بيروت – «القدس العربي» : شاهد على بعض من حاضرنا، وعلى الكثير من ماضينا. مهرجان بيروت للصورة – ذاكرة في دورة سنة 2022 حافل وغني بموضوعاته. محطات معارضه الموزعة في أكثر من مكان وزمان في بيروت حظيت باهتمام الجمهور، ولفلسطين فيها حصة وازنة وقيمَة. إلى جانب الإحتفالية الشعبية والرسمية بـ«زهرة القدس» الشهيدة شيرين أبو عاقلة، كانت احتفالية تكريمية ثانية على درجة عالية من الأهمية. إنه الكشف عن مخزون المصور العربي خليل رعد. فقد أتاحت مؤسسة الدراسات الفلسطينية للجمهور أن يقف على أحوال فلسطين وتطورها العمراني والتربوي والثقافي منذ أواخر القرن 19 إلى بدايات القرن!! 20. تلك الأرض التي إدّعى الصهاينة إنها بلا شعب وصحراء خالية.
بعدسة خليل رعد تنقلنا من مشهد إلى آخر يحكي ويعيد صوراً عن فلسطين الجميلة العامرة والخضراء. مشاهدات مؤثرة بخاصة لهؤلاء الناس الذين كانوا فرحين بأرزاقهم وأعمالهم واجتماعاتهم العائلية، الى أن حلّ المستوطنون ومعهم مجرموا الحرب الصهاينة. مشاهدات هذا المعرض حمّست لعودة استكشافية إلى كتاب «قبل الشتات – التاريخ المصوّر للشعب الفلسطيني 1876 – 1948» لوليد الخالدي. ففي «كلمة شكر خاصة» ورد اسم خليل رعد الذي تضمّن الكتاب العشرات من صوره. وقد جاء فيها التالي: «وإن كانت المجموعة الجوهرية الركيزة الأولى لهذا الكتاب، فإن الركيزة الثانية كانت مجموعة خليل رعد المقدسي، استاذ الفن الفوتوغرافي في فلسطين قبل الشتات، التي تكرّمت ابنته روث رعد مشبّك، مشكورة، بوضعها في تصرّف مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت. فقد كان خليل رعد العين البصيرة المُسجّلة لحياة الريف والمدن الفلسطينية خلال الإنتداب. فكان له ولواصف جوهرية فضل لا يعلوه فضل في إبقاء ذاكرة شعبنا تنبض حياة وحيوية، واستحقا بذلك شكر أبنائنا وأحفادنا على مر الأجيال. رحمهما الله وأجزل لهما الثواب».
وفي المعلومات الواردة عن خليل رعد في الكتاب المرفق مع «مهرجان بيروت للصورة 2022» أنه ولد سنة 1854 في قرية بحمدون في لبنان، وفي صغره انتقل مع عائلته إلى القدس، حيث تلقى تعليمه في مدرسة المطران غوبات «البروتستانتية». وتعلّم التصوير على يد غرابيد كريكوريان داخل المجمّع الأرمني في البلدة القديمة من القدس. وفي سنة 1890 أنشأ رعد في شارع يافا في القدس أوستوديو خاصاً به. وفي حرب احتلال فلسطين سنة 1948 خسر رعد وعائلته أملاكهم في القدس، وعادوا إلى لبنان. ومع توقف الحرب عاد إلى القدس وسكن مع زوجته في مُجمّع بطريركية الروم الأورتوذكس في المدينة.
ولأن اوستوديو رعد كان يقع في الجزء الذي احتلّه الصهاينة من مدينة القدس فقد أنقذ شاب ايطالي من اصدقائه جزءاً كبيراً من أرشيفة، ونقل في مهمات ليلية تسلق خلالها الأسوار «نيغاتيف» الأفلام. وتحتفظ مؤسسة الدراسات الفلسطينية بـ 3000 آلاف صورة من أرشيف خليل رعد، تمتد من أواخر القرن ال19 وحتى عشية حرب 1948.
صور خليل رعد تحفظ حياة شعب ووطن كان يوماً مزدهراً سعيداً بأهله، في الريف والمدينة، في العائلة وفي المجتمع، في الأسواق وفي الحقول، على الشواطئ أو في البيارات العامرة. في المدارس أو الساحات. إنها جوانب الحياة كافة والتي لم يترك منها خليل رعد لمحة دون أن تلتقطها عينه وتحفظها للتاريخ. ومن بين صور معرض مؤسسة الدراسات الفلسطينية عُرضت مجموعة من الصور تعود للعام 1919 تحت عنوان «مشاهد ممسرحة». وفيها ظهرت السيدة مريم ومارتا. والسيدة مريم تحمل طفلها الرضيع يسوع ويوسف يجر الحمار في رحلة الهروب إلى مصر.
خليل رعد الإنسان ظهر في عدد من الصور الشخصية أبرزها تلك التي امتطى فيها حصاناً. وفي المقابل حجز له مكاناً مرتفعاً على متن التاريخ، حيث أن صورته الشاهدة حفظت الكثير من حياة وطن وناس، بذلوا جهوداً لتكون مشطوبة من المكان والزمان. ولم يفلحوا.