لقد مر أسبوع على العملية الانتحارية التي حلت بالديمقراطية الإسرائيلية ونفذها رؤساء أركان سابقون. أحد الأمور البارزة في الأصداء منذ ذلك الحين هي موجة المقالات والتحليلات التي تحاول تبرير الخيانة بأثر رجعي وفهم نوايا من نفذوها. هذه ظاهرة مسلية. وعندما يرى شخص ما في الشارع أن هناك من يسرق بنكاً سيعرف أن هناك جريمة تحدث أمام ناظريه، حتى لو لم تكن لديه أي وسيلة لمنع ذلك، ولن يخيل إليه بأن ذلك السارق هو روبن هود الذي يضحي بنفسه من أجل إنقاذ الإنسانية. أما في حالة بني غانتس وغابي أشكنازي فينظر إلى الجريمة على الأقل في أجزاء من الجمهور ووسائل الإعلام بعدم المبالاة، وبروح “لم يكن أمامهم خيار آخر”. نشرت “هآرتس” هذا الأسبوع بتاريخ 30/3 مقالاً طور هذا إلى درجة القول “الزعيم الجيد يخون ناخبيه”.
هذه ظواهر معروفة في مجال الصحة النفسية أثناء حدث صعب وصادم: نفي، وإقصاء، وتبرير، وآمال عدمية. ولكن الأمر الصحيح هو الاعتراف بالواقع ومحاولة استخلاص العبر منه، حتى لو لم تكن لطيفة. تلك هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى مصير مشابه في المستقبل. وبهذا، يبين الواقع أن اليمين كان محقاً.
في رؤيته السياسية – الأمنية، هذا إذا كانت له رؤية كهذه أصلاً، وليس بالنسبة لتحويل إسرائيل إلى دولة عظمى ونور للأغيار، وتحديداً ليس بالنسبة لحياكة ملفات في الشرطة والنيابة العامة لمتهم من بلفور – وهو عمل يد عليا انتقامية. بالعكس، نتنياهو منذ بداية التحقيق معه حظي بتطبيق انتقائي وانسحاب تسبب بضرر كبير للجهاز السياسي والقضائي، ولكن اليمين كان محقاً في أمر واحد، وهو نظرته المتشككة والمستخفة بمعسكر “كله إلا بيبي” ورئيسه.
من اليوم الذي ظهر فيه بني غانتس في حياتنا والمشروع الذي يسمى “أزرق أبيض” قال اليمين وكرر أن هذا معسكر ضائع وليس له أي رؤية؛ لأن استبدال نتنياهو ليس أيديولوجيا بحد ذاتها، وأن غانتس وسيلة فارغة، وأن غابي أشكنازي محتال، وأن شركاءهم انتهازيون، وأنه لا توجد أي روابط تربط هذا المعسكر، وأنه سيتحلل ويتبخر من تلقاء نفسه.
بهذا، اخرجوا وانظروا: في جانب من الساحة وقفت كتلة حصانة قومية – دينية وضعت نفسها بصورة حصرية في خدمة المصالح القضائية – العائلية للمتهم. هذه الكتلة نجت وتجاوزت ثلاث حملات انتخابية ونجحت فيها جميعاً بالفوز، بما في ذلك الجولة الثانية التي تقلصت لتصل إلى 55 مقعداً، وحتى الآن لم يحدث فيها أي صدع ولم يظهر فيها أي منشق. عندما غرد نفتالي بينيت بمقاعده الثلاثة، وأجرى اتصالات مع غانتس، سارع نتنياهو إلى تعيينه وزيراً للدفاع وأغلق الموضوع.
وقفت أمامه كتلة غير قادرة على تحقيق أفضلية أو فوز حتى لو كان لها 65 مقعداً. في لحظة الحقيقة، عندما نفخ عليها نتنياهو بفضل كورونا، تفككت وكأنها لم تكن. ليس معسكراً، إذا كان يمكننا تسميته هكذا، هذا الذي لم ينجح زمن الامتحان في تحقيق أيديولوجيته الوحيدة التي هي إسقاط نتنياهو وكتلته من مراكز القوة والحكم.
خلافاً لادعاءات اليمين، أعتقد أن هذه هي الأيديولوجيا: شرعية، ومناسبة، وتثير المشاعر. ولكن يجب الاعتراف بأنها انهارت بضجة كبيرة.
هناك تفسيران رئيسيان، وهما: الجبن والعنصرية. ولكن علينا الاعتراف أيضاً بتفسير آخر مهم، شخصي. على مستوى المنتخبين وبمعزل عن الناخبين، تجمع في هذا المعسكر عدد من الانتهازيين الذين لا يمكن إصلاحهم، بدءاً بغانتس وأشكنازي ونسنكورن، ومروراً بليفي أبقسيس وبيرتس وشمولي ويبركان وتمنو شيتا وهندل وهاوزر، وانتهاء بنماذج مثل حيلي تروفر واساف زمير وميكي حيموفيتش، الذين لم يكملوا سنة غير نافعة في الكنيست وها هم يركضون ليصبحوا وزراء في حكومة يمين مضخمة بعد أن خانوا مبادئهم وناخبيهم.
إن طريقة إعادة الإصلاح، إلى جانب بناء بديل فكري وشراكة حقيقية بين اليهود والعرب، يجب أن تمر عبر التخلي عنهم في الحاضر والحذر من أمثالهم في المستقبل.
بقلم: أوري مسغاف
هآرتس 2/4/2020
سبحان الله…..حياته جحيم…..