على الرغم من إمعان إسرائيل في التوجُّهات العنصرية والمتطرِّفة، إلا أنها تتجاهل ذلك وتبالغ؛ حتى تأمل من العالم ودوله أن يتجاهله، ليس هذا وحسب، بل إنها تتخذ من الهجوم خيرَ وسيلة للدفاع، كما في محاولتها تجريم المقاومة، بقرار أُمَمي يدين حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بتهمة الإرهاب، الأمر الذي أخفقت فيه، هي والولاياتُ المتحدة التي قدَّمت مشروع القرار، رغم وسائل الضغط التي مارستها سفيرة واشنطن نيكي هيلي على الدول الرافضة لحملها على الموافقة.
وفي هذا السياق تبنَّى الاتحاد الأوروبي، مؤخَّرا، تعريفًا لـ”معاداة السامية” يستثني مناهضة الصهيونية وإسرائيل. وبذلك يرفض الاتحاد الأوروبي إدراج مناهضة الصهيونية وحملات مقاطعة إسرائيل، في الممارسات المعادية للسامية؛ الأمر الذي يشكِّل خيبة أمل لإسرائيل (ومناصريها) التي تحاول – كما لا يخفى- الاستفادة من الرأي العام الرافض لمعاداة السامية، ومن المخاوف من صعودها في أوروبا والولايات المتحدة، في شَرْعَنة سياساتها الاحتلالية، كما حاولت- عن طريق أمريكا- الاستفادة من الرأي العام الرافض للإرهاب في تجريم المقاومة بأشكالها، وهو الحقّ الذي يمنحه القانونُ الدولي، لأيِّ شعبٍ محتلٍّ ضدَّ الاحتلال الذي يحرمه حقوقه الأساسية غير القابلة للجدل.
سنّت دولة الاحتلال قانونا يُجرِّم الداعين إلى مقاطعة إسرائيل، رغم انتهاجهم أساليب غير عنيفة
وهذه المعركة غير منتهية، بين القانون الدولي الحقوقي والأعراف الدولية، من جهة، والنفوذ والمصالح والدعاية المُضلِّلة التي تتوسَّلها إسرائيل وإدارة ترامب، حاليا، من الجهة المقابلة؛ إذ كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد اقترب من مساواة معاداة إسرائيل بمعاداة السامية، ظهر ذلك بعد إصدار مسؤولة أُمَميَّة تقريرا يتضمَّن انتقاداتٍ لاذعة لإسرائيل، حين قال في افتتاحه لـ”المجلس اليهودي العالمي” في أواخر أبريل/ نيسان 2017، في مشاركة غير مسبوقة للأمين العام في هذا المؤتمر، إنّ “الشكل الحديث من معاداة السامية يتمثَّل في إنكار وجود دولة إسرائيل”، معتبرا أنَّ “إسرائيل يجب أن تُعامَل كأيِّ دولة أخرى”، علما بأنها في أساس وجودها ليست كأيِّ دولة أخرى؛ إذ هي قائمة على أنقاض شعبٍ آخر تحتل أرضه، وتمعن في إقصائه، كما تجلَّى ذلك فيما سمِّي بـ”قانون القومية” الذي لا يعترف بغير (الشعب اليهودي) في أرض إسرائيل التي تشمل بحسبه/ كلَّ فلسطين، ولا يعترف بحق أيِّ شعب، سوى اليهود، بحقِّ تقرير المصير. إلا أنَّ الأمين العام غوتيريش ظلّ محتفظا بقدر من المسافة مع إسرائيل، وبقدرٍ من حقّ الاعتراض عليها، حين قال:” أنا أحيانا لا أتفق مع سياسة إسرائيل، وهذا أمر شرعي”.
وهذه المعركة بين الجانب الحقوقي والاحتلال، لا تزال ماثلة بين الحركة المقاطعة لها، كما تتجلَّى في حركة “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)والاحتلال الذي بدأ يواجه نتائجها الملموسة حول العالم، وفي مجالات عدّة، في التعليم والفنّ، والتعامُل التجاري، لذلك سنّت دولة الاحتلال قانونا يُجرِّم الداعين إلى مقاطعة إسرائيل، رغم انتهاجهم أساليب غير عنيفة، واستنادهم إلى القوانين الدولية. وكانت جولة سابقة حدثت بعد إنجاز تقريرين للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا(، وخلص التقرير الأخير منهما “الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الفصل العنصري” إلى أنَّ إسرائيل فرضت نظام فصل عنصري “أبارتهايد”، ضد الشعب الفلسطيني في كافة مناطق وجوده، ما يشكل انتهاكًا لما تنصّ عليه مضامين ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان. ولكن الأمم المتحدة تنصَّلت منهما، ومُورست ضغوطٌ إسرائيلية وأمريكية لسحبهما؛ ما دفع ريما خلف المسؤولة الأممية التي أشرفت على إعدادهما إلى الاستقالة. في استعادة لقرار الأمم المتحدة رقم 3379 الصادر عام 1975 الذي يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية، ثم إلغاؤه عام 1991.
هذه الحالة العالمية، تُجاه القضية الفلسطينية التي لاتزال تستعصي على إسرائيل، وحتى على أمريكا، تحدث، رغم ضعف الأدوات العربية، ورغم خذلانٍ رسميٍّ عربي يقترب، في مواطن عدّة، من التواطؤ مع الاحتلال، ولا تزال دول في العالم، ومؤسساتٌ عريقة، علمية، وغيرها، وشخصيات مؤثِّرة، تنحاز إلى الجانب الحقوقي والإنساني، وهؤلاء المجاهرون بمعارضة أمريكا وإسرائيل، ولا يمتُّون بالصلة التي تربط العرب بفلسطين، يعلمون الأثمان المتوقَّعة عليهم، ويستعدّون لدفعها، فالأمل ألا يجد هذا الكيانُ الاحتلاليُّ المنكشف غطاءً عربيا رسميا، في قابل الأيام.
كاتب فلسطيني
Thank you for making clear the right to resist the occupation of the Palestinian land and people