بدت الأيام الأخيرة حافلة بالمتناقضات على جبهة حرب أوكرانيا، فقد أتمت موسكو إجراءاتها «الدستورية» لضم أربع مقاطعات أوكرانية مضافة، بينما بدت الوقائع على الأرض ماضية في الاتجاه المعاكس، فقد استردت أو سيطرت القوات الأوكرانية على بلدات وقرى في المقاطعات الأربع ذاتها، كان أهمها استيلاء القوات الأوكرانية على بلدة «كراسنى ليمان» المهمة لوجيستيا في مقاطعة «دونيتسك»، مع إغارات متصلة على شمال مقاطعة «خيرسون»، وإعلان القوات الأوكرانية عزمها اقتحام أراضي مقاطعة «لوغانتسك» المسيطر عليها روسيا بالكامل تقريبا، وبالطبع لم تتوقف المناوشات في مقاطعة «زاباروجيا»، وبالذات من حول محطتها النووية الكهربائية الشهيرة، التي أعادها الروس إلى عصمتهم بقرار رئاسى قبل أيام.
وبالطبع، لا يخفى الهدف من الهجمات الأوكرانية المدعومة ميدانيا من أمريكا ودول حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، فهي تريد أن تحول قرارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حبر يجف فوق الورق، ومن قبله ومن بعده قرارات البرلمان الروسي «الدوما» و»مجلس الاتحاد»، وأن تثبت لموسكو عجزها عن تنفيذ قرارات الضم وقوانينه فعليا، فهي لا تعترف باستفتاءات الكرملين ولا بنتائجها، وترى أن الضم عدوان روسي على أراضي أوكرانية، وأن بوسعها عكس اتجاه الريح، وإجلاء القوات الروسية والحليفة عن كل أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم، التي سبق لروسيا ضمها، بعد استفتاء مماثل عام 2014، بينما تعتبر روسيا أن إجراءاتها قانونية، وأن أراضي المقاطعات الخمس (دونيتسك ولوغانتسك وزاباروجيا وخيرسون والقرم)، كلها أراضي روسية تاريخيا، وأن غالب سكانها من الروس، وأن أراضي الشرق والجنوب الأوكراني جرى التفريط بها من قادة الاتحاد السوفييتي السابق، أو من القيادة الروسية المتهالكة عقب انهيارات موسكو الشيوعية، خاصة في عهد الرئيس الروسي الدمية بوريس يلتسين، الذي وقع على اتفاقات الاعتراف بتبعية أراضي روسية إلى أوكرانيا.
حملت تصريحات الروس الأخيرة شيئا من التحفظ النووي، لكن الأسلحة فوق التقليدية قد يرجح استخدامها، خصوصا الليزر والصواريخ الأسرع من الصوت
وقد لا تكون المقاطعات الأربع هي آخر مدى أوكراني، تتطلع روسيا «البوتينية» إلى استعادته أو ضمه، وهو ما بدا ظاهرا في كلمة سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي أمام اجتماع «الدوما»، فبعد أن اعتبر لافروف قرارات الضم الأخيرة شرعية تماما، ومتوافقة مع القانون الدولي وحق تقرير المصير، أضاف عبارة بدت لافتة عن اضطهاد الروس في مقاطعات أخرى، لم يذكرها بالاسم، وإن كان ظن المراقبين من بعيد ومن قريب، أنها قد تنصرف إلى مقاطعة «خاركيف» التي انسحبت منها القوات الروسية مؤخرا، تحت ضغط الزحف الأوكراني، وإلى مقاطعة «ميكولاييف» التي توجد قوات روسية في بعض مناطقها، وإلى مقاطعة «أوديسا» الواقعة إلى الغرب من «ميكولاييف»، وهو ما يعني استمرار رغبة موسكو في حرمان أوكرانيا من إطلالاتها الأخيرة على البحر الأسود، بعد أن تحول «بحر آزوف» إلى بحيرة روسية خالصة. وهكذا أغلقت وتغلق كل سبل التفاوض في المدى المنظور، فالرئيس الأوكراني زيلينسكي الذى لا يملك شيئا من أمره، ليس بوسعه الخروج عن طاعة واشنطن ومزودي السلاح الغربيين، واتخذ قرارات يراها استراتيجية ردا على إعلانات الضم الروسية، كان أولها تقديم طلب عاجل جديد لضم بلاده إلى حلف «الناتو»، لا تبدو واشنطن متحمسة لقبوله، ولا يبدو الآخرون من الحلفاء الكبار على استعداد لبحثه قريبا، حتى إن بدوا على حماس ظاهر لدعم أوكرانيا بالأسلحة الأكثر تطورا، فميثاق الحلف لا يتيح ضم دولة محتلة أراضيها، وقد رفضوا حتى قبل الحرب ضم أوكرانيا، وبمخاوف معلنة تخشى التورط في حرب مباشرة مع روسيا، قد لا يضمن أحد عدم تطورها إلى صدام نووي مهلك، وحين بدا للقيادة الأوكرانية، أن فرص نقل عبء الحرب إلى كاهل «الناتو» رسميا لا عرفيا تضيق، وأن دولا قليلة في «الناتو» قد تتحمس لمطلبه العاجل، فلم يجد زيلينسكي أمامه غير الانتقال لعنوان آخر، هو رفض مبدأ التفاوض مع موسكو ما دام بوتين باقيا في السلطة، وهو ما ردت عليه موسكو بقبول التفاوض وفق شروطها، وأولها عدم التطرق لمناقشة قرارات الضم الروسي المعتبرة نهائية، وسواء جرى التفاوض مع زيلينسكي، أو مع خلفه في الرئاسة، وهو ما قد يعنى ضمنا، أن هدف إزاحة الرئيس الأوكراني عاد إلى جدول أعمال الروس الحربية .
ومع انسداد أفق التفاوض المحتمل بين روسيا والغرب في الميدان الأوكراني، لم يعد من خيار سوى اللجوء للحسم بالقوة المسلحة، خاصة مع مكاسب معنوية تحققت للأوكران في الاختراقات الأخيرة، ومع تراجع الروح المعنوية للقوات الروسية محدودة العدد على الأراضي الأوكرانية، ومع تكشف وجوه خلل ظاهر في الأداء العسكري لقيادات الجيش الروسي، ما دفع أخيرا إلى إجراء تبديلات في القيادات الميدانية، والإسراع في تنفيذ قرار إعلان التعبئة الجزئية، ودعم القوات الروسية بما يزيد على 300 ألف جندي مضاف من قوات الاحتياط، بدأت طلائعهم في الوصول بالفعل إلى الميدان الأوكراني، وبهدف شن حملة كاسحة واضحة الأهداف، وإكمال السيطرة على المقاطعات الأربع المنضمة إلى حدودها الإدارية الكاملة، في مهمة لا تبدو سهلة، لكن لا بديل عنها لدى بوتين، ولا فرصة للتلكؤ في تنفيذها، ولا للعودة إلى التباطؤ الروسي السابق في الزحف البري، الذي تواصل لشهور طويلة مضت، وشجع الأطراف الغربية على قيادة وتوجيه هجمات أوكرانية مضادة، أخذت من معنويات الروس وهيبة جيشهم، وصورتهم في وضع المنسحبين الهاربين باطراد، سواء من مناطق في شرق «خاركيف»، أو من «كراسنى ليمان»، وأغرت المخططين الغربيين بتوقع هزيمة روسية شاملة، ربما تدفع إلى الإطاحة بالرئيس بوتين نفسه، وهذا هو جوهر التحدي المطروح على الروس اليوم، ولا يترك لهم من خيارات في المساحات الرمادية، فليس لهم من خيار سوى النصر المؤكد الشامل، أو ملاقاة هزيمة محققة تهدد كيان الاتحاد الروسي نفسه، بينما يبدو الطرف الآخر في الوضع الحرج ذاته، وهو ما يفسر الحركة الأمريكية والغربية المحمومة بمضاعفة وتيرة تدفق السلاح المتطور إلى الميدان الأوكراني، ولم يعد يمر يوم بغير إعلان واشنطن عن صفقات سلاح جديدة للجيش الأوكراني، وبتكاليف تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات، وبأحدث ما في مخازن البنتاغون من أسلحة، تعدت راجمات «هيمارس» إلى صواريخ «ناساماس» للدفاع الجوي، والأخيرة هي ذاتها المنصوبة للدفاع عن مبنى «البيت الأبيض» ورئيسه، وهو ما يعني أن المخاطر الانتحارية مطروحة على جانبي الحرب، وليس أمام الروس في المقابل، سوى استخدام أسلحتهم وطائراتهم وصواريخهم الأكثر تطورا، وسوى الدفع بقوات مشاة وزحف بري، قد تصل عبر الوقت إلى نحو المليون جندي، إن أرادوا أن ينالوا نصرا كاملا وعاجلا، فوفقا للمنطق الروسي، صارت المقاطعات الأربع المضافة أرضا روسية، ولا مناص عن كسبها كافة، والدفاع عنها وتأمينها بكل الوسائل المتاحة، وفي أقصر وقت ممكن، وهو ما يدفع لتصور حدي الطابع، قد لا تقتصر المعارك فيه على هدف استكمال السيطرة على ما تبقى من مناطق «خيرسون» و»وزاباروجيا» و»لوغانتسك» و»دونيتسك»، بل ربما فرض سيطرة روسية على مقاطعات أخرى، ومعاودة قصف العاصمة «كييف» ومراكز صنع القرار والتخطيط الغربي فيها، وإيداع وسائل لشل عمل الأقمار الصناعية العسكرية والمدنية الغربية، التي تنقل في التو واللحظة كل تحركات القوات الروسية، حتى في الداخل الروسي، وكلها مهام تؤكد الطابع العالمي للحرب الجارية في الميدان الأوكراني، فلا فرصة لضمان سريان قرارات الضم الروسية، سوى بإجبار الخصم على الاستسلام للشروط، وربما التخلص من زيلينسكي نفسه، الذى يصور أوكرانيا على أنها «إسرائيل كبيرة» محمية أمريكيا في أوروبا.
وقد لا نرجح أن تتطور الحرب إلى المستوى النووي، بالقنابل النووية الصغيرة أو بالقنابل الاستراتيجية، اللهم إلافي أحوال هزيمة ويأس روسي نهائي، لا يبدو مرجحا هو الآخر، وبما قد يجعل سياسة «حافة الهاوية النووية» في مقام الردع والتهديد وبث الرعب، وليس في وارد الاستخدام الفعلي، فليس ثمة من منتصر في حرب نووية، قد يملك الروس وسائلها بأكثر من غيرهم، لكنهم يدركون أنها الحرب التي تدمر الدنيا كلها، وقد حملت تصريحات الروس الأخيرة شيئا من التحفظ النووي، لكن الأسلحة فوق التقليدية قد يرجح استخدامها، خصوصا أسلحة الليزر والأسلحة الكهرومغناطيسية والصواريخ الأسرع من الصوت، وهو ما تملك فيه روسيا امتيازا، ربما يفيدها في استعجال لحظات حسم، لا نتوقع توقف الحرب من دونه، والأسابيع المقبلة لن تكون كسابقاتها في كل الأحوال، فهي فرصة الروس ومعركتهم الأخيرة، إن أرادوا رد اعتبار روسيا وهيبة الجيش والسلاح الروسي.
كاتب مصري
ستنتهى هذه الحرب الملعونة يوما ما…فقط عندما يتأكد الغرب بأن التدمير الذاتي لكلتا الدولتين اوكرانيا وروسيا قد تم بالفعل وعلى مستوى أنه لم يبقى فى الدولتين لا اخضر ولا يابس .
تحياتي لك أستاذ قنديل
نعم والأسابيع المقبلة لن تكون كسابقاتها، الجيش الأوكراني سوف يسحق سحقا جيش القيصر الواهم، على الأقل بإعتقادي
This writer he is a top strategist
he should be adviser
بدأ للجميع ذكاء وحنكه الرئيس بوتين في إدارة بلاده واستعادة الاتحاد السوفيتي وهو ما يطمح له ولكن من الخاسر تكون كلها تكهنات من سيدفع المال ومن سيضحي بالدم دول ستتعرض الدمار الشامل ولكن في هذا المقام لا يسعنا نحن كل بناء وطن محتل إلا الوقوف مع من يحارب عدونا الأول العصابات الصهيونية التي تعوث الفساد في الأرض ونحن إذا حسبنا الخسائر بنسبه عدد السكان ستكون النسبه تفوق الخيال
لقد كفيت ووفيت ٠ شكرا على هذه التفاصيل والحسابات السياسية واللوجستية التى لم اكن اعرفها
الحرب الأوكرانية ـ الروسية مرشحة للأستمرار لفترة طويلة ذلك لأنهاء الوجود لدولة أسمها روسيا الأتحادية … نهاية روسيا الأتحادية وبالتحديد نهاية دكتاتور الكرملين بوتين سيؤدي إلى أنهيار الأنظمة الدكتاتورية في كل العالم .. لذا ترى الحكام العرب يدعمون الدكتاتور الروسي الذي هو أملهم الوحيد في البقاء ..
حل مشاكل روسيا أن يعزل رئيسها وزراءه ومستشاريه وحاشيته وينشيء حكم انتقالي يلغي عقيدة عدوان توسعية ويفكك أجهزة أمن تعادي شعوب روسيا ويحرر معارضين ويتيح حرية تعبير ويوقف دعم دول وميليشيات إرهاب وحركات انفصال وينسحب من أوكرانيا وسوريا وجورجيا ويعوضها ويسلم مجرمي حرب ويمنح استقلال كامل للقوقاز ويعتمد دستور حديث وقوانين تناسب القرن 21 ويجري انتخابات حرة نزيهة برقابة دولية ويعيد روسيا لعضوية مجموعة السبع ولتعاون كامل مع العالم الحر ويخفض حجم وتسليح جيشها للربع ويقصر إنفاق ثرواتها لتحسين معيشة مواطنيها
شكرًا أخي عبد الحليم قنديل. من ناحية لاشك بأنها قباحة أن يصور زيلينسكي أوكرانيا باسرائيل المحتلة التي تمارس نفس الإجرام الذي يمارسه بوتين بحق أوكرانيا. لكن كونها فرصة روسيا أو الحقيقة بوتين ومعركة روسيا (بوتين) الأخيرة لايعني أنها ستكون لصالحهم وقد تكون المعركة التي ستكسر شوكة الجيش الروسي كما حصل لروسيا وأمريكا نفسها في أفغانستان وكذلك سابقًا في العراق وفيتنام! القوة العسكرية واحدة غير كافية وعذا معروف جيدًا لكن بوتين دكتاتور ولا يفكر بعقلية السياسي بل ربما بعنجهية رجل الأمن تلفاشل في فهم السياسة على الأقل استرانيجيًا!.