مظلوميتا الشيعة والسنة: تبادل الأدوار!

حجم الخط
36

هناك أساطير عديدة تحفل بها السرديّات الشيعية والسنّية للمظلوميّة، لكن الفارق الملحوظ هو أن سرديّة المظلوميّة السنّية حديثة العهد، وترافقت مع ظهور الدولة العربية الحديثة وخصوصاً الطبعة القومية منها، ثم تصاعدت مع الانحطاط المتفاقم لهذه الدول وتغوّل أجهزتها القمعية والأمنية، ووصلت الى ذروتها مع تكرّس السلطات في يد طغم ذات طبيعة أقلوية، دينياً، او أيديولوجياً.
أما المظلومية الشيعية فنسجت حكايتها على وقع الاضطهاد الواقع على ذريّة الرسول العربيّ وأحفاده من ‘آل البيت’ وعانت من اضطهاد حكم الغلبة الأموي والعباسي، الذي وجد في أتباع الأئمة من آل البيت خطراً شديداً عليه وطاردهم واضطهدهم حيثما حلّوا، وتتجاهل هذه السرديّة أن الاضطهاد الواقع عليها قد لحق بخصومها الأمويين وأن العباسيين استأصلوا شأفتهم ودفعوا آخر أمرائهم الى الهرب نحو الأندلس، وما لبثوا أن اختفوا مع تقادم الأحقاب والأزمنة وضاعوا، ولذلك ما عاد الصراع الأزليّ الذي تعتاش عليه السرديّة الشيعية عن قتال الأمويين إلى يوم الدين إلا مجازاً.
على طول البعاد بين الشيعة العرب والحكم تأسست فكرة لديهم تتجنّب المشاركة في السلطة كما لو كانت ‘نجاسة’ تورّط ممارسها بالحرام، لكن هذه الفكرة تعرّضت للتآكل في بدايات القرن العشرين مع مساهمة الشيعة النشطة في تأسيس الأحزاب الحديثة الشيوعية والقومية والدينية واستلامهم مناصب ووزارات، لكنها أصبحت مطلباً وهدفاً بحد ذاته بعد تمكن الخميني من الوصول الى الحكم في ايران عام 1979، وهو ما فتح شهية الأحزاب الدينية سنية وشيعية للعمل على استلام السلطة وتأسيس ‘دولة إسلامية’ حديثة.
عاش المسلمون السنة إحساس الأغلبية، بما فيه من عدم اكتراث بالأقليات ومشاعرها، لكنهم في أزمنة الرغد والاستقرار كانوا يميلون بطبيعتهم الى الاعتدال والوسطية اللذين يميّزان القانع بوزنه الكبير وبحجمه وقوّته، وكان اي اضطهاد يقع عليهم لا يميّزهم كجماعة لأنه واقع على الجميع، فلم تكن هناك من حاجة لمراكمة هذا الشعور باعتباره اضطهاداً خاصاً بها كمجموعة بشرية، وكان شعورها بالظلم، إحساساً طبيعياً يلطّفه الطابع القدري للإسلام، ومطالب الرضا بالمصائب والصبر على المكاره، وكلها أمثولات دينية مطلوبة لترميم الشعور بالظلم. لكن العصور الحديثة جلبت على ‘السنّة’ إحساساً متزايداً بالجرح الوجوديّ المؤلم والاستخزاء التاريخي الذي بدأ مع انكسار أغلب البلدان الإسلامية أمام هجوم البلدان الأوروبية الحديثة عليها، مما أوقع الأمم الإسلامية في سؤال ممضّ حول عجزها وتخلفها رغم ايمانها بتفوق الإسلام كدين.
تراكب عاملان خطيران على تبديل وضعية المسلمين السنّة، الأول هو تكوّن نخب ثقافية ‘أقلوية’ سياسياً أو مذهبياً، تحتقر التدين الشعبي والسياسيّ، وتقارب هذا الفكر مقاربة ‘استشراقية’ أقرب للعنصرية (تستوي في ذلك النظم المسماة زوراً ‘علمانيّة’، وشقيقاتها المسمّاة ‘تقليدية’)، والعامل الثاني هو اندلاع الثورة الإيرانية التي استطاعت توظيف الشحنة الثورية الكبيرة التي خلقتها، واستثمار التطورات التي ساهم فيها تحالفها مع نظام حافظ الأسد، ونتائج الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، لبناء ما يشبه الامبراطورية الواسعة التي تخترق المنطقة العربية وتوازن بين ‘الشيعية السياسية’ والنفوذ العسكري والسياسي والأمنيّ.
أدى هذان العاملان، للمرّة الأولى في تاريخ الإسلام، إلى انقلاب الأدوار مما خلق مظلومية سنيّة عميقة كانت في أساس الثورات الحاصلة، مما أعطى أحزاب الإسلام السياسي زخماً شديداً لم تتوقعه وما كانت لتحظى به لولا التهام النخب السياسية الاستشراقية للدول العربية الحديثة وتحويلها الى غول يفتك بمن حوله ويدخل المجتمعات العربية في مأزق وجوديّ كبير.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول جزراوي...روسيا:

    السياسيون يتصارعون و الشعوب المسكينة تتالم

  2. يقول أم وليد-المغرب:

    السيدع.خ.ا.حسن الاردن, بدأت تعيقك ب “الفتنة نائمة لعن الله موقظها” ثم استرسلت في هجومك على الشيعة…أليس هذا تناقض غريب في كلامك ؟؟؟ ألا ترى أن حديثك كله يصب في ايقاظ تلك الفتنة التي نهينا عن اشعالها… !!!؟؟

  3. يقول متابع:

    نحن نعرف ان لاشيعه ايام الرسول والصحابه فهذه بدعه واهل البيت نحن العرب نعرفهم حق المعرفه فهم من نسل العرب خيرة القبائل العربيه في مكة من قريش فمن اين اتى الخميني والخامينني وووو فهم عجم وفرس كيف يكون نسبهم للأهل البيت

    1. يقول محسن قادري:

      صحيح. كما أنة لم يكن سنة أو وهابيين. هذه المذاهب لا تمت للإسلام بصلة

  4. يقول Nagi:

    كلنا مسلمون ومن قال شيعي او سني .

  5. يقول Nagi:

    افضل مقال لتجميع وحدة المسلمين وكم لكم حسنات على ذلك ونتمنى ان افعالكم الخيرة تكون هي الراجحة على سيائتكم يوم الحساب ومن زحزح عن النار فقد فاز .

  6. يقول نزارزريق- السويد:

    للأسف هذا أصبح أمراً واقعاً وبعض الأسباب صحيحة في هذا المقال والمشكلة الأساس والأعمق وقد كانت منذ قرون ولا زالت مستمرة هي الترابط الوثيق بين الدين والسياسة. نحن أمة واحدة وأعتقد أننا من نفس القبيلة.

  7. يقول الامام العزوزي:

    في بحر هدا الاسبوع اعتدى العرب السنة على الامازيغ الاصليين في وطنهم فقط لانهم امازيغ واباضيين فمن هو الطالم وفي العراق حكمت الاقلية السنية الاغلبية الشيعة واستاثرت بكل شئ

  8. يقول سامح // الامارات:

    * لو سمحتولي : لي ملاحظتان .
    * الأولى : شو حكاية ( الخميني ) قدس سره …؟؟؟
    ( عن أي سر تتحدثون ) …؟؟؟
    ** الثانية : خاص للأخت ( أم وليد / المغرب ) .
    سامحيني لتطفلي …ولك حرية ( عدم الرد ) .
    * قلت مرة أنك ( سنية ) ومع ذلك : منذ أكثر من سنة وهمك الأكبر
    هو الدفاع عن ( ايران ) و( حزب الله ) وأهل ( الشيعة ) …ولم أشهد
    لك تعليقا واحدا …دافعت به عن ( أهل السنة ) …؟؟؟
    * هل يوجد ( سر ) ف الموضوع …؟؟؟
    يا أختي …لو كنت ( شيعية ) مو عيب وحقك …ولكن تدعي أنك ( سنية )
    وهمك الأكبر الدفاع عن الشيعة …( غير مفهوم ) بالمرة …؟؟؟!!!
    مع احترامي الكامل …لخياراتك ولثقافتك العالية وأدبك ف الحوار .
    شكرا .

  9. يقول omar:

    لم يرد في القرآن الكريم كلمة سني أو شيعي، ولم يرد بالأحاديث الشريفة الصحيحة كلمة سني أو شبعي، هما أبشع كلمتين عربيتين مزقتا الاسلام والمسلمين لعهود طويلة ، وسببت أكبر المذابح في التاريخ القديم والحديث، للأسف في هذا الوقت الكثير من الناس يردد هذه الكلمات ويدافع عنها ويحارب من أجلها ويقتل من أجلها، أنا أعتقد وأنا لست بمفتي أو رجل دين لو أن عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب سمعا هذه الكلمتين لقطعا رأس القائل لأنهما يسببان قتال بين المسلمين ويدميراً للدين. وأقول لكل من يدعي أنه سني أو شيعي فهو كافر بدين محمد لأن القران ورد فيه الاسلام و اليهودية والمسيحية ولم يرد فيه السنة والشيعة.

  10. يقول أم وليد السنية -المغرب:

    السيد سامح, سأحافظ على أدبي في الحوار و سأجيبك بما أنك كفلت لي حق الرد…يا سيدي أنا همي لا يتلخص في كوني سنية أو شيعية, همي الأكبر هو نهضة هذه الأمة التي تعيش أعظم نكساتها بسبب التفرقة المخزية التي فرضها علينا أعداءنا و على رأسهم أمريكا و ربيبتها الصهيونية… منذ صغري و أنا أعرف أن عدوتي هي اسرائيل…السنة و الشيعة كانوا اخوة في الدين رغم اختلافهم في بعض الأمور العقائدية, ثم انقلبت المفاهيم و أصبح الشيعة هم أعداءنا و بدأنا نسمع عن انسانية اسرائيل و استعانة “الثوار ” بها “لتحرير” سوريا ….فاذا كان هذا الأمر و كذلك علاجهم داخل هذا الكيان يجد رضا و قابلية عندك فبالنسبة لي هذا خط أحمر عرييييض !!!!!!!!! أما بالنسبة لدفاعي عن حزب الله فلي الفخر بأن أكون من مناصريهم, و قناعتي الراسخة بخطهم لا علاقة له بكونهم شيعة بل لأنهم أهدونا أكبر و أجمل انتصارين على الصهاينة و تضحياتهم في هذا السبيل تاج فوق رؤوسنا …ثم انه لحرام أن نستمر في الحديث عن السنة و الشيعة, سنحاسب أمام الله عن هذه التفرقة التي ارتضيناها لأنفسنا…و في المجمل أنا مع كل من يقف ضد اسرائيل حتى لو كان ملحدا فلا حق لي في محاسبة أي أحد الله وحده يحاسبنا جميعا…و في الختام يا سيد سامح أعرفك بنفسي فأنا و بكل اعتزاز و فخر مسلمة سنية قبل كوني عربية و أنا عربية التربية و النهج قبل كوني أمازيغية فالعربية لغة القرآن و لغة رسولنا الكريم و أنا أمازيغية لأنني ولدت من أبوين أمازيغييين و لا يخجل من أصله و هويتة الا الضعفاء و بكل تأكيد أنا لست منهم…هدانا الله جميعا لخير ما يرضاه

    شكرا للنشر

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية