لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في روحي مكان جميل حقا. تاريخ قديم منذ سنوات الشباب الأولى. وذكرياته تكفي كتابا وحدها، وسأكتفي ببعض ما يضحك. جئت من الإسكندرية خصيصا لمعرض الكتاب الأول سنة 1969 أحمل في جيبي سبعة جنيهات ونصف الجنيه. اشتريت بها عددا كبيرا من الكتب لا يقل عن ثلاثين كتابا ما بين روايات أجنبية وروايات مصرية وكتب ثقافية، وعدت إلى مدينتي أحمل كنزا. تشتري ذلك الآن بآلاف الجنيهات! لستة أعوام بعد ذلك صرت آتي من الإسكندرية إلى المعرض حتى استقرت بي الحياة في القاهرة عام 1975 ولم أتخلف مرة عن زيارة المعرض. كان مكانه في البداية في أرض الجزيرة في الزمالك حيث أقيمت الأوبرا في ما بعد، بعد أن احترقت الأوبرا التي بناها الخديوي إسماعيل. كانت مساحة المعرض صغيرة، لكن كان المكان حميميا إلى درجة كبيرة، ثم انتقل إلى مدينة نصر، حيث الاتساع الهائل قياسا بمكانه القديم، فصرت أذهب إليه، لكن لا أجد فيه هذه الحميمية القديمة، فكنت إذا قابلت أحدا من الأصدقاء أشعر بأنني أراه قادما من صحراء، ولعله كان يراني كذلك أيضا! حدثت نقلة رائعة في بداية التسعينيات حين بدأ الدكتور سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب، في إقامة ندوات في القاعة الكبرى، وكان ذلك في البداية دعوة أطلقها الفنان الراحل عدلي رزق الله، ثم حدثني سمير سرحان، رحمه الله، فـــي أمر إقـــامة ما يسمى بالمقهي الثقافي، ليكون أكثر ألفة وحميمـــية للأدباء الشباب، تُناقش فيه الروايات والدواوين الجديدة، بعيداعن القاعة الكبرى في سرايا الاستثمار، التي صارت تقريبا مخصصة للندوات السياسية والفكرية. وافقته على الفكرة وللأمانة قال إنها فكرة وزير الثقافة ذلك الوقت فاروق حسني. ولما رآني سمير سرحان متحمسا، عهد لي إدارة ندوات المقهى .
حدث أن ظللت أديرها حتى عام 2000، لكنني ظللت بعد ذلك مواظبا على الحضور إلى المعرض. كان المقهى للكتابات الشابة الجديدة فكان أكثر جرأة في موضوعاته ويحرص عليه الكثير من الكتاب والمثقفين.
كثير من الحديث يمكن أن أقوله عن أيام المعرض وعن لقاء حسني مبارك بالمثقفين. ومن المهم أن أقول، وليس دفاعا عن أحد، إن كثيرا من المثقفين كانوا يسألون ويتحدثون في قضايا مهمة، لكن التلفزيون لم يكن يأتي بأكثر من ثلث الساعة من اللقاء، ويركز فيه على الطلبات التي تكاد تكون شخصية للبعض، فأظهر المثقفين في صورة سيئة أو ساذجة. سأقول ما يخصني فقط وكانت ثلاث مرات مضحكة.
كثيرا من المثقفين كانوا يسألون ويتحدثون في قضايا مهمة، لكن التلفزيون لم يكن يأتي بأكثر من ثلث الساعة من اللقاء، ويركز فيه على الطلبات التي تكاد تكون شخصية للبعض، فأظهر المثقفين في صورة سيئة أو ساذجة.
الأولى عام 1997 حين تم اختيار روايتي «لا أحد ينام في الإسكندرية» كأحسن رواية في العام. كان من يتم اختيار كتابه يتقدم ليصافح الرئيس مبارك، ويعود فقط لا غير، ويتسلم في ما بعد درعا من الهيئة بذلك أو شهادة. كنت أجلس جوار المرحوم أحمد مستجير مصطفى الشاعر والعالم في الهندسة الوراثية، ومن الناحية الأخرى سمير غريب الكاتب والصحافي، وهو بالمناسبة ليس الشاب سمير غريب علي صاحب رواية «الصقار». لسمير غريب كتابات مهمة في الفنون وشغل مناصب مهمة في الوزارة . فجأة سألني سمير كيف ستصافح الرئيس ولا ترتدي كرافته؟ قلت له لا أحبها. «لقد ارتديت بدلة وخلاص» قال لي ضاحكا ما يصحش دا بروتوكول يا إبراهيم كان لازم تعمل حسابك. لم أهتم لكن أحمد مستجير قال لي معي كرافتة لا تحتاج لفكها أو ربطها. دائرتها حول العنق أستيك، ثم خلعها وقدمها لي قائلا ضعها حول عنقك، وبعد أن تعود أعطها لي بيني وبينك اسم إبراهيم نافع. أخذت الكرافتة ووضعتها حول عنقي ونادوا اسمي فتقدمت وصافحت الرئيس وعدت. في طريق العودة نادوا عليه بعدي مباشرة. كان الموقف محيرا ومربكا، لكني وقد اقتربت منه هو الذي يتقدم ناحيتي في الطريق إلى المنصة، خلعت الكرافتة وأعطيتها له، فوضعها حول عنقه بين ضحك من يرانا وعدت إلى مكاني ضاحكا. المرة الثانية عام 2004 حين فزت بجائزة الدولة للتفوق في الآداب، وكان اللقاء فيها بالرئيس بعيدا عن المعرض في منتصف عام 2005. تسلمنا جميع الفائزين الميدالية والشيك من المجلس الأعلى للثقافة، وكنت فائزا بجائزة التفوق. بعد أيام أصدرحسني مبارك قرارا بمضاعفة الجائزة وعرفنا أننا سنحصل على القيمة السابقة نفسها مرة أخرى. كانت الجائزة التقديرية خمسين ألفا صارت مئة ألف والتفوق خمسة وعشرين ألفا صارت خمسين ألف والتشجيعية عشرة آلاف صارت عشرين ألفا. بالصدفة كنت فائزا في المرة الثانية بالجائزة التقديرية عام 2007، وضاعف أيضا الجائزة، لكن هذا حديث قد يأتي في مناسبة أخرى. المهم عرفنا أنه سيلتقي بنا ليوزع علينا شهادات الجائزة بنفسه، وكانت هذه أول مرة. لم يفعلها مبارك قط من قبل ولا بعد ذلك. النتيجة ظهرت منتصف عام 2005 عن العام السابق كالعادة، وكانت انتخابات الرئاسة الجديدة ستتم في العام نفسه. المهم ذهبنا إلى القصرالجمهوري في شارع العروبة في مصر الجديدة كل الفائزين، ووجدنا معنا بعض الفنانين الذين كان مبارك يحب أن يراهم، وطبعا كان هناك صحافيون سيغطون الحدث. بعد أن قام بتوزيع الشهادات علينا خرج من القاعة وخرجنا معه ووقفنا حوله، وإذا بالشاعر عبد العزيز موافي يقول له «ياسيادة الريس أحنا بنشكرك جدا على مضاعفة الجايزة، لكن أحنا ما اخدناش قيمة المضاعفة لحد دلوقت وفاضل كام يوم على العيد الكبير وعايزين نشتري لحمة للعيال» كان الكلام بالنسبة لنا غريبا جدا، فأدار معظمنا وجهه بعيدا يضحك، لكن فوجئنا بالرئيس مبارك ينادي الوزير فاروق حسني قائلا «يا فاروق. تعالَ». تقدم فاروق حسني فسأله كيف لم نحصل على قيمة مضاعفة الجايزة؟ فقال له فاروق حسني «يا افندم الموضوع في يد رئيس الوزراء، وهناك إجراءات تتم وستنتهي بسرعة»، فنادى رئيس الوزراء أحمد نظيف الذي كان جديدا قائلا «يا نظيف تعالَ». جاء أحمد نظيف فسأله السؤال نفسه، فأجاب نظيف أن الأمر يحتاج إلى موافقة مجلس الشورى وقد تمت، وبقيت موافقة مجلس الشعب، وستتم ويتم الصرف، فقال له الرئيس «باقول لك إيه ماتهرش مخي.. الفلوس النهاردة» قال نظيف حاضر يافندم. انصرفنا بعدها وعاد معي عبد العزيز موافي الذي كان فائزا بالتشجيعية في سيارتي وإبراهيم أصلان الذي كان فائزا بالتقديرية، وسألت عبد العزيز «كيف تقول للرئيس وتكسفنا أننا عايزين نشتري لحمـــة ما الفلـــوس حتيجي حتيجي؟» قال لي «أنا كنت ضابط جيش وهذه هي اللغة التي يفهمها». ضحكنا ووصلت إلى البيت وفي الساعة الرابعة عصرا وجدت جابر عصفور أمين المجلس الأعلى للثقافة وقتها يطلبني على الموبايل يقول لي تعالى ياسيدي دلوقت خد شيك بفرق الجايزة من المجلس وضحكت وأجلت الذهاب إلى ما بعد العيد الكبير.
٭ روائي من مصر
رغم فساد نظام مبارك إلا أنه كان صاحب نكتة و دمه خفيف…..و النظام الحالي مصيبة ساسية و كارثة اجتماعية و ثقافية بالمقارنة مع نظام مبارك المخلوع….
شكرا للكاتب الذي يذكرنا أن مصر لن تموت….
الله يرحم ايام مدارك . كان مايزال هناك بعض من الحياء والخجل والغيره لدي الشعب المصري . اما الان مات كل شيئ .
1- مع حاكم الثلاثين عاما المريرة، هأنت يا صديقي تستعيد ذكريات الحظيرة مع الفريق مبارك، وناظر الحظيرة الراحل. يعزى إلى مبارك الفضل في الاجتماع السنوي بمثقفي الحظيرة والاستماع إلى أسئلتهم الطريفة من نوعية أسعار الطماطم وعايزين العيال تاكل لحمة، الوحيد الذي سأل سؤالا له وزن كان محمد السيد سعيد- رحمه الله، ومن يومها منعوه من الحضور ومن أشياء أخرى. ويحكي كاتب كبير راحل كيف احتجز لأربع ساعات مدة اللقاء، وهو يعاني من بعض الآلام في المسالك. لا يستطيع الخروج أو الاستئذان,