القاهرة- “القدس العربي”: يواصل معتقلون في سجن بدر1، شرق القاهرة، إضرابهم عن الطعام، منذ أكثر من شهر، احتجاجاً على الانتهاكات المتصاعدة ضدهم من إدارة السجن، بحسب رسائل مسربّة نشرتها رابطة أسر المعتقلين، ونقلتها منظمات حقوقية مستقلة.
ويعيش المحتجزون على الماء واللبن والتمر فقط، فيما تعرّضَ العديد منهم لحالات إغماء وضعف جسدي عام، ما يهدد حياتهم.
وكانت آخر رسالة مسرّبة من داخل السجن، ونشرتها رابطة أسر معتقلي سجن بدر على صفحتها على الفيسبوك، قد كشفت عن استمرار المعتقلين في إضرابهم المفتوح عن الطعام اعتراضاً على سوء المعاملة، والتعذيب داخل محبسهم، من قبل ضابط الأمن الوطني “وليد الدهشان”، والمعروف باسم أحمد فكري.
وبحسب الرسالة، فقد أدى الإضراب عن الطعام إلى الإغماء، وسقوط عدد من المضربين نتيجة الهزال والضعف الشديد.
وأكد المعتقلون أنه رغم ما يحدث لهم فهناك تعنت شديد من إدارة السجن إزاء تحقيق مطالبهم: “نعاني من كبر وتجبر من ضابط الأمن الوطني المسؤول عن إدارة السجن المسمى أحمد فكري، (واسمه الحقيقي وليد دهشان) في عدم تنفيذه أي مطلب لنا”.
وأضاف المعتقلون في رسالتهم: “يرى ضابط الأمن الوطني أنه لا يجب علينا أن نطالب بشيء من حريتنا أو من حقوقنا في حبسنا حتى يأتي موعد إطلاق سراحنا، لأننا فقط معتقلو رأي، أو أصحاب فكر مختلف عنه، وأنه يجب عليه أن يضيق علينا أشد أنواع التضييق”.
وبيّنَ المعتقلون أشكال التعنت معهم: “يأمر ضابط الأمن الوطني مساعديه من ضباط المباحث أو المخبرين أو الأمناء أن يتعمدوا في التضييق علينا، سواء كان بالبطش بنا، أو إهانة كرامتنا، أو التفتيش المهين، أو بوضع القيود والأصفاد لمجرد خروجنا من باب الزنزانة، أو بالتضييق علينا، وعلى أهلنا في الزيارات، أو بمنع أبسط الضروريات، كملح الطعام”.
وواصل المعتقلون في رسالتهم: “طفح الكيل بنا، وبلغت القلوب الحناجر، فبدأنا في الإضراب عن الطعام للمطالبة بحريتنا وحقوقنا من أجل الحصول على حياة آدمية في محبسنا، فردّ علينا هذا المتكبّر الغاشم، الذي لا يملك في قلبه إنسانية، رداً بالقوة، فبدأ بالتغريب، أي ترحيل بعض المعتقلين إلى سجون أخرى، ثم بعد ذلك التفتيش الشديد، ومنع التريض، والتضييق الشديد على الأهالي في الزيارات، وتأخيرهم المتعمد بالساعات عن موعد دخولهم، والقول لهم هذا بسبب إضراب المعتقلين”.
ووجه المعتقلون نداء إلى المعنيين بحقوق الإنسان: “يا من تدافعون عن حقوق الإنسان، أليس من حقنا أن نحيا حياة تتسم بالكرامة؟ فالنداء منا لمنظمات حقوق الإنسان ولمنصات الإعلام المختلفة، كونوا عوناً لنا، وأنقذونا من هذا الظلم الذي لا يعرف معنى الإنسانية، ورحمة لكي نحيا. وحسبنا الله ونعم الوكيل”.
إلى ذلك استنكرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات مواصلة إدارة سجن بدر1 تعنتها وانتهاكاتها المتصاعدة ضد النزلاء، التي دفعتهم للدخول في إضراب عن الطعام منذ أكثر من شهر اعتراضاً على هذه الانتهاكات والظروف اللاإنسانية التي يعيشونها.
وقالت المفوضية المصرية للحقوق والحريات- منظمة حقوقية مستقلة- إنه، وردّاً على الإضراب الجماعي، اتبعت إدارة السجن بقيادة ضابط الأمن الوطني المسؤول عن إدارة السجن، أسلوب العقاب الجماعي للمحتجزين ولذويهم عن طريق التغريب.
وأضافت: “نقلت إدارة السجن قرابة 50 سجينًا إلى سجن المنيا والوادي الجديد، بالإضافة إلى تعريض المحتجزين إلى حملات من التفتيش الذاتي المهين، والتضييق الشديد على الأهالي في الزيارات، وتأخيرهم بالساعات عن موعد الزيارة، وإعلام الأهالي بأن هذا نتيجة لإضراب ذويهم. بالإضافة إلى إخضاع ما تبقى من السجناء المضربين داخل سجن بدر1 لظروف قاسية، تمثلت في قطع الكهرباء والمياه والتعيين عن زنازينهم”.
ولفتت المنظمة إلى أن هذا الإضراب هو جزء من سلسلة متصلة من الإضرابات التي بدأها السجناء داخل سجن بدر1، سواء بصورة فردية أو جماعية، في سياق الظروف المعيشية اللاإنسانية التي تواجههم. حيث وثّقَ السجناء من خلال الرسائل المسربة، أو من خلال ذويهم، التضييق الشديد الذي تمارسه إدارة السجن.
وأكدت أن السجناء يعانون، منذ نقلهم إلى مجمع مراكز إصلاح وتأهيل بدر، والذي افتتحته وزارة الداخلية في ديسمبر/ كانون الأول 2021، من الكاميرات المثبتة، والتي تفرض مراقبة دائمة داخل كل ركن من أركان السجن. أيضًا التحكم في الإضاءة من قبل إدارة السجن، وتركها قيد التشغيل 24 ساعة، وهو ما يمنع السجناء من النوم، وما يصاحب ذلك من مشكلات نفسية وبدنية.
وطالبت المفوضية المصرية بمعاملة جميع السجناء معاملة إنسانية، والالتزام بحماية الحقوق الواردة في الدستور المصري للسجناء، وفقًا للمادة 55 و56 دستور، وأكدت أن الدستور أوجب لكل من يُقبض عليه أو يُحبس أو تُقيد حريته معاملته بما يحفظ عليه كرامته، فلا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مُخصصة لذلك لائقة إنسانياً وصحياً.
كما طالبت المفوضية أيضاً بضرورة توقف إدارة مركز تأهيل بدر1 عن الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها ضد السجناء.
وقدمت المفوضية عدة توصيات، منها الاستجابة لمطالب السجناء العادلة في سجن بدر، وفتح تحقيق فوري مع ضابط الأمن الوطني المسؤول عن إدارته في الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء، والتوقف عن سياسة التغريب التي تمارس من قبل قطاع مصلحة السجون بصفة مستمرة كوسيلة للعقاب والتنكيل بالمحتجزين، وفتح الزيارات العائلية بصورة منتظمة، وبدون تقييد.
كما دعت المنظمة إلى تفعيل المادة (71) من اللائحة الداخلية لتنظيم السجون، التي تنص على مدة الزيارة “ستين دقيقة كاملة”، والتوقف عن استخدام كاميرات المراقبة داخل الزنازين بصورة مستمرة، والامتناع عن استخدام الإضاءة المستمرة دون انقطاع كوسيلة من وسائل العقاب والتنكيل بالمحتجزين، وذلك بالمخالفة للمادة 14 فقرة ب من القواعد النموذجية لمعاملة السجناء، وتوقيع مصر على البروتوكول الاختياري الخاص باتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية، وما يستتبع ذلك من قيام منظمات دولية بزيارات ميدانية داخل السجون في مصر، بما يفتح المجال لمعرفة أكبر وواقعية لأوضاع أماكن الاحتجاز، فضلًا عن وجود رقابة مستقلة بعيدًا عن السلطة التنفيذية.
وفي 22 يونيو/ حزيران الماضي، طالبت أسرة المعتقل المتوفى في سجن بدر 1 أحمد يوسف عبد الله الصياد، في بلاغ أرسلته إلى النائب العام محمد شوقي عياد، بالتحقيق في وفاته داخل السجن، في ظل اعتقادهم بارتكاب إدارة السجن جناية في حقه.
وقالت أسرة المعتقل المصري في البلاغ: “الحالة التي شاهدناها لجثمان فقيدنا تشير إلى أن الوفاة غير طبيعية، سواء على صعيد اللون والكدمات ووجود آثار على الجلد، أو الهيئة العامة للجثمان”.
وأضافت: “اشتكى المتوفى دائماً، على غرار معتقلين من رفاقه، من كثرة الانتهاكات المتعمدة داخل السجن خلال الفترة الأخيرة، ما يزيد المؤشرات إلى أن الوفاة قد تكون غير طبيعية، ويشتبه في أنها جناية، ونحمّل القائمين على سجن بدر 1 ومصلحة السجون المصرية مسؤولية الوفاة”.
ومنذ بداية العام الماضي، توالت رسائل المعتقلين في مجمع سجون بدر، بشأن الانتهاكات التي يتعرضون لها، في وقت نفت فيه وزارة الداخلية صحة الأنباء المتداولة عن الانتهاكات.
وفي إحدى الرسائل تحدث المعتقلون عن تسجيل 55 حالة انتحار خلال عشرة أيام داخل السجن، سواء بالشنق أو قطع الشرايين أو ابتلاع الأدوية، وغيرها احتجاجاً على الانتهاكات التي يتعرضون لها.
وكانت السلطات سوقت لمجمع سجون بدر، الذي افتتح عام 2021، باعتباره «نموذجاً» في توفير الرعاية الإنسانية والثقافية للسجناء على الطراز الأمريكي، حسب تصريحات أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في سبتمبر/ أيلول 2021.
ومثل مجمع السجون الجديد، وقتها، واحدة من خطوات أعلنتها السلطات ضمن إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بهدف تحسين صورتها في الخارج، مقابل الانتقادات الدولية.