القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يمر سوى أسبوعين على حادث انهيار عقار مكون من 14 طابقا في مدينة الإسكندرية – شمال مصر- حتى شهدت المدينة نفسها انهيار منزل آخر أسفر عن سقوط قتيل.
وحسب بيان لحي الجمرك في الإسكندرية التي شهدت واقعة انهيار المنزل، فإن الأجهزة الأمنية في الإسكندرية تلقت إخطارا بانهيار عقار في نطاق حي الجمرك، فتحركت أجهزة الدفاع المدني وسيارات الإسعاف للبحث عن ضحايا تحت الأنقاض.
وقالت رئيس حي الجمرك نهى خليفة، إن الحادث لم يسفر سوى عن قتيل واحد، وليس هناك مصابين.
وقبل أيام من عيد الأضحى، شهدت مدينة الإسكندرية، انهيار عقار مكون من 14 طابقا.
وكانت السلطات المصرية أعلنت انهيار العقار، الاثنين قبل الماضي، وأجرت النيابة الإدارية معاينة تصويرية لموقع العقار، اتضح أنه مكون من طابق أرضي وأربعة عشر طابقا علويًا، ويقع بشارع خليل حمادة بمنطقة سيدي بشر بحري بنطاق حي أول المنتزه.
وأعلنت السلطات المصرية عن ان انهيار العقار أسفر عن 10 وفيات و4 إصابات.
وكشفت المعاينة انشطار العقار رأسيًا لأسفل بانهيار الجزء الأيمن في اتجاه واجهته حتى سطح الأرض، مع بقاء الجانب الأيسر دون أن يتعرض للانهيار.
كما تبين من التحقيقات أن العقار مبني منذ العام 1975 وأن مالك الدور الرابع عشر علوي أحدث فيه إضافات إنشائية دون ترخيص في غضون شهر حزيران/يونيو الماضي.
وألقت الأجهزة الأمنية المصرية القبض على المقاول المسؤول عن أعمال العقار وقررت حبسه.
وأكد شهود عيان أن العقار انهار في ظل تواجد عدد من السكان داخله، بالإضافة إلى وجود آخرين، كانوا متواجدين في سوبر ماركت أسفله، وكذلك عدد من السيارات.
ويتواصل انهيار العقارات في محافظة الإسكندرية الساحلية، ففي الأول من حزيران/يونيو الماضي، انهار جزء عقار في منطقة العصافرة، وفي الثالث من الشهر نفسه، سقطت شرفتين بعقار على الكورنيش في الطابق الأول والثاني، في منطقة جليم، وفي 16 حزيران/يونيو الماضي، انهار عقار مكون من 4 طوابق، دون حدوث إصابات إذ كان خاليا من السكان، وقررت السلطات إخلاء 3 عقارات مجاورة لحين العرض على لجنة المنشآت الآيلة للسقوط. وفي الـ20 من حزيران/يونيو الماضي، شهدت المحافظة تساقط أجزاء من عقار قديم. وقبل 3 أيام، سقطت شرفة عقار في شارع المغاربة في منطقة المنشية، دون إصابات.
الفساد يسيطر
المهندس طاهر عبدالحليم عضو الهيئة العليا لحزب الكرامة وأمين الحزب في محافظة الإسكندرية، أعاد أزمة انهيار العقارات في الإسكندرية، إلى الفساد في استخراج تصريحات البناء.
ولم يقتصر الفساد حسب عبدالحليم على مدينة الإسكندرية، لكن أعاد ارتفاع معدل العقارات الآيلة للسقوط في المدينة الساحلية إلى طبيعة مساحتها الجغرافية وعدم وجود امتدادات لها.
وقال إن أزمة العقارات تعود إلى زيادة عدد السكان في ظل عدم وجود توسعات للمحافظة.
وأضاف: في المحافظات الأخرى، أدت زيادة عدد السكان وعدم وجود خطة إلى أزمة البناء على الأراضي الزراعية،
أما في الإسكندرية فكان البديل أمام المواطنين هو هدم المنازل المكونة من أدورا قليلة لبناء أبراج شاهقة.
وتابع: استثناءات عديدة تصدر من الأحياء لبناء أدوار بالمخالفة للعدد المسموح به، كما أن العاملين في الأحياء يتغاضون عن البناء المخالف، مؤكدا أن عمليات البناء تستغرق وقتا طويلا تحت أعين موظفي الأحياء.
وواصل عبدالحليم: ان القانون نفسه غير رادع، حيث يسمح بالتصالح في مخالفات البناء، وبالتالي يجد المخالفون أنفسهم سيدفعون أموالا أقل من ثمن الوحدات المخالفة التي سيجنون من بيعها الملايين من الجنيهات.
غياب العدالة في تطبيق القانون، سبب آخر من وجهة نظر عبدالحليم في الأزمة، ويقول: يسمح لرجال الأعمال ببناء أبراج شاهقة في وقت يلزم المواطنين في نفس المناطق ببناء عدد 4 أو 5 أدوار، ما يجعل تكلفة الوحدة السكنية في المنزل أعلى بكثير من تكلفتها في المباني المملوكة لرجال الأعمال بعد توزيع تكلفة الأرض على عدد الوحدات.
ويتابع: إحساس المواطنين بالظلم يجعلهم يلجأون إلى حيل غير قانونية لبناء أدوار مخالفة.
تحرك برلماني
انهيار العقارات دفع محمود عصام، عضو مجلس النواب، للتقدم بطلب إحاطة لرئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي بشأن أهمية إعداد استراتيجية متكاملة لمواجهة إشكاليات العقارات الآيلة للسقوط بالإسكندرية.
وأكد أن محافظة الإسكندرية من المحافظات التي شهدت كما كبيرا من مخالفات البناء على مدار السنوات الماضية، ونتج عن ذلك واقع مؤلم لجميع الأهالي في مختلف المراكز والقطاعات.
وتابع: الأمر يحتاج لوقفة حاسمة من جانب الحكومة على كافة المستويات خاصة أن الأمر متكرر ومع كل حادثة تخرج الإدانات من دون وجود رؤية متكاملة لمعالجة هذه الإشكاليات على أرض الواقع.
ولفت إلى أن واقعة انهيار عقار سيدي بشر ليست الأولى ولكنها استمرار لوقائع مشابهة تزهق فيها الأرواح دون أي رقابة، وهو أمر يمثل مسؤولية مشتركة بين الجهات الحكومية المعنية بالبناء في المحافظة والمواطنين الذين شرعوا في بناء هذه المخالفات دون ضوابط محددة. ومن ثم التحرك هنا لابد أن يكون من جانب الحكومة من أجل إقرار استراتيجية واضحة تواجه تكرار هذه الظاهرة على أرض الواقع.
وأكد على أن الإسكندرية وفق إحصائيات رسمية بها أكثر من 7 آلاف عقار آيل للسقوط معظمها مأهول بالسكان، تهدد أرواح قاطنيها والمارة في نفس الوقت.
وطالب الحكومة، بتشكيل لجنة لحصر العقارات الآيلة للسقوط والتي صدر لها قرارات ترميم أو إزالة وتنفيذ هذه القرارات فورا، وتحديد الجهة المسؤولة عن تأخير تنفيذ قرارات الترميم أو إزالة العقارات الآيلة للسقوط وما هي إجراءات إلزامها بالتنفيذ الفوري حفاظا على حياة المواطنين، ووضع إستراتيجية عاجلة للتعامل مع العقارات الآيلة للسقوط في محافظة الإسكندرية.
300 ألف عقار
إلا أن إحصائية أخرى قدرت عدد العقارات الآيلة للسقوط في الإسكندرية بـ 300 ألف عقار مهدد بالانهيار، حسب ما جاء في بيان عاجل تقدم به قبل مجلس النواب محمود قاسم.
طالب قاسم في البيان العاجل، من الحكومة سرعة التحرك والتدخل لإيجاد حلول جذرية لمسلسل انهيار العقارات بمحافظة الإسكندرية، مؤكدًا أنه مع بداية دور الانعقاد الأول لمجلس النواب في فصله التشريعي الحالي تقدم بطلب إحاطة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة خاصة أن محافظة الإسكندرية تعتبر واحدة من أكبر المحافظات على مستوى الجمهورية التي تتعرض باستمرار لظاهرة انهيار العقارات.
وقال البرلماني: «لقد أكدت وجود 300 ألف عقار بالإسكندرية مهددة بالانهيار، حيث سبق وأن كلف الرئيس عبدالفتاح السيسي الأجهزة الحكومية المعنية من وزارتي التنمية المحلية والتضامن الاجتماعي بحصر هذه العقارات الا أنه حتى الآن لم يتم الحصر لهذه العقارات ما يشكل قنبلة موقوتة وخطورة كبيرة على أرواح المواطنين مطالباً بسرعة حصر هذه العقارات.
كما طالب قاسم، توضيح جميع الحقائق والأسباب التي وراء انهيار عقار مكون من 14 طابقا في حي المنتزه أول شرقي محافظة الإسكندرية بعد أن تسبب الانهيار في الإضرار بعدد كبير من قاطني العقار بشارع خليل حمادة أمام محطة الصرف الصحي بالإضافة إلى وجود آخرين كانوا متواجدين في سوبر ماركت أسفل العقار، وتحطم عدد من السيارات كانت تصادف تواجدها أسفل العقار.
وأكد أن مواجهة ظاهرة انهيار العقارات بمحافظة الإسكندرية يتطلب الإسراع في تنفيذ جميع القرارات الصادرة من الأحياء بإزالة العقارات التي تمثل خطراً داهماً على أرواح قاطنيها مع سرعة توفير وحدات سكنية بديلة.
وعلق النائب عبدالفتاح محمد، عضو مجلس النواب عن محافظة الإسكندرية، على واقعة انهيار عقار مكون من 13 طابقا بشارع خليل حمادة أمام محطة الصرف الصحي، بحي المنتزة أول، بأن الواقعة كارثية، والشعب الإسكندراني كله حزين بسبب الحادث.
ولفت محمد، إلى أن الجميع يعمل على قدم وساق لإنقاذ ما يمكن انقاذه، مؤكدًا أن إيجاد حلول لمنع مزيد من الحوادث المماثلة سيكون أولى أولوياته خلال الفترة المقبلة، وأن الجهاز التنفيذي يقوم بدوره ويتابع العقارات ويحدد أيهما يحتاج للإزالة، ويقوم بإخطار الأهالي ولكنهم لا يستجيبون لطلبات الإخلاء لعدم توفير البديل السكني، مطالبًا بضرورة توفير وحدات سكنية لكل ساكني العقارات المقرر إزالتها لعدم مطابقتها لشروط السلامة.
وتابع: «وحدات العقار تُستأجر خلال الصيف، لذا فكان بعضها خاليًا لعدم تأجيرها، ولكن التوقعات تشير لوجود البعض تحت الأنقاض سواء من السكان أنفسهم أو ممن كانوا بالسوبر ماركت أسفل العقار المنهار، داعيًا المولى أن يغفر للمتوفين وشفاء كل المصابين».
ووفقًا لآخر إحصائية رسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد العقارات الآيلة للسقوط في مصر ما يزيد على 100 ألف عقار عام 2020.
وكشف تقرير للجهاز أن إجمالي عدد المباني السكنية في مصر يبلغ تسعة ملايين و469 ألفًا و523 مبنى منها 474 ألفًا و506 مبان في محافظة القاهرة و578 ألفًا و964 في الجيزة. وأن أكثر قرارات الهدم والتنكيس في محافظة القاهرة التي تضم أقدم أحياء الجمهورية مثل السيدة زينب والخليفة وشبرا.
111 ألف قرار إزالة
إحصائيات وزارة التنمية المحلية المصرية تشير إلى ان قرارات الإزالة التي لم يتم تنفيذها بلغت أكثر من 111 ألف قرار إزالة، يتركز عدد كبير منها في محافظة الغربية بواقع 21.8 ألف وحدة، تليها القاهرة 19.7 ألف وحدة، والدقهلية بواقع 15.9 ألف وحدة سكنية.
ولفتت إحصائية وزارة التنمية، إلى أن إجمالى عدد القرارات المنفذة وصل إلى نحو 69.6 ألف وحدة بنسبة 62 في المئة من إجمالي الوحدات الصادر بشأنها قرارات إزالة كلية أو جزئية، وأن عدد القرارات التي تمثل خطورة داهمة يصل إلى نحو 18.3 ألف وحدة سكنية.
إلا أن دراسة للمركز المصري للحق في السكن – مركز مستقل، أكدت وجود نحو 1.4 مليون عقار آيل للسقوط على مستوى البلاد، وأن محافظة القاهرة بها أعلى نسبة عقارات صدرت لها قرارات إزالة، كما أن الإحصائيات غير الرسمية تؤكد أن هناك أكثر من 7 ملايين عقار مخالف في مصر، منها 2 مليون و184 ألف مخالفة خلال الـ 8 سنوات.
وإذا كانت الإسكندرية تتصدر المحافظات من حيث عدد العقارات الآيلة للسقوط، فإن المحافظات الأخرى تشهد أيضا انهيار عقارات، كان آخرها، انهيار منزلين في مدينة سوهاج – جنوب مصر، الجمعة بشكل جزئي من دون وقوع إصابات بشرية، على ما ذكرت وسائل إعلام محلية.
وانتقلت السلطات إلى مكان محيط المنزلين المتجاورين وفرضت طوقا عليهما، حيث أمرت الجهات الأمنية بانتداب لجنة هندسية لمعرفة أسباب الانهيار.
وسبق وأوصت شعبة الهندسة المدنية بنقابة المهندسين المصريين، برفع مستوى مهندسي الأحياء وبعقد دورات تدريبية لهم تحت إشراف نقابة المهندسين، وتشكيل لجنة استشارية تطوعية لتحديد العقارات الأكثر خطورة في جميع محافظات مصر، وتأهيل الشركات المتخصصة في الهدم وتدعيم المنشآت، وتكوين شركات صيانة وإلزام أصحاب العقارات بالتعاقد معها وتقديم تقارير دورية للأحياء، وتكليف المركز القومي للبحوث والجامعات بإيجاد آلية لتنفيذ إزالة العقارات المخالفة، والزام أصحاب العقارات بتكوين اتحاد شاغلين، وتفعيل التشريعات القانونية في حالات الإخلاء وتخصيص نسبة من الوحدات العقارية الجديدة في المحافظات لحالات الإخلاء، وتنفيذ حملة إعلانية باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتحذير المواطنين من التعاقد على شراء عقارات مخالفة، ومراقبة الإعلانات التي تذاع في المحطات الفضائية