عمان ـ «القدس العربي»: ما خطط له جيداً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تجنب مشهد حليفه المستشار الألماني وهو ينبطح على أرض مطار إسرائيلي مع مرافقيه خوفاً من صواريخ المقاومة الفلسطينية. وما خطط له المرافقون والمعنيون في سفارة باريس في عمان، هو أن ينام الرئيس الفرنسي إذا اقتضت ظروف سفرته للمنطقة، في مكان آمن في الأردن تجنباً لمزالق النوم والاستراحة في أي من مرافق الكيان الإسرائيلي.
لا وقف للنار
على الهامش يفترض أن تجري مباحثات أردنية فرنسية.
قبل ماكرون وفي زياراته المكوكية للتضامن مع إسرائيل، كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ينام في أحد فنادق الأردن، ثم يتوجه إلى الأراضي المحتلة، ويعود إلى عمان.
والفكرة أصلاً من الزيارة الملغاة للرئيس الأمريكي جو بايدن، كانت الحرص على أمنه الشخصي ومرافقيه في مدينة آمنة مثل عمان، لكن ظروف واعتبارات قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمغادرة منزله في عمان ليلة قصف المستشفى المعمداني في غزة هي التي خلطت الأوراق وانتهت بقرار أردني شهير بإلغاء اللقاء الرباعي في الأردن بحضور بايدن. عملياً، عبر وزير الخارجية الأردن عن قلقه من ردة فعل الإدارة الأمريكية على قرار بلاده إلغاء اللقاء الرباعي.
لكن القرار اتخذ في أرفع المستويات وبعد التقدير بأن كلفة إلغاء القمة الرباعية التي أصبحت ثلاثية بسبب انسحاب الرئيس عباس قطعياً منها، ستبقى أقل من كلفة عقدها بعد ساعات من مجزرة المستشفى.
الأردن، دبلوماسياً، يحاور ويناور ويناضل، وما رصدته المؤسسات الرسمية مبكراً هو رغبة الزعماء الدوليين ووزرائهم بالمرور إلى عمان وإلقاء التحية ثم إجراء مشاورات لا معنى لها مع نظرائهم الأردنيين، لا تعكس وجود أي خطة أو اتجاه عند الدول الغربية أو الولايات المتحدة بصناعة حالة الآن يمكن أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار. لكن الأهم أردنياً، أن بعض القادة الغربيين يزورون إسرائيل في لحظات حرجة للتضامن علناً معها، ثم يبحثون عن مقر للنوم في أرض الأردن الآمنة.
تلك مفارقة رصدت عدة مرات في إطار لوجستيات التحضير لاستقبال هؤلاء وتأمينهم، ودون أدنى نجاح حتى الآن على الأقل، لا مصري ولا عربي ولا حتى أردني، في تأمين مخرج من أي صنف أو تسجيل ثغرة في الجدار الغربي الأمريكي الصلب، الذي حضر بقوة بعد معركة طوفان الأقصى إما للاطمئنان والتضامن مع الإسرائيليين أو منطلقاً من الخوف على كيانهم وفرض الوصاية والانتداب عليه، وفقاً لقراءة المحلل السياسي المعروف في عمان عريب الرنتاوي.
قادة الغرب يتضامنون مع إسرائيل و«ينامون» في الأردن
يشير الرنتاوي مع غيره من المراقبين إلى أن حملة التضامن الأمريكية والغربية الأوروبية الغريبة والتي تسكت عن المجازر الإسرائيلية لاحقاً، مردها التأكيد على أن الكيان الإسرائيلي فقد القدرة أساساً على حماية نفسه.
وتلك بطبيعة الحال نقطة تحول لها ما بعدها فرضتها إيقاعات معركة الطوفان، فيما عمان لوجستياً وأمنياً وسياسياً موجودة وتناور وتبادر وتحاول إعادة تدوير الزوايا الضيقة مع جرعات الاستياء من بقاء الموقف الرسمي في زاوية لوجستية دبلوماسية وليس فاعلة على طاولة القرار.
مشاعر القلق التي اعترت تعبيرات وزير الخارجية الأردني مبكراً لها ما يبررها.
لكن الصدمة في أوصال الدولة الأردنية كبيرة اليوم؛ لأن الفهم القديم لإسرائيل باعتبارها مشروعاً أمريكياً غربياً أصلاً ـ كما يقول دوماً الرئيس عباس ـ لم يعد يكفي اليوم لتنفيس الاحتقان الرسمي الأردني، ولم يعد يكفي لتبرير هذا التواطؤ الكبير مع الإسرائيليين دون أدنى حد من الاهتمام بمصالح دول معسكر الاعتدال العربي، وأهمها الأردن.
ارتباك دوائر القرار
دوائر القرار الأردني واضح تماماً أنها مرتبكة جداً جراء ذلك التبادل غير المألوف، ليس للخبرة الأردنية والمصرية فقط، لكن للمصالح في هذه الدول التي وقعت اتفاقيات سلام مع الإسرائيليين يتلاعب اليوم الثأر والانتقام الإسرائيلي ليس بمستقبلها فقط، ولكن بمصيرها الحالي. بحث الأردنيون بحماسة عن معادلة ما تعيد المعسكر الغربي لرشده، لكن دون استجابات خارج نطاق عبارات إنسانية خجولة صدرت عن ماكرون وبلينكن ووزير الخارجية الإيطالي، عندما حضروا للنوم فقط بأمان في الأردن.
عملية البحث لم تصل إلى أجوبة محددة، لكن نتج عنها البقاء في حالة تحريك دبلوماسي وعبارات على لسان الوزير الصفدي تستغرب الفصام والازدواجية وتطالب بإدانة قتل المدنيين من الطرفين كما فعل الرئيس عباس على الأقل، كما تتبنى خطاب حماية المدنيين والإنسانيات والإغاثة خلافاً لعبارة تعكس مستوى الأسف والحرج الأردني قيلت للمفوض الأوروبي جوزيب بوريل عن انطباعات تتشكل شعبياً بلهجة ورسائل صليبية، وهي عبارة قيلت للتحذير، لكن لا أحد من الزعامات الأوربية اهتم أصلاً حتى اللحظة بنفيها.
يقول الأمريكيون لعمان إن الحديث عن وقف إطلاق النار مبكر جداً. ويقول الأمريكيون لواشنطن إن القضاء على حركة حماس اليوم أقرب إلى مهمة مستحيلة، وكلفتها عالية جداً ليس على استقرار وأمن المنطقة فقط، ولكن على المملكة الأردنية والجمهورية المصرية.
سلسلة صدمات عايشتها المؤسسة الأردنية مع الأوروبيين والأمريكيين. وفي الوقت الذي يمتلك فيه المصري والأردني ما يكفي من الخبرة والمهارة للتواصل مع الأمريكيين والأوروبيون كما كان يحصل في الماضي، يبدو أن الصدمة الأعمق اليوم تتمثل في أن المؤسستين الغربيتين تجازفان بمصالح وحتى ببقاء أنظمة السلام العربية المعتدلة، ولا تريدان الإصغاء ولا تنفيان في الوقت نفسه البعد الصليبي في الحملة الحالية.
ذلك تحول مربك جداً للمؤسسة الأردنية، ويحتاج إلى سنوات لهضمه. وقصة زيارة عمان للنوم فيها والاسترخاء بأمنها قياساً بإسرائيل، لم تعد تكفي لتفسير ذلك المستوى العجيب الغريب من احتضان إسرائيل، لا بل وضعها تحت الانتداب والسكوت عن تلك المجازر كلها.