على الرغم من إشادة وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني بالدور الإعلامي الفعال في الدورة 54 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وحديثها عن أهمية السينما كرافد ثقافي ضروري وأساسي لتنمية الوعي لدى الشباب، إلا أن الواقع جاء عكس توصياتها تماماً، في ما يخص السينما، فقد خلت فعاليات المعرض من أي ندوات أو أمسيات سينمائية تُذكر إلا في ما ندر، فالاحتفالية الوحيدة التي حظيت ببعض العناية وحُسن التنظيم هي الاحتفالية التي أقيمت لمناقشة حياة ومشوار الفنان محمود مرسي وطرحت في ما طرحت وجهات نظر مُتعددة حول نوعية ما قدمه للسينما والدراما التلفزيونية.
وامتداداً للحديث عنه، تم التطرق لمسيرته الإعلامية كمذيع في محطة bbc اللندنية الناطقة باللغة العربية في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، التي استقال منها احتجاجاً على العدوان الثلاثي على مصر عام 1952، وكذا سجل بعض رواد المعرض من المُهتمين شهاداتهم في إنتاج محمود مرسي الثقافي والإبداعي، بانحياز يؤكد مكانته المرموقة عند جمهوره وخصوصية أدائه التمثيلي الرصين والمتميز. كما تمت الإشارة إلى ثقافة مرسي النوعية وتحصيله العلمي في فرنسا طوال فترة إقامته فيها لمدة خمس سنوات لدراسة الإخراج السينمائي بعد تخرجه في كلية الآداب قسم الفلسفة في جامعة الإسكندرية، وتنويهاً ببدايته الفنية جاء ذكر التجربة الأولى له في السينما مع المخرج نيازي مصطفي، الذي اختاره ليكون بطل فيلم «أنا الهارب» عام 1962 وتكررت بعدها بطولاته في مجموعة من الأفلام المهمة، من بينها «الخائنة» و»السمان والخريف «و»أغنية على الممر» و»أبناء الصمت» و»طائر الليل الحزين».
وبعد فترة، وبالتحديد في مُنتصف السبعينيات اتجه الفنان مرسي إلى الدراما التلفزيونية وتميز فيها أيضاً تميزاً ملحوظاً على مستوى الأداء، حيث قام ببعض البطولات في مُسلسلات ناجحة يأتي في مُقدمتها مُسلسل «بين القصرين» و»رحلة السيد أبو العلا البشري» و»العائلة والرجل والحصان» وغيرها. إلى هنا لم تُسجل فعاليات معرض الكتاب في الدورة الرابعة والخمسين ما يُمكن اعتباره نشاطاً سينمائياً مُجدياً ومُفيداً للحركة السينمائية، فلم تُناقَش أي من القضايا المُلحة كأزمة الإنتاج وأزمة التسويق والتوزيع وأزمة دور العرض والاحتكار والأجور والتقنيات والمنافسات الدولية والمهرجانات والتمويل الأجنبي وشروطه إلى آخره، فقد اكتفى المسؤولون والمثقفون بالاحتفال الشكلي فقط، من غير الالتفات ولو من باب ذر الرماد في العيون للمُشكلات الحقيقية المعوقة للاقتصاد السينمائي، رغم الطنطنة الإعلامية طوال الوقت بقوة الاقتصاد السينمائي، وضرورة دعم الصناعة وتسويق المُنتجات لمُضاعفة الأرباح وزيادة الدخل القومي.
لقد شهدت الدورة 54 تراجعاً ملحوظاً في مناقشة ملف السينما المصرية والعناية بُمستقبلها، فضلاً عن الإهمال الواضح للمُشكلات الجانبية الخاصة بالعمالة وتطوير معامل التحميض والاستديوهات وأماكن التصوير والإنتاج المُشترك عربياً وعالمياً، كل هذه آفاق وموضوعات كان بالإمكان النظر إليها ووضع سياسات للتعامل معها في ضوء خُطة مُنظمة وبرنامج قصير أو طويل الأمد، المهم أن تكون هناك محاولات لتقليل الأزمات بقدر الإمكان، لكن الواضح أن ملف السينما يُدار بالسياسات القديمة نفسها مهما تغيرت القيادات.
الغريب أنه في الدورات الماضية قُدمت بعض المُقترحات لإيجاد حلول لما تم ذكره من مُشكلات، وأخذ السينمائيون وعوداً قاطعة ببذل الجهود للقضاء على المعوقات لإمكانية النهوض بالصناعة، والعمل على الارتقاء بالمستوى الإبداعي، وبعد مرور عام وأكثر لم يتغير شيء ولا تزال كل المُشكلات عالقة، وجميع المُسببات قائمة بلا أدنى تحرك على أرض الواقع ولو بخطوة واحدة على طريق الإصلاح، علماً بأن الشعار المرفوع الآن هو شعار التجديد والتطوير وإعمال التكنولوجيا. لكن يبدو أن السينما ليست ضمن القطاعات المشمولة بالعناية والمعنية بالتطوير، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن تحويل قصور الثقافة إلى دور عرض سينمائية هو حل أمثل لمشاكل السينما قاطبة، أو أن دخول جهات معينة في مجال الإنتاج السينمائي والدرامي هو قضاء مُبرم على أزمات الإنتاج ودعم للاقتصاد، وهذا الأمر وإن كانت له جوانبه الإيجابية الكثيرة، لكنه لا يكفي لمُعالجة كل ما تُعاني منه السينما المصرية من أمراض ومُعضلات ثانوية وأساسية وبإشارات بسيطة يُمكن توضيح ما يُمكن أن تُسفر عنه الأزمات المُتراكمة في المُستقبل في ظل السباق الدولي المحموم للدول المجاورة التي تعمل مؤسساتها الثقافية على الهيمنة الكاملة بالإنفاق السخي على المهرجانات وتشييد دور العرض على أحدث الطُرز المعمارية والهندسية والفنية وتطوير الصناعة، وجلب الخبراء في المجالات التقنية كافة لنقل الخبرات واكتساب المهارات.
كل هذا الاستعدادات تتم بشكل متواصل في الدول المُحيطة بينما تقتصر النشاطات السينمائية في معرض القاهرة الدولي للكتاب بعد أكثر من نصف قرن على تنظيمه لتبدأ وتنتهي في الدورة 54 بندوة يتيمة وبعض التوصيات!
كاتب مصري