مصمم الأزياء العالمي جمال تصلق لـ”القدس العربي”: “أحمل فلسطين في قلبي وأرسمها في تصاميمي

هاجر حرب
حجم الخط
2

“القدس العربي”: خلف ستارة غرفة والدته في بيتهم المتواضع في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، كان جمال ابن الإثني عشر ربيعاً يختبئ حاملاً معه شغفه وحبه للأقمشة، يراقب من بعيد كيف تُحول والدته بأناملها قطع القماش لما يشبه اللوحة الفنية.

يشد انتباه الصغير كلمات الإطراء التي تسمعها والدته ومعها جارتها المقربة مع كل فستان، أو قطعة ملابس تتمكنان من حياكتها لأخريات كُنّ يُقبلّنَ على زيارة منزلهم من لتصميم أزياء المناسبات السعيدة، حتى ذاع صيت هذا المنزل الذي خرج منه مصمم الأزياء العالمي الفلسطيني جمال تصلق.

جمال الذي يرسم بإبرته وخيطانه أجمل الصور الفنية لعدد من الملكات والأميرات ونجمات هوليوود، بات واحداً من أشهر مصممي الأزياء في العالم بعد أن غادر فلسطين في تسعينيات القرن الماضي وانتقل لدراسة فنون تصميم الأزياء في مدينة فلورانس عاصمة منطقة توسكانا الإيطالية، واحدة من أهم مواطن روائع الفن في عصر النهضة.

تعلُقهِ بفنون التصميم وعالم الموضة والأزياء دفعه للانتقال للعيش إلى روما التي شكلت محطة انطلاق لحياته المهنية في هذا المجال كما يقول في حديث خاص مع “القدس العربي”.

دار أزياء في روما

وحول رحلته والصعوبات التي واجهته، يشير تصلق إلى أن ثمة عراقيل وقفت في طريق حلمه منذ البداية، كان أولها فكرة تقبل المجتمع لاختياره تخصصاً مختلفاً عما جرت عليه العادة في تلك الفترة التي غادر فيها فلسطين، وقرر البحث عن حلمه حاملاً معه هويته الفلسطينية.

وأوضح قائلا “كانت دراسة الطب أو الهندسة هي الغاية التي يطمح إليها الناس في أوائل التسعينيات، لكن حبي للأقمشة وسحرها دفعني لأن أكون استثنائياً. لست نادماً على الإطلاق على هذا الخيار، بل العكس تماماً، أنا فخور كوني لا زلت احتفظ بهويتي الفلسطينية الشرقية رغم الثلاثين عاماً التي قضيتها هنا بعيداً عن فلسطين”.

وتابع “الشغف والإرادة والإصرار على النجاح دفعني لإنشاء أول دار أزياء في روما باسمي أنا الفلسطيني جمال تصلق وذلك عام 1999، كان هناك استغراب كبير، كيف استطاع ابن مدينة نابلس وهو واحدٌ من تسعة أشقاء وعاش في عائلة متواضعة أن يُنشئ أول دار أزياء باسمه، لكن لا مكان للمستحيل في قاموسي”.

أجمع عالمين

تميزه بدمج الأناقة الغربية مع سحر الشرق بحسب تعبيره، جعله من أكثر مصممي الأزياء في العالم إقبالاً، ويعزو ذلك إلى كونه نشأ وعاش في بيئة عربية مليئة بالجذور التاريخية في مجال الحياكة والتطريز والألوان الجذابة، موضحاً أن الطقس الذي يتميز به حوض المتوسط يهدينا كل يوم المزيد من الجاذبية التي تقنع زبائني بالإقبال على ارتداء تصاميمي”، كما يقول.

ويؤكد تصلق لـ”القدس العربي” أنه محظوظ بأن كانت انطلاقته الأولى في إيطاليا التي تقع هي الأخرى على البحر المتوسط، هذه البلاد لها حضارة وتاريخ، وتتميز بكونها من أوائل دول العالم التي يُشهد لها باعتزازها بمختلف أنواع الفنون.

ولفت إلى أن هذا ربما يعد واحداً من أسباب شهرته عالمياً، مضيفاً “الناس هنا يقُدرون الثقافة، ولمساتي الفنية ذات الصلة بهويتي الفلسطينية، واعتزازي بإبراز ثقافتي وتمسكي بها في تصاميمي، يزيد من الإقبال على تصاميمي كافة، والتي لا يفوتني أن أخصص في كل مجموعة فيها ما لا يقل عن ست قطع تحمل دلالة فلسطينية”.

اختيار الفلسطيني تصلق لإنتاج قصائده الخاصة من خلال تصاميمه وأزيائه، جعله استثنائياً في اختيار زبائنه أو ربما العكس، فتصاميمه تعد الاختيار الأمثل لعدد من نجمات الفن والمجتمع الملكي، كالملكة الأردنية رانيا العبد الله، والنجمة شارون ستون، وأورنيلا موتي، ومارتا مارزوتو، وباتي برافو.

الكلاسيك لا يموت وفلسطين حاضرة

“الكلاسيك لا يموت” بهذا بدأ تصَلق حديثه عند سؤاله عن إصراره على أن تناسب تصاميمه كل الثقافات والجنسيات، مضيفاً “من يعمل في مجال الذوق الرفيع يجب أن يطّلع جيداً على الحضارات والثقافات المختلفة، والإنسان بطبعه يغلب على خياراته حبه للتنوع الثقافي، لا يهم أن تكون تصاميمي عصرية بقدر ما يجب أن تحمل في طياتها انعكاساً لشخصية وثقافة من سيرتديها”.

وعن هويته الفلسطينية التي يتغنى دوماً بتمسكه بها، وإظهارها في تصاميمه، أكد أنه على الدوام يتعمد استخدام المواد الأولية التي تعبر عن القضية الفلسطينية، مثل خشب الزيتون، والكوفية الفلسطينية، التي يحيكها بطرق وأشكال مختلفة، وكذلك التطريز الفلاحي، الذي يعبر عن كل المدن والبلدات الفلسطينية من رام الله وحتى بئر السبع.

ويقول “عادة أهتم بالتصاميم الغربية، ولكن اللمسة الفلسطينية تكون حاضرة، التطريز الفلسطيني المعروف تاريخياً، اقوم بطلبه من نساء متخصصات في هذا المجال في فلسطين، وكذلك الكوفية، هذا المزج يجعلني فخورا بفلسطينيتي”.

عرض تاريخي لن يتكرر

في عام 2015 قدم تَصلق عرضاً داخل أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، كان الأول من نوعه الذي يُقدم في تاريخ الأمم المتحدة، بعد أن تمت دعوته من اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، وبعثة المراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة، كجزء من الفعاليات السنوية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، حيث كانت كل التصاميم المقدمة تحمل طابعاً فلسطينياً بحتا، إذ استخدم فيها تصلق ألوان العلم الفلسطيني التي تعبر عن الأرض والدم الذي نزف ليرويها.

أما الرسالة فكانت بحسبه “أن نظهر حجم اعتزازنا بثقافتنا، وتراثنا الفلسطيني، وأن نثبت قدرتنا على إثبات ذواتنا في مختلف المحافل الدولية”. كما قدم عام 2010 عرضاً في مدينة رام الله. يقول المصمم العالمي إن هذين العرضين كانا من أكثر المعارض التي جعلته يشعر بالفخر بهويته.

تصاميمه تعد الاختيار الأمثل لعدد من نجمات الفن والمجتمع الملكي، كملكة الأردن رانيا العبد الله، والنجمات شارون ستون وأورنيلا موتي ومارتا مارزوتو وباتي برافو

علاوة على تقديمه عرضاً آخر العام الماضي في روما حضرته سفيرة فلسطين في إيطاليا عبير عودة وكان يحمل عدداً من التصاميم الفلسطينية بقصات عصرية، وجميعها لاقت إقبالاً كبيراً، “فكل ما هو فلسطيني بالنسبة لزبائني هو تحفة فنية تستحق الاقتناء”، وفق تعبيره. ويشير إلى أن عام 2020 كان من المفترض أن يشهد عرضاً آخر في بيت لحم لكن جائحة كورونا حالت دون ذلك، متمنياً أن يتمكن من تقديمه مطلع العام القادم.

وقال “برأيي كفلسطيني يعيش في المهجر منذ ثلاثين عاماً أننا مُلزمون بحمل ثقافتنا وهويتنا أينما ذهبنا، ككل شخص يعتز بوطنه ويحمله في قلبه، فمن لا يملك تاريخا لا يمكن أن يصنع مستقبلا”.

حملة لاستعادة التراث

اعتزازه بوطنه وانتماؤه له لم يقف عند هذا الحد رغم شهرته العالمية، فقد عمل على إطلاق عرض في لندن قبل عامين، ذهب ريعه لإحدى المنظمات المحلية التي ترعى الأطفال في فلسطين. ويعكف حالياً على إطلاق حملة بالتعاون مع أحد المتاحف في مدينة بيرزيت في الضفة الغربية للعمل على استعادة ثمانين ثوباً فلسطينياً هاجرت قبل قرابة ثلاثة عقود للولايات المتحدة وتتواجد حالياً في واشنطن، لتعود مجدداً لموطنها الأصلي فلسطين”.

وحول رسائله للعالم الذي يتابع عن كثب حجم معاناة الفلسطينيين يقول تصَلق “نحن شعب تعرض ولا زال لكل أشكال الظلم ومع ذلك عندما هُجرنا من قرانا وأراضينا المحتلة. كانت وجهتنا التعليم والإبداع في مختلف المجالات، هذا هو الفلسطيني، الذي عانى الويلات بسبب استمرار احتلاله في عالم يقف مكتوف الأيدي، وهذا هو أقوى رد بالنسبة لنا، نحن نقاوم احتلالنا بتفوقنا”.

وأضاف “أما أبناء شعبي فرسالتي لهم: افتخروا بثقافتكم وحضارتكم، وبانتمائكم لفلسطين، ليس هناك شيء مستحيل في الحياة، آمنوا بالحب، نحن حُرمنا من كل شيء لكن هذا الحرمان أعطانا قوة أكثر لإثبات ذواتنا وتمسكنا بهويتنا”.

      

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد:

    هذا الرجل يعتبر بمثابة سفير فلسطين في العالم لانه يرفع الزي والتراث والتاريخ الفلسطيني الى كل شعب العالم عبر دار الأزياء التي يمتلكها في ايطاليا فنعم الرجال يا جمال والى الامام فانت مفخرة فلسطين وينبوع الامل الذي يستمر عطااؤه عبر الأجيال وهنيئا لمدينة نابلس بك وباعمالك وانجازاتك وليتعلم ويقتدي جيل الشباب صغارا وكبارا بما انجزته والله يوفقك ويعطيك طول العمر ومزيد من النجاح والازدهار

  2. يقول Souzsn:

    فخر نعتز به. جمال من رواد الازياء العالمية. أعماله لها لمسة رائعة.

إشترك في قائمتنا البريدية