القاهرة ـ «القدس العربي»: كأنها باتت عاراً ينبغي التطهر منه، حرص عدد من الكتاب أمس الاثنين 25 يناير/كانون الثاني، خاصة أولئك الذين تذوقوا شهد السلطة، ونالوا مؤخراً بعض عطاياها على تجريس ثورة الخامس والعشرين من يناير، وإبداء الندم لأنهم ترددوا قبل عقد من الزمن على ميدان التحرير، وهتفوا بسقوط الرئيس حسني مبارك، لأجل ذلك فغداة الذكرى العاشرة للثورة كانت معظم الصحف قد عزمت أمرها وقررت الانضمام للسلطة، من خلال إطلاق الرسائل الرامية لدفع الناس للندم، لأنهم طالبواً يوما بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ودعوا مبارك للرحيل، حيث تعالت أمس أصوات كتاب حرصوا على أن يذكروا الملايين بنعمة الوطن، الذي ظل واقفاً على قدميه رغم ما شهدته البلاد من أحداث فارق،ة قبيل وعقب رحيل الرئيس مبارك عن سدة السلطة.
ومن أبرز تقارير أمس الاثنين الاحتفال بعيد الشرطة، حيث استقبل اللواء محمود توفيق وزير الداخلية الرئيس عبد الفتاح السيسي في مقر أكاديمية الشرطة، حيث عُزف السلام الجمهوري وسلام الشهيد. ووضع الرئيس السيسي أكاليل من الزهور على النصب التذكاري لشهداء الشرطة.
وفي إطار مواجهة انتشار فيروس كورونا دعت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، كل الأشخاص ممن هم فوق عمر الـ65 سنة التوجه لأقرب مستشفى حكومي للتسجيل للحصول على لقاح سينوفارم. وكانت وزارة الصحة والسكان قد استلمت 50 ألف جرعة من لقاح سينوفارم الصيني المضاد لكورونا، وفي انتظار الدفعة الثانية التي من المقرر أن تصل خلال أيام، وكان الرئيس السيسي أعلن بدء توزيع لقاح كورونا الصيني، اعتباراً من يوم الأحد على الفئات الأولى وتشمل، الأطباء وكبار السن، مشيراً إلى أن مصر لديها كميات كبيرة من اللقاح، على أن تصل نهاية الأسبوع الجاري شحنة من لقاح جديد إلى مصر غير اللقاح الصيني.
ومن الأخبار المؤلمة رحيل الداعية عبلة الكحلاوي متأثرة بإصابتها بفيروس كورونا، وقد نعاها حشد كبير من رموز المجتمع بينهم انتصار السيسي قرينة رئيس الجمهورية، وقال شيخ الأزهر ناعياً الراحلة وفقاُ لـ”الأهرام”، إن الدكتورة عبلة الكحلاوي، كانت نموذجاً للمرأة الصالحة لدينها ولمجتمعها، سلكت طريق الدعوة إلى الله، فأَلِفَتها القلوب، وأنارت بعلمها العقول، وجعلها الله عونًا لمساعدة الفقراء والأيتام. ومن الأخبار السارة: كشف اللواء عصام والي، رئيس الهيئة القومية للأنفاق، عن توفير 4 ملايين فرصة عمل غير مباشرة، من خلال احتياجات مواد البناء والحديد والرخام، جراء تنفيذ شبكة القطارات الكهربائية السريعة في مصر بطول 2000 كيلومتر. وأوضح أن وزارة النقل ممثلة في الهيئة القومية للأنفاق تعمل بشكل متواصل لتنفيذ جميع الأعمال الإنشائية والمدنية للقطار الكهربائي السريع في أول خطوطه “العين السخنة”.
سقوطه كان متوقعاً
فرضت الثورة في ذكراها نفسها على الجميع ومن بينهم عبد الله السناوي في “الشروق”: “لخّص مشروع توريث الجمهورية من الأب إلى نجله الأصغر، أزمات النظام كلها ووضعه مباشرة أمام النهايات المحتمة. كان ذلك المشروع تعبيرا عن سطوة رجال الأعمال المتنفذين في صلب القرارين الاقتصادي والسياسي، بزواج بين السلطة والثروة. لم يكن ممكنا بأى حساب توريث الحكم بغير أثمانٍ باهظة، واضطرابات لا قبل لأحد بها. كان طبيعيا في بلد محوري مثل مصر، أن تتدخل أجهزة استخبارات دولية لتوظيف الأحداث الكبرى وفق مصالحها الاستراتيجية، أو على الأقل خفض فاتورة المخاطر على تلك المصالح. غير أن ذلك لا يعني أن الفعل الثوري نفسه مؤامرة وأسبابه «نكسة». قيمة يناير/كانون الثاني في التاريخ أنها عكست الإرادة العامة التي لا سبيل لتحديها بقدر ما طمحت إلى الانتقال لعصر جديد أكثر عدلا وحرية وكرامة إنسانية. قبل يناير تبدت حالة غضب بين الأجيال الجديدة، وجماعات المثقفين، وكل ما له قيمة في البلد، استقطبت المشاعر العامة، حتى بدا النظام كله في العراء السياسي. رغم الاحتقانات السياسية والاقتصادية التي دعت الطبقة الوسطى والفئات الأكثر احتياجا إلى إعلان تذمرها، فقد كان «مشروع التوريث» هو نقطة التفجير التي استدعت كل الغضب إلى كل الميادين. لم يكن الجيش في وارد الصدام مع الإرادة الشعبية لتمرير التوريث، أو الدفاع عن نظام فقد شرعيته. ولم يكن هناك ظهير سياسي يؤيد مبارك في لحظاته الأخيرة، فقد انهار حزب السلطة مع أول هتاف في ميدان «التحرير». ما هو مصطنع يسقط في كل اختبار، سقط مبارك لأن نظامه تقوّض من الداخل، بدون حاجة إلى مؤامرة”.
أرض رخوة
نبقى في صحبة عبد الله السناوي وتوصيفه لأسباب ما جرى قبل عشرة أعوام: “أحد أسباب ذلك السقوط التعويل على قوة الأمن وحده، لضمان استقرار النظام وأن فيه الكفاية لمنع أي خطر على وجوده، دون حاجة إلى أي ركائز أخرى تثبته. لمدة خمس سنوات قضاها نائبا للرئيس في ظل أنور السادات تولى الملف الأمني، وهو رجل أمن يفهم فيه ويبالغ في اعتباراته على حساب أي شيء آخر. بعد محاولة اغتياله في أديس أبابا منتصف تسعينيات القرن الماضي، مال إلى تركيز إضافي على الأمن، غير أن نقطة التحول الجوهرية رافقت الانتخابات الرئاسية عام 2005. أدار الانتخابات نجله الأصغر، والمشهد أوحى بأننا أمام بروفة مبكرة لـ«توريث الحكم». في اجتماع احتفالي في حي مصر الجديدة، تصدرته قيادات «أمانة السياسات» سأل اللواء حبيب العادلي واحدا من المجموعة القريبة من نجل الرئيس: ماذا تخططون؟. لم يكن في حاجة إلى إجابة فقد حزم أمره على أن يكون وزير داخلية التوريث. كان ذلك إقحاما للأمن في ملف ملغم. لم يكن «الحزب الوطني الديمقراطى» حزبا حقيقيا بقدر ما كان تجمعا لأصحاب المصالح يلتصق بالسلطة، أي سلطة. في لحظة الثورة بدا الانكشاف كاملا للبنية السياسية المصطنعة. بقدر ما تكون الحياة السياسية صحية وقابلة لاكتساب الثقة العامة، فإن قواعد النظم تتأسس على أرض صلبة. كما لم يعصم النظام من السقوط ارتفاع معدلات النمو، فهو لا يغني عن التنمية الحقيقية. بالأرقام تجاوزت نسبة النمو حاجز الـ7%، وهي نسبة لا مثيل لها في التاريخ المصري المعاصر، غير أنها لم تمنع الانفجار الاجتماعي الذي أطاح بالنظام كله. ذهبت عوائد النمو إلى طبقة رأسمالية متوحشة توغلت في الفساد”.
متى نتفق؟
كانت ثورة 25 يناير/كانون الثاني والكلام لفاروق جويدة في “الأهرام” سبباً في انقسام الشارع المصري حين قامت من عشر سنوات، ومن يومها هناك فريق منا يراها ثورة، وفريق آخر يراها مؤامرة، وإن أصبحت في نهاية الأمر فتنة.. وقد تغيرت المواقف ولا أعتقد أننا يمكن أن نتفق عليها فقد لعبت جهات كثيرة في مصير هذه الثورة.. هناك البعض يرى أنها كانت صحوة من شباب مصر ضد الفساد والاستبداد وترهل نظام حكم ظل 30 عاما، شهد زواجا باطلا بين المال والسلطة.. وهناك من رأى فيها مؤامرة شاركت فيها أطراف ودول أجنبية؛ بينما يرى البعض إنها بدأت حراكا شعبيا مجردا وسرقتها جماعة الإخوان حتى وصلت من خلالها لحكم مصر.. سوف يبقى الخلاف بيننا حول أسبابها ومن شجعها ووقف خلفها ولكن هناك قضية لم تحسم حتى الآن، وهي الأطراف الخارجية التي كانت وراء حركة الشباب وأن هناك تمويلا خارجيا وخططا مرسومة.. وهذه القضايا لم تحسم حتى الآن ولم تصدر فيها أحكام قاطعة، رغم أنها ما زالت أمانة أمام القضاء المصري، لأنها تمس طهارة جيل ينبغي أن لا يسقط ضحية اتهامات باطلة.. أن الخلاف سوف يبقى كبيرًا بين العمالة والبطولة وهذه أشياء تحكمها المواقف والشواهد والأدلة، وينبغي أن لا تقع فريسة لبعض المغامرين وأدعياء الوطنية وتجار الشعارات. إن 25 يناير/كانون الثاني لم يكن حدثا عاديا وينبغى أن يأخذ حقه من الحوار حتى لو اختلفنا حوله لأن الدماء التي سالت لها حق علينا.. بعد عشر سنوات من هذه الصحوة يجب أن تكون لنا وقفة معها حتى تتكشف الحقائق.. مازلنا حتى الآن مختلفين حول ثورة يوليو/تموز ويبدو أن 25 يناير سوف تلقى المصير نفسه، رغم الفارق الكبير بين الحدثين.. وطالب الكاتب بأن نتجرد قليلا من شطط أفكارنا ومواقفنا ونتعامل مع التاريخ بقدر أكبر من النزاهة والشفافية.
رائحة يناير
غالبية من خرجوا في 25 يناير/كانون الثاني 2011، والأيام الـ18 التالية لها، حتى تنحى الرئيس الأسبق حسني مبارك، هم وفق رؤية عماد الدين حسين في “الشروق” كانوا يريدون العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهى شعارات أظن أنه لا يوجد عاقل في أي مكان في العالم يختلف معها من قريب أو بعيد، إلا إذا كان في قلبه مرض أو في عقله مس. يقول الكاتب، أنا كنت واحدا من الذين تواجدوا في ميدان التحرير يوم 25 يناير، وبعض الأيام التي تلته، وكنت موجودا يوم الجمعة 18 فبراير/ شباط 2011، حينما تنحى مبارك في الخامسة مساء. يومها فرحت وهللت مثل معظم المصريين. كانت عندى آمال عظيمة في المستقبل، كانت زوجتى معى وغادرنا الميدان ليلا عائدين إلى البيت، وأتذكر جيدا أنني رغم فرحي، حاولت كثيرا تهدئة حماسها بأن «الجو صار بديعا والدنيا ربيعا»، وقلت لها إن الطريق لن يكون سهلا ومليئا بالورود، لأن التحديات والظروف صعبة وكبيرة للغاية داخليا وخارجيا. لكن للموضوعية لم أكن أدرك خطورة جماعة الإخوان والقوى السلفية المتطرفة، التي تمكنت من السيطرة على مجمل المشهد السياسي، بعد أن سيطرت على الشارع والميدان وقتها. هي تمكنت من الاستحواذ والتكويش على البرلمان بمجلسيه ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، في ظل ضعف القوى السياسية والحزبية المدنية، التي تقاعست كثيرا لكنها للموضوعية، تعرضت لحصار طويل وممتد طوال ثلاثين عاما، هي عمر نظام حسني مبارك. غالبية من تواجدوا في ميدان التحرير طوال الـ 18 يوما، كانوا شبابا مثل الورد، يأملون في حياة مختلفة، سيادة القانون على الجميع وتعليم وصحة وخدمات متطورة، ودولة مدنية حقيقية.
ملف مهمل
تجربة سليمان جودة مع ملف الصناعة الذي تناوله مرات في “المصري اليوم”، تشير إلى إنه أكبر من أن يُترك لوزارة الصناعة وحدها، رغم مسؤوليتها المباشرة عنه من الألف إلى الياء! لتجربة تقول إن جزءًا لا بأس به من هذا الملف، الذي لا تخفى ضرورته على أحد، إنما يقع في نطاق وزارة المالية، التي تتولى جانبًا من جوانبه.. أما الدليل على ذلك، فهو أن المالية بادرت إلى طرح مبادرة لسداد دعم الصادرات، بعد أن حظي دعمها باهتمام رئاسي ظاهر. التجربة تقول أيضًا إن جزءاً آخر من الملف ذاته، إنما يستقر على مكتب المحافظ طارق عامر، الذي طرح من موقعه مبادرات عدة للوقوف إلى جوار قطاع الصناعة في مجمله.. ولكن ما أسمعه من أصحاب تجارب حية على الأرض في مصانعهم يقول، إن القضية على مستوى البنوك، التي من المفترض أن تكون ممولاً للمصانع في شتى أعمالها، ليست بالوضوح نفسه لدى المحافظ عامر. والتجربة تقول كذلك إن جانبًا أكبر من بين جوانب الملف، يبقى في وزارة الصناعة ذاتها، بحكم اسمها أولًا، وبحكم تبعية جهاز دعم الصادرات لها ثانياً، وبحكم أن جهاز تحديث الصناعة هو أحد أجهزتها ثالثاً، وبحكم أنها صاحبة الاختصاص الأول في الموضوع رابعاً، وبحكم أن وجودها في الأصل هو من أجل أن تقوم في البلد صناعة حقيقية خامساً. وربما تكون هناك جهات أخرى ذات صلة مباشرة بهذا الملف، الذي لما نهضت به ثماني دول في العالم كما يجب، صارت معروفة بأنها الدول الصناعية الثمان، التي لا تنعقد قمتها السنوية في أي عاصمة، إلا وتستحوذ على اهتمام أهل الأرض. ولكن التواصل بين الجهات الثلاث المشار إليها.. المالية والمركزي والصناعة.. يبدو أنه دون المأمول، وأنه في حاجة إلى دفعة أقوى تنقله من مربع إلى مربع، وتبدو المستويات الثلاثة في حاجة إلى مستوى أعلى يجمعها على مائدة واحدة، وينسق بينها ويوجه، ويتابع ما تقدمه للقضية باستمرار.
مأساة قديمة
وجّه وزير التعليم العالي التحية لشهداء الأطقم الطبية من أساتذة الجامعات تحت قبة مجلس النواب، فخاطبته النائبة غادة علي قائلة: «أنت وجّهت التحية لشهداء الأطقم الطبية من دكاترة الجامعات، فهل تُدرك أن معاشهم من 500 جنيه إلى 1200 جنيه، فهل التحية كافية لهم؟». بدوره قال الدكتور محمود خليل في “الوطن”، إن أوضاع معاشات أعضاء هيئة التدريس تمثل واحدة من كبرى مآسي الجامعات المصرية. نظام المعاشات في مصر يرتبط بعدد سنوات الخدمة، فإذا حدث وتوفي عضو هيئة التدريس وهو على درجة مدرس، فإن المعاش الذي ترثه زوجته وأولاده قد لا يزيد على 700 جنيه. ودرجة المدرس لا يبلغها عضو هيئة التدريس إلا بعد الحصول على الماجستير والدكتوراه. أما الأستاذ الذي يترقّى ببحوث مبتكرة في مجال تخصّصه – بعد الماجستير والدكتوراه – إلى درجة أستاذ مساعد، ثم أستاذ دكتور فإن معاشه عندما يبلغ الستين من عمره يصل إلى نحو 1500 جنيه. تخيّل إنساناً عمل في الجامعة منذ كان معيداً عمره 22 عاماً، وقضى سنوات خدمة تصل إلى 38 عاماً تحصل أسرته على 1500 جنيه إذا توفاه الله. فهل هذا الوضع منطقي أو طبيعي؟ أستاذ الجامعة يُبلى سنوات عمره في البحث والتدريس والإشراف العلمي وأعمال الامتحانات والأعمال الإدارية وغيرها مقابل مرتب شديد التدني، لو قُورن بالمرتبات التي يحصل عليها بعض شباب الخريجين من العاملين في قطاعات معينة لأثار الرثاء.
بـ270 جنيها
تابع الدكتور محمود خليل رصده لمآسي الأطباء: يشرف على رسالة الماجستير والدكتوراه ويقرأ مئات الصفحات ويُصحّح ويُنقّح ويطور ويُعلّم باحثاً جديداً، فتكافئه الجامعة بعد مجهود قد يمتد إلى خمس سنوات بـ270 جنيهاً. يشارك في مناقشة رسالة ماجستير أو دكتوراه فيقرأ صفحاتها، وقد يقضى ساعات طويلة في العودة إلى مراجع وبحوث، حتى يُحسن أداء مهمته، ويفيد الباحث والعلم فتكافئه الجامعة بـ80 جنيهاً. أشكال كثيرة من البهدلة في الحياة الدنيا يتحمّلها أستاذ الجامعة قناعة منه في العلم، وإيماناً بدوره في تطوير المجتمعات، وأن متعة العالم في البحث والاكتشاف، وليس في حصد الأموال، وهو عندما يطلب تحسين أوضاعه المالية، فإنه يستهدف الحد الأدنى الذي يحفظ كرامته وكرامة أسرته. الأساتذة الذين يقابلون وجه ربهم يذهبون إلى حياة أفضل عند رحمن رحيم، لكن هل يليق بعد بهدلة أستاذ الجامعة في حياته بهدلة أسرته بعد وفاته بهذه المعاشات الكاريكاتيرية؟ وأكد الكاتب على أن هذا الوضع لا يُرضي أحداً. نحن ننتمي إلى مجتمع لا يوجد فيه طلب على العلم، في حين يوجد طلب على غيره، وبالتالى فالحديث عن الأدوار العلمية لأساتذة الجامعات في تطوير المجتمع لن يُجدي، بل نقول إنهم يمثلون في النهاية قطاعاً من المصريين يريد أن يعيش وأن يضمن لذويه حياة آدمية بعد لقاء الله. زيادة مرتبات ومعاشات أعضاء هيئة التدريس يمكن تمويلها بسهولة من الصناديق الخاصة داخل الجامعات المصرية، التي تعد مدخولاتها بالمليارات، وبالتالي لن يشكل الأمر عبئاً على وزارة المالية. التدخل لتعديل أوضاع مرتبات ومعاشات هذا القطاع من المصريين ضرورة.
لا تجدع أنفك
أكد حمدي رزق في “المصري اليوم” أنه لا أحد يشكك في نوايا وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق، وفي هذا السياق المحكم، لا يصح تلويح الوزير هشام توفيق بالتنحى: «أنا مستعد في أي لحظة أن أتنحى عن منصبي.. لو اتاقالي أن نظام العمل الخاص بي غير صحيح». مثل هذا التلويح بالاستقالة لا يستقيم سياسيا في مواجهة الرافضين لقرار تصفية شركة الحديد، هذا من قبيل جدع الأنوف، وجدع الأنف لغة يعني ضرب أرنبة الأنف ليصبح المرء بلا أنف يميز ملامح الوجه، فلا تبين ملامح القضية، التصفية ليست حكما مشمولا بالنفاذ، هذه حسبة اقتصادية، مستندة إلى أرقام وحسابات، وهناك أرقام أخرى وحسابات مهملة، والحوار مطلوب حول قضايانا الوطنية. أفضل ما نجم عن قضية تصفية «الحديد والصلب» التداعي الوطني للحوار، وفتح المجال للخبراء ومختلف الآراء، سيادة الوزير لا تجهض الحوار بالتلويح بالتنحي. قد يكون بعض الحوار خشنا بعض الشيء، ولكن أنتَ الذي بدأ الملالةَ والصُّدودَ، التصفية أسهل الحلول، لا تحتاج إلى خبرة وزارية معملية فذة، الوزير الشاطر يعيد الشركات للحياة لا يشيعها إلى الآخرة. صفها كما شئت وشاء لك الهوى ولكن كف عن التلويح، ولا تحك الأنوف، وتواضع في طرحك، من تواضع لله رفعه، وكن حصيفا، لسانك حصانك، عندما تقول إن ممتلكات «الحديد والصلب» كلام فارغ.. و«المصنع ما يسواش 10 صاغ»، هذه خطيئة لفظية، لا تعبر عن خطة منهجية، هذا يعبر عن اندفاع غير حميد من وزير يمسك مقاليد الجمعيات العمومية العادية والطارئة، ويعين رؤساء مجالس الإدارات القابضة والتابعة. هنا يستوجب التوقف، هل بهذه الروح الانتقامية تقنع بالتصفية، وبالقرار، الحجة بالحجة والرقم بالرقم، أعتقد الأمر يحتاج برمته إلى مراجعة رئاسية لأرقام الوزير هشام في حسبة الحديد والصلب. شبه الاعتذار الذي قدمه الوزير عن تعبيره الصادم، «شركة الحديد والصلب متساويش 10 صاغ.. كان اندفاعا مني» مقبول ومحترم، وعليه أن يكف عن تلويحاته بالتنحي، لسنا في معركة صفرية.
الوزير لا يعلم
قارن رمضان عبد العال في “فيتو” بين إدارة الوزير كامل الوزير لملف خسائر شركة سكك حديد مصر، والشركات التابعة لها مثل شركة سيماف وورش الإصلاح في مدينتي الواسطة في بني سويف وشبرا، التي تجاوزت 6.5 مليار جنيه ونجاحه خلال شهور معدودة في تطوير الورش وتفعيل المصنع والقضاء على الخسائر السنوية، وإدارة الوزير هشام توفيق لملف خسائر شركة الحديد والصلب المصرية في حلوان البالغة نحو 8 مليارات جنيه، مع تقادم الأفران وتراجع الإنتاجية واختيار الحل السهل لتفادي الخسائر، وتقديم حجج لم تقنع أحدا لفشل كل محاولات التطوير، وتحديث الأفران وآلات المصنع. لم يقدم لنا الوزير أي بيانات عن المسؤول عن ترك المصنع بلا تطوير أو تحديث واجب خلال السنوات الماضية، التي تجاوزت نحو 70 عاما وتركه لعمره الافتراضي وضياع ثروة قومية كنا نفخر بها لسنوات طويلة.. أيضا لم يقدم لنا الوزير تفسيرا لماذا لم يوضع المصنع ضمن برنامج تحديث الصناعة، الذي أطلقته الدولة منذ أكثر من 10 سنوات وتحملت في سبيله مليارات الجنيهات لإقالة الصناعات المتعثرة من كبوتها، وكانت صناعات الحديد والمنسوجات والصناعات الغذائية في مقدمتها.. ثم ماذا عن برنامج تطوير الصناعات المتعثرة بفعل أحداث يناير/كانون الثاني وتوابعها الكارثية على نحو 17 ألف منشأة صناعية قطاع عام وخاص، توقفت كليا أو جزئيا خلال تلك الفترة، وأعلن عن تبني الدولة برنامجا لدعمها، من أجل استعادة كامل طاقتها الإنتاجية، ولماذا لم يكن مصنع الحديد والصلب أحد أولوياتها وهو المصنع الوحيد الذي ينتج الصلب المخصوص عالى الجودة التي تقوم عليه معظم الصناعات الهندسية أم أن الاستيراد لتلك المكونات سيكون هو الحل بعد التصفية.
لجنة تقصي الحقائق
أما أكرم القصاص في “اليوم السابع” فقال: “إعلان قرار التصفية لمصنع الحديد والصلب، بدا صادما لكثيرين، ارتبط المصنع معهم بالصناعة الوطنية، وفي وقت تسعى الدولة لإحياء وتطوير الصناعات التي تراجعت خلال العقود السابقة، مثل الغزل والنسيج والكتان والسماد وغيرها. ربما لا يكفي الحنين فقط مبررا للحفاظ على كيان خاسر، لكن أيضا يفترض التعرف على أسباب الخسارة، وهل هي متعمدة؟ أم أنها تراكمات لسوء الإدارة؟ خاصة أن الدولة اليوم تسير باتجاه بناء الصناعة، ومدن صناعية، وتتوسع في دعم الصناعات الكبيرة كالغزل والنسيج والألمونيوم والجلود. ويوميًا هناك مشروع جديد، ونظن أن الدولة التي تفكر بهذه الطريقة يصعب أن تتساهل في وجود أمل. أفضل الاقتراحات التي طرحت في مجلس النواب في قضية مصنع الحديد والصلب هو تشكيل لجنة تقصي حقائق تتابع أحوال المصنع، وتفاصيل عمله وأصوله وعماله، حتى يمكن حسم الخلاف حول أحوال المصنع وقرار التصفية. الحديث عن التصفية يعيد التذكير بما تم في برنامج الخصخصة في التسعينيات، ويثير الكثير من علامات الاستفهام، حيث تم بيع الشركات الكبرى، وتصفية العمال، ثم تحولت الأراضي إلى مشروعات عقارية، عادت بالمليارات على المشترين الذين اشتروها بتراب الفلوس، لكن المشهد الآن لا يُشير إلى تكرار الوقائع السابقة، وإنما إلى رؤية تبدو متماسكة بشأن الواقع والمستقبل. قرار التصفية أثار كثيرًا من الجدل وعلامات الاستفهام على صفحات الجرائد وبعض الفضائيات، ومواقع التواصل، لكنها كانت في أغلبها مناقشات منحازة تنطلق من رؤية مسبقة، لا تتوقف عند المعلومات، وكان على الوزارة أن تكون أكثر استعدادا لمصارحة الرأي العام وكشف التفاصيل وأرقام الخسائر والديون المتراكمة للشركة. تلك الخطوة كان يُمكن أن تحل المشكلة وتكشف حجم معاناة الشركة، أكثر من مجرد عناوين تؤكد أنه لا أمل في الإصلاح، من دون وضع الناس أمام حقيقة المأزق وثقل الميراث. هناك رأي طرحه وزير الصناعة الأسبق منير فخري عبدالنور، أعلن فيه أنه جرت محاولات لإحياء المصنع وتطويره، لكنها فشلت، بما يعني أن الحل في التصفية. وقال بعض المتابعين إن صناعة الحديد والصلب تواجه منافسة عالمية كبرى، وإن تكاليف إنتاج الطن في المصنع أضعاف تكلفته في المصانع الأخرى، وهذا معناه خسارة محققة أدت لتراكم الديون حتى تجاوزت 15 مليار جنيه. بعض الخبراء قالوا إن سبب الخسارة أن تكلفة الطاقة للمصنع أضعاف تكلفتها لباقي المصانع، وأن تكلفة الطاقة بشكل عام أكبر من تكلفتها في الخارج ما يجعل الإغراق واردًا في هذا المجال. القضية تبدو مهمة ومعقدة وتحتاج بالفعل إلى لجنة برلمانية لتقصي الحقائق، يمكنها الاستماع للخبراء والمختصين لتصدر تقريرًا بالتفاصيل والحقائق. موأثناء المناقشة في مجلس النواب، قال نواب، إن الدولة أقامت مئات المشروعات القومية وأنقذت صناعات مهمة مثل الغزل والنسيج، وتساءلوا لماذا لا نتصرف بالطريقة نفسها بدلًا من الاكتفاء بالشكوى أو إعلان الفشل. تلك الأسئلة تبدو منطقية أيضًا، ولا رد عليها إلا بالحقائق والأرقام. هكذا يبقى تشكيل لجنة تقصي لشركة الحديد والصلب حلًا يمكنه أن يسفر عن تقديم اقتراحات عملية، الأهم أن نحفظ حقوق العمال والدولة، ونوقف نزيف الخسائر.
عيد مختلف
تحتفل الداخلية في 25 يناير/كانون الثاني من كل عام بعيد الشرطة، تخليدًا لمعركة الإسماعيلية عام 1952 عندما سطر أبطال الشرطة ملحمة بطولية، واستبسلوا في الدفاع عن مبنى المحافظة، قبل 69 سنة من الآن. وأشار محمود عبد الراضي في “اليوم السابع” إلى الحدث الكبير المتمثل في
رفض رجال الشرطة تسليم مبنى المحافظة للمحتل الإنكليزي، وقاوموا المحتل للأنفاس الأخيرة في معركة الشرف، حيث قدمت الشرطة 56 شهيدًا و80 جريحًا في معركة الإسماعيلية، بينما سقط من البريطانيين 13 قتيلا و12 جريحا، فخرج المصريون في مواكب جماعية لاستقبال أبطال الشرطة المصرية في ثورة حب. اللافت للانتباه في هذه المعركة أن الجنرال الإنكليزي أكسهام، أمر جنوده بمنح التحية العسكرية لجثث شهداء الشرطة المصرية تقديرًا لاستبسالهم في الدفاع عن وطنهم، وقال: “لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف”. ورغم مرور 69 سنة على معركة الإسماعيلية، إلا أن معارك البطولة لم تتوقف، سواء في مواجهة الإرهاب أو الجريمة، أو مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة، وحماية أرواح المصريين من أي خطر يحدق بهم. بطولات الشرطة عرض مستمر، من معركة الإسماعيلية حتى الآن، يسطرها أبطال في مواقع العمل المختلفة كافة، وهم ينظمون حركة المرور، لا يبالون بحرارة الشمس الحارقة في نهار الصيف، ولا برودة الجو في ليل الشتاء، ورجال الحماية المدنية وهم يواجهون ألسنة النيران في الحرائق وينقذون الضحايا من أسفل العقارات المنهارة، ويفككون القنابل، ورجال الأمن المركزي، وهم يداهمون أوكار الجريمة، ورجال الأمن العام وهم يكشفون الجرائم ويقدمون المجرمين للعدالة، وكل ضابط وشرطي في مواقع العمل المختلفة، فتحية لهم في عيدهم.
البقية تأتي
كان الموعد الذي تابعه عبد المحسن سلامة في المزارع السمكية في شرق بورسعيد التابعة لـ«جهاز مشروعات الخدمة الوطنية»، حيث تم افتتاح مشروع «الفيروز» للاستزراع السمكي، وكذلك مشروع «الديبة»، وتدشين «أسطول الصيد البحري». مشروع الفيروز، كما أكد الكاتب في “الأهرام” هو أضخم مشروع استزراع سمكي في الشرق الأوسط وقارة افريقيا، والأول من نوعه الذي يتم تنفيذ الاستزراع السمكي فيه في أحواض ترابية باستخدام مياه البحر، على مساحة 16 ألفا و342 فدانا، ويتكون من نحو 6000 حوض استزراع سمكي، بطاقة إنتاجية أكثر من 13 ألف طن. حينما تجولنا في المشروع، كان الوضع مختلفا، وينطبق على تلك الحالة المثل القائل «ليس من سمع كمن رأى»، فهناك تشعر بعظمة الإنجاز، الذي يضاهي أحدث المواصفات القياسية العالمية. كل النظم المستخدمة في المشروع حديثة ومتطورة، ما يؤدي في النهاية، إلى إنتاج سمكي صحي يليق بمصر والمصريين. لن تجد هناك حيوانات نافقة تتغذى عليها الأسماك، ولن تجد حشائش وطحالب في أحواض الأسماك، وإنما كل شيء تمت صياغته بدقة وعناية فائقة. القصة ليست مجرد مزارع أسماك، إنما هي مشروعات تنموية متكاملة، تضم المباني الإدارية، والمساكن للعاملين، ومخازن للأعلاف، ومحطات لتحلية المياه، والصرف الصحي، ومصانع ثلج، ومصانع فرز وتعبئة، ومحطات للوقود والطاقة. المواصفات نفسها موجودة في مشروع «الديبة» للاستزراع السمكي، والفرق أن مشروع «الديبة» أقل مساحة من مشروع «الفيروز»، حيث أقيم «الديبة» على مساحة 204 أفدنة في منطقة مثلث الديبة غرب بورسعيد.
وداعاً عبلة
من بين من افتقدوا الداعية عبلة الكحلاوي التي رحلت مؤخرا محمد الأحمدي في “اليوم السابع”: “اختارت اسم الباقيات الصالحات لتكون جمعية خيرية في المقطم لرعاية الأطفال الأيتام ومرضى السرطان وكبار السن من مرضى الزهايمر، وكانت بالفعل مثالا للباقيات الصالحات من عملها ومواقفها، إنها الداعية عبلة الكحلاوي التي خطفها فيروس كورونا منا، والذى يخطف يوما تلو الآخر شخصيات من أفضل وأنقى البشرية، تلك السيدة التي أحسست في برامجها ولقاءتها بالمعنى العظيم لديننا الإسلامي المتمثل في الروح وخطابها الإنساني قبل الجانب الدعوي والفقهي، فلم تكن عبلة الكحلاوي مجرد داعية تظهر على شاشة التلفزيون ولكنها أحدثت حالة من التفاعل وسط قطاع عريض من الجمهور، في قرى ومدن مصر المختلفة، خلال السنوات الماضية قبل فترة مرضها. وكانت عبلة الكحلاوي تمتلك طرقا جيدة في توصيل رسالتها عبر الدخول للجمهور من الجانب الروحي ومخاطبة القلوب قبل العقول، فقد نجحت في ما لم ينجح فيه الكثير من الدعاة، في الفترة الأخيرة من إيصال رسالة الإسلام السامية والشريفة. ولعل أبرز دليل على حب الناس للداعية عبلة الكحلاوي كمية الدعوات الوفيرة لها فترة مرضها ودخولها المستشفى بالإضافة إلى الدعوات لها بالرحمة والمغفرة بعد الوفاة، فلم أجد شخصية أو داعية عليها إجماع كبير من الجمهور والمشاهير من مختلف الفئات والإيديولوجيات بهذا القدر من الحب مثل الداعية عبلة الكحلاوي. وليس غريبا عليها كل هذا الحب فقد كانت أستاذة للفقه في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات في جامعة الأزهر، فضلا عن كونها ابنة الفنان القدير محمد الكحلاوي، ذلك المنشد الديني الذي تربى في أسرة فنية، حيث احتضنه خاله الفنان محمد مجاهد الكحلاوي الذي كان معاصرًا للفنان صالح عبد الحي، وكان ذا صيت في ذلك، وكان لملازمته لخاله -معلّمه – في حفلاته الأثر الكبير، حيث تشبع بالحياة الفنية منذ صغره وورث عنه الصوت الجميل والأداء المتميز وكذلك لقبه.