المئة من عدد المقيدين في جداول الانتخابات، كما بلغت نسبة التصويت في انتخابات 2014 التي جرت بعد الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي 47 في المئة، وهي النسبة التي شكك فيها وقتها منافس السيسي في الانتخابات، حمدين صباحي القيادي القومي ومؤسس حزب الكرامة.
المعارضة المصرية
وألقت الانتخابات بظلالها على المعارضة المصرية، ويرى مراقبون أن الحركة المدنية الديمقراطية التي تتشكل من 12 حزبا معارضا وتمثل جبهة المعارضة الرئيسية في البلاد، قد تواجه التفكك، بعد الخلافات التي دبت في الحركة حول الموقف من المشاركة في الانتخابات.
فزهران الذي يترأس أحد الأحزاب المنضوية في الحركة المدنية الديمقراطية التي تمثل المعارضة، لم ينجح سوى في تشكيل جبهة من 3 أحزاب لدعمه في الانتخابات، فيما قررت 9 أحزاب مقاطعة الانتخابات احتجاجا على غياب ضمانات نزاهة الانتخابات، وبعد التضييق الذي مارسته السلطة على الحملة الانتخابية لرئيس حزب الكرامة السابق أحمد الطنطاوي خلال مرحلة جمع توكيلات التأييد للترشح في الانتخابات، التي وصلت حد إلقاء القبض على العشرات من أعضاء حملته، ومنع الحملة من جمع التوكيلات، وصولا إلى تقديم الطنطاوي ومدير حملته المحامي محمد أبو الديار و21 آخرين من أعضاء الحملة للمحاكمة بتهمة تداول أوراق انتخابية.
وحسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات – منظمة حقوقية مستقلة، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على العشرات من المؤيدين وأعضاء حملة المرشح أحمد الطنطاوي.
وبينت المنظمة: خلال التجهيز للانتخابات، وجمع التوكيلات ألقت قوات الأمن القبض على عدد من المواطنين من أنصار حملة طنطاوي، وضمتهم على ذمة القضية رقم 16366 لسنة 2023 جنح المطرية، والمعروفة إعلاميا بـ”قضية التوكيلات الشعبية”.
ولفتت المنظمة، إلى أن القضية ضمت عشرات المتهمين من بينهم المرشح الرئاسي السابق أحمد طنطاوي ومدير حملته محمد أبو الديار كمتهم ثاني، تم إحالتهما للمحاكمة دون إعلان، ولم يتم استدعاؤهما للتحقيق أمام النيابة، إلى جانب 21 متهما آخرين.
وتابعت المنظمة: جاء قرار الإحالة لمحكمة الجنح في قضية “التوكيلات الشعبية” استنادا إلى المادة 65 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، التي تنص على عقوبة طبع أو تداول بأية وسيلة بطاقة إبداء الرأي أو الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة، وحددت المادة عقوبة تلك الجريمة بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ونظرت محكمة جنح المطرية، أولى جلساتها في قضية “التوكيلات الشعبية” يوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ووجهت النيابة للمتهمين الأول والثاني: تهم “الاشتراك والاتفاق بتداول إحدى أورق العملية الانتخابية” وتحريض المتهمين من الثالث إلى الأخير ومدهم بالنموذج وطباعة وتداول دون إذن السلطة المختصة.
فيما وجهت لباقي المتهمين اتهامات طباعة وتداول إحدى أوراق العملية الانتخابية دون إذن السلطة المختصة. وبعد انعقاد الجلسة الأولى قررت المحكمة تأجيلها للاطلاع مع استمرار حبس المتهمين، فيما طلبت هيئة الدفاع عن المتهمين بالحصول على أوراق القضية الرسمية.
وللمرة الثانية، قررت المحكمة أيضا تأجيل القضية إلى جلسة 9 كانون الثاني/يناير المقبل.
وجاء قرار التأجيل للاطلاع رغم تكرار الدفاع طلبه بالحصول على صورة رسمية من القضية، وتمسكه بطلبه كحق أصيل.
وبسبب التضييق على أنصار طنطاوي، سواء بالسب أو الضرب أو المنع من تحرير توكيل له، انتهت بالقبض عليهم، قرر أحمد طنطاوي عدم خوض السباق الانتخابي. ورغم خروجه من ساحة الانتخابات لكن تم إحالته للمحاكمة.
ووفقًا لقانون الانتخابات بمصر، فإنه يشترط حصول المرشح على تزكية من 20 عضواً من مجلس النواب، أو تأييدا من 25 ألف مواطن من 15 محافظة، بواقع ألف تأييد على الأقل من كل محافظة، لتقديم أوراقه للترشح.
وأدانت عدد من المنظمات الحقوقية، بينها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إحالة طنطاوي وأعضاء حملته للمحاكمة.
وجددت المفوضية المصرية مطالبها بالإفراج عن المحبوسين في قضية “التوكيلات الشعبية” خاصة وأنهم لم يرتكبوا أي جريمة سوى التعبير عن رأيهم وتأييد مرشح بعينه وهو ما كفله الدستور والقانون من حرية الرأي والتعبير.
الاتحاد الأوروبي
وحثت 14 منظمة غير حكومية يوم الجمعة الماضي الاتحاد الأوروبي على منح الأولوية للمساءلة، وتحسين وضع حقوق الإنسان خلال المفاوضات الجارية من أجل شراكة استراتيجية للاتحاد الأوروبي مع مصر، لا سيما فيما يتعلق بالإطار العام للصفقة، وتوفير الدعم المالي، والتعاون في مجال الهجرة والأمن.
واتهمت المنظمات الاتحاد الأوروبي بالفشل في معالجة أزمة حقوق الإنسان والمساءلة في مصر، والتركيز فقط على الحد من الهجرة من خلال تعزيز الأجهزة الأمنية والجيش، وتمويل الدولة دون إصلاحات مسبقة، يمثل نهج قصير النظر؛ لن يعالج قضايا عدم الاستقرار المزمنة في مصر، بل سيؤدي لإعادة إنتاج الاستبداد، على نحو يثبت عدم فعاليته. إذ ترتبط الضائقة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر وأزمة حقوق الإنسان فيها بالمشاكل الأساسية المتمثلة في الحكم غير الخاضع للمساءلة، والسعي لبقاء النظام الحاكم، وهي المشاكل التي ينبغي معالجتها بشكل حاسم.
وقالت المنظمات: هذه الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين الاتحاد الأوروبي ومصر التي من المقرر أن تنطلق بعد المفاوضات في الأسابيع المقبلة، تتبع مباشرة الانتخابات الرئاسية في مصر، في بيئة انتخابية مغلقة تمامًا، دون مجتمع مدني مفتوح، أو مجال عام حر، أو استقلال قضائي، أو رقابة على السلطة التنفيذية. مثل هذه الظروف تَحول دون إجراء أي انتخابات حرة أو نزيهة؛ وبالتالي فإن إعادة انتخاب الرئيس الحالي أمر محتم. وقد تم منع المرشحين المحتملين الذين يمثلون تيار المعارضة الفعلية، مثل هشام قاسم أو أحمد الطنطاوي من الترشح.
سياق قمعي
ولفتت المنظمات إلى أن هذا السياق القمعي للغاية أدى إلى إصدار قرار عاجل من البرلمان الأوروبي؛ “يحث السلطات على دعم سيادة القانون، وحرية التعبير، والصحافة، والإعلام، وتكوين الجمعيات، واستقلال القضاء، والتوقف عن خنق أصوات المعارضة من خلال الاعتقال التعسفي، والمراقبة الرقمية، والإخفاء القسري، والتعذيب، والإفراج الفوري وغير المشروط عن عشرات الآلاف من الأشخاص للسجناء المحتجزين تعسفيًا بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم، ومن بينهم الفائز بجائزة حقوق الإنسان علاء عبد الفتاح و20 صحافيًا، ورفع الرقابة عن الإنترنت عن وسائل الإعلام المستقلة”.
وقالت المنظمات: تأتي هذه الانتخابات في سياق أزمة حادة ومستمرة في مجال حقوق الإنسان، موثقة ومعترف بها من قبل العديد من منظمات المجتمع المدني وهيئات الأمم المتحدة والمؤسسات الأخرى. وفي حالة تغاضى الاتحاد الأوروبي عن معالجة هذه الانتهاكات، فإنه يخاطر بإدامتها ودعم حكم الرئيس السيسي الاستبدادي.
أزمة اقتصادية
وتابعت: تعاني مصر من أزمة اقتصادية واجتماعية طويلة الأمد، وعلى الأرجح أن حكم السيسي غير الخاضع للمساءلة هو سبب تأججها. ومن ثم، فالشراكة الاستراتيجية المربحة مع أوروبا التي تهمل حقوق الإنسان، ستسمح له بالتباهي بتأمين الدعم المالي دون أي تنازلات. هذا من شأنه أن يساعد السلطة التنفيذية والمؤسسة العسكرية على تجنب الإصلاح، والاستمرار في فرض السلطة بلا رقابة في ملاحقة أو مساءلة عن هذه السياسات غير المستدامة، والتي تعمل على تعزيز عدم الاستقرار واستمرار الأزمات، وبالتالي تغذية تدفقات الهجرة مع سعي الناس على نحو متزايد إلى العيش الآمن والكريم في أماكن أخرى.
وأكدت المنظمات، أن الإطار السياسي لأي شراكة استراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ومصر يجب أن يعترف صراحةً بواقع هذه القضايا وطبيعتها الخطيرة – بما في ذلك أزمة حقوق الإنسان – وأن يعالجها بفعالية.
وواصلت المنظمات: من الضروري أن تُبنى الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين الاتحاد الأوروبي ومصر على إخضاع أي تقديم للدعم المالي المباشر وغير المباشر من الاتحاد الأوروبي لمصر، لشروط واضحة وعامة وقابلة للقياس في مجالات حقوق الإنسان والمساءلة، وتحديد المعايير ذات الصلة التي يجب الوفاء بها. وينبغي أن ينطبق هذا أيضًا على الصناديق الجديدة من بنك الاستثمار الأوروبي أو البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والتشجيع الأوروبي للاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد.
واعتبرت المنظمات، أن الدعم المالي المشروط بشكل ضعيف يهدد بدعم نفس السياسات التي أدت إلى التدهور الاقتصادي في مصر على مدى العقد الماضي. وهذه المسألة تكتسب أهمية إضافية بالنسبة لأموال الدعم المباشر للميزانية في الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، والتي لا يمكن للمانحين التحقق من استخدامها؛ وبالتالي، فإنهم عرضة بشكل أكبر لخطر الاختلاس، بما في ذلك لصالح الكيانات المتورطة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وزادت: تم تعليق تخصيص أموال جديدة لدعم الميزانية المباشرة من الاتحاد الأوروبي لمصر منذ قرارات مجلس الشئون الخارجية لعام 2013 الصادرة ردًا على مجزرة رابعة والنهضة (رغم استمرار التعاون التنموي القطاعي وتمويل المجتمع المدني). وفي السنوات الأخيرة، حذر البرلمان الأوروبي مرارًا وتكرارًا من دعم الميزانية لمصر بسبب الوضع المقلق لحقوق الإنسان. وبالتالي فإن التدفق غير المشروط لمثل هذه الأموال اليوم من شأنه أن يعطي إشارة مضللة بثقة الاتحاد الأوروبي ودعمه الدائم لحكم مصر غير الخاضع للمساءلة، واعتقاد الاتحاد الأوروبي أن وضع حقوق الإنسان في البلاد قد تحسن بشكل كبير.
وأكدت على ضرورة الإشارة بوضوح إلى شروط الإصلاح في خطاب وإعلان الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ومصر، كما يجب توضيحها في اتفاقيات الدعم المالي. ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يضع معايير ملموسة لاستعادة بعض الاستقلال لمؤسسات الدولة، وخاصة السلطة القضائية وهيئات مكافحة الفساد والاحتيال التابعة للدولة، والسماح للمجتمع المدني ووسائل الإعلام بممارسة دورهما الحاسم في مساءلة السلطات وتعزيز الحكم الشامل.