معاناة الليبيات المتزوجات من أجانب تقابلها مطالبات بإيجاد الحلول

نسرين سليمان
حجم الخط
0

طرابلس ـ «القدس العربي»: قضية الليبيات المتزوجات من أجانب كانت وما زالت من أكثر القضايا التي أشعلت جدلا في الأوساط المحلية نظرا لحرمانهم من أبسط الحقوق فيما يخص أبناءهم، حتى بات استقرارهم في ليبيا مزعجا ومربكا، ولا يختلف عن استقرار أي أجنبي على أرض الدولة الأفريقية، فيضطرون إلى دفع الرسوم في الدراسة والعلاج وغيرها.
قانون الدولة لا يمنح للمتزوجة من أجنبي الحق في منح الجنسية الليبية إلى أطفالها، ورغم النقاشات المتكررة حول هذا البند إلا أنه ظل على ما هو عليه، والحجة لدى المسؤولين كانت الانتماءات والولاء، فتظل الأم ليبية بينما ابنها يظل غريبا .
شكاوى عدة تصاعدت من هذه الفئة تحديدا، وخاصة من تعرضن للتعنيف أو سوء المعاملة من أزواجهن، حيث يضظرن إلى الاستمرار في العلاقة الزوجية نظرا لصعوبة تحمل أعباء الانفصال والعودة إلى الأهل في ليبيا بأبناء أجانب.
كما أن رقم القيد الخاص بهؤلاء الليبيات يتضمن إشارة إلى زواجها من أجنبي، مما يترتب عليه تعامل البعض معها على أنها أجنبية أو معاملتها بعنصرية، وبالتالي إسقاط حقها في أي منظومة حكومية يتم التسجيل بها إلكترونياً، مثل التوظيف فضلا عن المشاركة بالانتخابات، إضافة إلى أسلوب التعامل معهم من قبل المواطنين ومرؤسيهم في العمل أيضا ما دعى العديدات إلى ترك وظائفهن .
مجلس النواب الليبي وكعادته ما زال يتملص من كافة مهامه المتعلقة بسن القوانين والتشريعات، حيث وجهت مجموعة من الجمعيات مطالبة للمجلس بسن قانون يحمي هذه الشريحة إلا أنه لم ينظر في هذه المطالبة نهائيا، بل واستبعد حتى الخوض فيها .

القانون الليبي

كثيرون اعتبروا القانون الليبي ظالما فيما يخص معاملة الليبية المتزوجة من أجنبي، خاصة وأنه يحتوي تفريقا وتمييزا واضحا بين الليبية المتزوجة من أجنبي والليبي المتزوج من أجنبية، وقد خلق هذا التمييز مشاكل اجتماعية كبيرة .
حيث تنص المادة الثالثة من القانون الليبي على جواز منح الجنسية لمن وُلِد لأبٍ ليبي، وعلى العكس تماما همش منحها لمن وُلِد لأمٍ ليبية، إلا في حال كان الأب مجهول الهوية.
اضطرار الأم المتزوجة من أجنبي على منح الجنسية لأطفالها يجعلها تدخل في معارك قانونية وإجرائية، حيث يجب أن تتقدم الأم بطلب جنسية لابنها بعد بلوغه سن الرشد، شريطة ألا يكون قد نال جنسية أبيه قبل ذلك .
وحتى في هذه النقطة لم ينصف القانون المعنفات أو المطلقات المنفصلات عن أزواجهن، حيث وضع شرطا تعجيزيا لهن للحصول على الجنسية أن يوافق والد الطفل، والجهة المختصة في وزارة الشؤون الاجتماعية .
خبراء في مجال القانون رأوا أن تناقضا واضحا يتواجد في بنود القوانين الليبية، حيث تحتوي المادة السادسة من الإعلان الدستوري لسنة 2011 على الآتي «مساواة الليبيين أمام القانون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص، والواجبات والمسؤوليات العامة، وأن لا تمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو اللغة أو الثروة أو الآراء السياسية أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء القبلي أو الجهوي أو الأسري».
منع الجنسية لأبناء المتزوجات من أجانب وحسب القانون يعتبر مخالفا أيضا، رغم أن النصوص القانونية لمنح الجنسية لم يذكرهم إلا أن نصوص المساواة يحب أن تنصف هذه الفئة، فبغض النظر عن ما جاء في هذه النصوص، فليبيا قامت بالتوقيع على عدد من الاتفاقيات التي تخص حقوق الإنسان والمساواة ومن بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تنص مادته الـ15 على أن «يكون للمرأة نفس حقوق الرجل في مواد اكتساب الجنسية وتغييرها أو الاحتفاظ بها».
منح حق الجنسية لأبناء المواطنة تنتهجه عديد الدول حول العالم تماشيا مع الاتفاقيات الدولية التي أبرمت للحد من عديمي الجنسية وصونا لحقوق الإنسان وكرامته، متطرقا للمواثيق الدولية في هذا الشأن وخاصة التي صادقت عليها ليبيا وبها أصبحت من ضمن الدول العربية القليلة التي صادقت على أغلب الاتفاقيات المتعلقة بحق الجنسية .
ووفق إحصائية أعدتها جمعية الأسرة من أجل المواطنة، بلغ عدد الليبيات المتزوجات من أجانب سنة 2012 حوالي 8000 حالة وبعد سنتين وصل 10.000 وحاليا وصل لأكثر من 15.000 ليبية متزوجة من أجنبي وأغلبهن ليس لديهن أطفال .

انتهاكات ومضايقات

في عام 2019 رصد تقرير حقوقي التهديدات التي تواجه المرأة الليبية التي تتزوج من أجنبي، مسلطًا الضوء على التشريعات التي تقيد هذا الزواج بشكل تعسفي.
وقال المرصد الأورومتوسطي، في تقرير مفصل، إن السلطات تمنح هذا الحق للشخص الليبي الذي يتزوج من أجنبية في سياسة اعتبرها الأورومتوسطي تمييزيةً، داعيًا إلى ضرورة تعديل قانون الزواج من غير الليبيين والليبيات رقم 15 لسنة 1984م، بما يكفل حق المرأة الليبية وحريتها في اختيار شريك حياتها .
واستعرض المرصد الدولي ومقره في جنيف في تقريره الذي حمل عنوان «المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي: زواجٌ مضطهَد، وأطفالٌ بلا جنسية» شهادات ليبيات تعرضن لمضايقات.
وبيّن أن القوانين الليبية اشترطت لحصول المرأة على عقد الزواج من غير الليبي (وكذلك الشرط بالنسبة لليبي الذي يرغب بالزواج من غير ليبية) موافقة لجنة تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية في حال كان الزوج عربيًا، وموافقة جهاز الأمن الخارجي في حال كان الزوج غير عربي، وذلك بحجة أن السماح بذلك يمثل مساسا بالتركيبة الديموغرافية للمجتمع الليبي وخطرا على الأمن القومي للدولة.
وخلص التقرير إلى أن «المعاملة القانونية للمرأة الليبية في هذا الخصوص تخالف الالتزامات الدولية على ليبيا بموجب اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية».

مطالبات تتجدد

قبل الثورة الليبية عام 2011 كان من الصعب على المنظمات المدنية المطالبة بأي حقوق لأي فئة كانت ولهذا فإن التدخل الأكبر كان من ابنة العقيد السابق معمر القذافي المسماة على رأس جمعية «واعتصموا» للأعمال الخيرية عائشة القذافي، التي سيّرت سلسلة من النقاشات والندوات لمناقشة هذه القضية .
وقد أثمرت هذه الجهود عن إصدار القانون رقم 24 لسنة 2010 بشأن الجنسية. ولكنه لم ينهِ القضية، بحسب رأي البعض.
ومع تشكيل حكومة وحدة وطنية في عام 2021 تجدد طرح هذه القضية خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات في كانون الأول/ديسمبر المقبل، لضمان حق هذه الفئة في الانتخابات والترشيح، وحقها في الدستور القادم للدولة الليبية والذي ما زال ينتظر الاستفتاء .حيث نظمت عدد من المتزوجات من أجانب بديوان بلدية غدامس وقفة احتجاجية للتعبير عن استيائهن من التهميش والإقصاء الممنهج والمتعمد بحقوقهن المصونة، التي من اللازم أن يكفلها القانون والدستور والتشريعات الدينية.
وتطالب المحتجات بتعريف المنظومة الليبية بهن كمواطنات ليبيات وليس أجنبيات وضمان حقهن في الدستور من حيث حق المواطنة وجنسية أبنائهن وحق العيش الكريم وضمان حق أبنائهن في التعليم العالي والعلاج المجاني.
وجددت مجموعة من المنظمات الحقوقية الليبية انتقاداتها للانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، والتي قالت إنها تواجه تمييزاً جنسياً بموجب القوانين القائمة حالياً في البلاد، مطالبةً بتحسين أوضاعها ومنحها المزيد من الحقوق والمزيد من العدالة في البلاد.
وبشكل خاص دعت المنظمات بإلغاء كافة القوانين والقرارات والتعاميم، المتعلقة بحرمان المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي، من منح جنسيتها لأبنائها، لافتةً إلى أن تلك القضية هي إحدى أهم وأبرز القضايا التي ناضلت المرأة الليبية من أجلها.
وكشفت ناشطات في مجال حقوق المرأة أن مجموعة من المنظمات تواصلت مع عددٍ من النواب لتبني تلك المطالب والعمل على عبور القانون تحت قبة البرلمان، إلا أنهم لم يبدو تجاوباً مع تلك المقترحات، في إشارة إلى وجود الكثير من المعوقات، التي تعترض تلك القوانين.
وعلى صعيد المبادرات والحلول، كشف رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح أنه للمرة الأولى ستكون الليبيات المتزوجات من أجانب قادرات على التصويت في الانتخابات المقبلة بعد معالجة المشاكل الفنية.
ومن المتوقع أن تتصاعد المطالبات من هذه الفئة تحديدا مع اقتراب الانتخابات حيث لم تتمكن من الانتخاب في وقت سابق الأمر الذي أثار غضبا وامتعاضا واسعا، لكون الانتخاب من أبسط الحقوق التي يجب أن يحصل عليها أي مواطن على وجه الأرض ضمن الحق في تقرير المصير .

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية